دعا لتشكيل حاضنة شعبيّة وسياسيّة

عبد الناصر فروانة: معركة المضربين تحتاج طول نفس والحقوق تُنتزع ولا تمنح

الاعتقال الاداري.jpg
المصدر / بوابة الهدف الإخبارية

مركز حنظلة_غزة

بعض الأشخاص القليل منهم فقط، يأبون على أرواحهم الذّل والخنوع، يسعون إلى المجد مهما بلغ ثمن التضحيّة وعظيم العطاء، ليسوا أُناسًا عاديون لا يأكلون طعامنا ولا يشربون من مائنا فطعامهم وشرابهم من عزٍ وكبرياء، كانوا أحرارًا يواجهون مغتصب أرضهم بأذرعهم التي ما لانت يومًا، وبصدورهم العاريّة يلاطمون المخرز، غاظوا عدوهم فما كان منه إلّا أن يسعى بائسًا لقتل عزيمتهم وانتزاع شرار الثأر من أعينهم وحين عجز انتزع حريتهم مكبلهم في معتقلاته وسجونه، وما كان من الأحرار –رغمًا عن عين السجان- إلّا مواصلة النّضال والكفاح ولكن هذه المرّة بأمعائهم الخاوية.

يوم الأحد الموافق 27 /سبتمبر، أعلن 30 معتقلًا من الجبهة الشعبيّة لتحرير فلسطين في سجون الاحتلال الصهيوني قرارهم ببدء معركة الإضراب المفتوح عن الطعام، وذلك رفضًا لاستمرار اعتقالهم الإداري، ولمعرفة المزيد من التفاصيل عن هذا الملف الشائك ومستجداته، أجرت الهدف حوارًا مع الخبير في شئون الأسرى ورئيس وحدة الدّراسات والتوثيق في هيئة شئون الأسرى، عبد النّاصر فروانة.
 

ما هو الاعتقال الإداري، وتاريخه

عرّف رئيس وحدة الدّراسات والتوثيق في هيئة شئون الأسرى، عبد النّاصر فروانة، الاعتقال الإداري بأنّه سلب لحريّة المواطن الفلسطيني وفقًا لقرارات إدارية دون توجيه تهم معينة ولفترة غير محدّدة، مشيرًا إلى أنّ العدو توارثه عن الانتداب البريطاني وطوّر عليه، وأصدر أكثر من 12 قرار لتوسيع تطبيقه.

ونوّه إلى أنّ الاعتقال الإداري أصبح ما بعد العام 1967، جزءًا أساسيًا من السياسة الصّهيونية في التعامل مع الفلسطينيين ووسيلةً للعقاب الجامعي خاصّة وأنّ الاحتلال أصدر أكثر من 55 ألف قرار اعتقال إداري – ما بين قرار جديد وتجديد-، موضحًا أنّ الاعتقال الإداري يعتمد على قرارات إداريّة سهّلت الإجراءات لتصبح في انتفاضة الحجارة هي الضابطة للمخابرات في اعتقال الشبان الفلسطينيين وهو ما يبرّر التوسّع الكبير في هذه الأعداد"

ولفت إلى أنّ سياسة الاعتقال الإداري تعتمد على مصطلح "الملف السري" بمعنى أنّه لا يحق للمعتقل أو محاميه الاطلاع على التهم المنسوبة إليه ما يسقط حقّه في الدّفاع عن نفسه وعن حريته، مشيرًا إلى أنّه يتم أحيانًا عقد محاكم صوريّة تفتقد معايير المحاكمات العادلة، وتفتقر إلى كل المحدّدات التي وضعها القانون الدّولي.

وأضاف فروانة: "في ظل الحديث عن عدم شرعية الاعتقال الإداري، يجب علينا أن نشير إلى أنّ الوجود الاحتلالي بأسره وجود غير شرعي، وأنّ كل ما يجري من انتهاكات وإجراءات تنكيلية تنتهجها إسرائيل مخالف للمواثيق والأعراف الدوليّة".
 

الدّوافع الصهيونيّة للاعتقال

يرى فروانة أنّ سلطات الاحتلال استغلت هذا الشكل من أشكال الاعتقال التعسفي، واستخدمته كبديل سهل للإجراءات الجنائيّة، بمعنى أنّ من لم يثبت بحقه "تهمة" أو "إدانة"، تحوّله إلى الاعتقال الإداري، منوّهاً إلى أنّ سلطات الاحتلال كانت تتجه لهذه الوسيلة ليس فقط مع المعتقلين الجدد، بل أيضًا بعد فشلها في إجبار المعتقل على تقديم اعتراف من خلال إخضاعه للتعذيب الجسدي والنّفسي، أو بعد انتهاء فترة محكومية الأسير.

وبحسبه، أصبح الاعتقال الإداري خيارًا سهلًا وبديلًا مريحًا لسلطات الاحتلال لاحتجاز المواطنين لفترات طويلة، ما كان نتيجته أنّ فئات واسعة من أبناء شعبنا الفلسطيني ذاقت مرارة الاعتقال الإداري، ما بين أطفال ونساء وطلاب وغيرهم من شرائح المجتمع.

وأفاد بأنّ منسوب الاعتقال الإداري منسوب متعرّج، مرتبط بالسّياسة الصهيونية وبطبيعة الردود وطبيعة المواجهة، حيث شهدت فترة منتصف الثمانينات تراجعًا كبيرًا جدًا بقرارات الاعتقال الإداري بسبب وجود نضال شرس داخل السجون ضد هذه السياسة التعسفيّة، فيما تصاعد الاعتقال الإداري خلال انتفاضة الحجارة، ليتراجع مجدّداً أعقاب اتفاقية أوسلو.

وقال فروانة: "لقد تشكّلت أواخر العام 2011 مرحلة جديدة في الأسر في ظل بروز ظاهرة الإضرابات الفرديّة، ما أدى لتقلّص أعداد المعتقلين الإداريين حتى العام 2014، لتعود سلطات الاحتلال التصعيد بقرارات الاعتقال الإداري مجددًا في السنوات الخمس الأخيرة وبشكل غير مسبوق".

وأوضح أنّه ومنذ العام 2018 ارتفع منسوب المعتقلين الإداريين بشكل كبير جدًّا، مفسّرًا ذلك بغياب الفعل الفلسطيني الممنهج والمتكامل للمواجهة وضعف الحراك النضالي في التصدي لهذه السياسة، علاوةً على الإفلات من العقاب بفعل غياب المحاكمة والمساءلة الدوليّة لسلطات الاحتلال.

واقترح فروانة مجموعة من الحلول لمواجهة هذه السياسة الإجراميّة، من بينها البحث عن أدوات أكثر تأثيرًا وضغطًا على الاحتلال، إلى جانب إعادة النظر في المسيرة الكفاحيّة والنضاليّة لمواجهة الاعتقال الإداري.
 

قرار نوعي غير مسبوق

ويرى فروانة في القرار الجماعي بالإضراب عن الطعام -الذي اتخذه ثلاثون معتقلًا من تنظيم الجبهة الشعبيّة- مبادرة وطنيّة أعادت ملف الاعتقال الإداري على الطاولة من جديد، مؤكّدًا على أنّ الإضراب عن الطعام وسيلة مقاومة ناجعة إذا ما أُجيد استخدامها، وإذا توفر لها الحاضنة الشعبية، السياسيّة.

وفي السّياق، لفت فروانة إلى أنّ هذا الإضراب إضرابًا نوعيًّا وغير مسبوق، حيث يشارك في الإضراب هذا العدد الكبير دفعة واحدة وبرؤية واحدة، متمّمًا: "يشكّل هذا الإضراب اختبارًا حقيقيًّا لكل من يناضل من أجل هذه السياسة، وهناك أرضيّة خصبة لالتحاق معتقلين آخرين إلى هذه المعركة".

وأوضح أنّ ما يميز هذا الإضراب عن غيره، أنّه رفع شعارات أخرى إلى جانب شعار وقف الاعتقال الإداري، لها علاقة بحقوق الأسرى الآخرين وكبار السن، مضيفًا: لو حصل الأسرى المضربون على انتصار في هذه المعركة ستعود الفائدة على كافة المعتقلين داخل السجون".

وشدّد فروانة على أنّ المرحلة الحاليّة تتطلب توسيع دائرة الحراك داخل السجون وخصوصًا في أوساط المعتقلين الإداريين بمعنى انضمام معتقلين جُدد، مع التأكيد على ضرورة تفعيل الحراك خارج السجون في كل المستويات والأطر القانونيّة والإعلاميّة والسياسيّة.

وبحسب فروانة: "كلما انضم معتقلون إداريون جدد في هذا الإضراب، كلما تشكّل ضغط أكبر على الاحتلال وكلما قصرت مدة الإضراب واقتربت المسافة من الانتصار".
 

قواعد ومرتكزات

وتطرّق فروانة إلى مجموعةٍ من القواعد الأساسيّة والمرتكزات الضروريّة التي يستند عليها الأسرى خلال معارك الإضراب عن الطعام، في مقدّمتها التسلّح بالإرادة والعزيمة الفولاذيّة والإصرار على الانتصار، والإيمان بقدرة أبناء شعبنا الفلسطيني خارج السجون وفي كافة أماكن تواجدهم على تنفيذ الحراك الشعبي والكفاحي اللّازم لإسنادهم في معركتهم.

كما سلّط الضوء على مدى أهميّة إدراك الأسرى وفهمهم للعقليّة الصهيونيّة الإجراميّة في مواجهة الإضراب من حيث تصعيد الإجراءات التنكيلية والقمعيّة بحق الأسرى، واللّجوء إلى جميع الوسائل للضغط عليهم من أجل إجبارهم على إنهاء إضرابهم بلا ثمن، أو إفراغ الإضراب من مضمونه.

إلى جانب ما سبق، أفاد فروانة بأنّ الأسرى يعون جيدًا خطورة اتخاذ هذا القرار على صحتهم الجسديّة ووظائف أعضائهم، ويدركون أنّهم سيدفعون الثمن من لحمهم ودمهم، وسيواجهون قدرًا كبيرًا من المعاناة والحرمان والألم، ناهيك عن ممارسة العدو للابتزاز في تقديم العلاج والمتابعة الطبية.

وفي ختام حديثه، جدّد فروانة التأكيد على أنّ هذه المعركة تحتاج إلى الصّبر وطول النّفس وتقديم التضحيات، وأنّ الحقوق تُنتزع ولا تُمنح، داعيًا أبناء شعبنا إلى تكثيف نضالهم الجماهيري وتكثيف الفعل الكفاحي لمواجهة الاعتقال الإداري.

ووفقًا لإحصائيةٍ نشرها نادي الأسير الفلسطيني عبر موقعه الرّسمي: "بلغ عدد أوامر الاعتقال الإداريّ التي صدرت منذ مطلع العام الجاري، 1365 أمر اعتقال إداريّ، وكانت أعلى نسبة في شهر آب/ أغسطس من العام الجاري، وبلغ عددها 272 أمرًا، منها 143 أمرًا جديدًا، وهي النسبة الأعلى منذ مطلع العام الجاري، وقد تجاوز عدد المعتقلين الإداريين حتى الأسبوع الأول من شهر أيلول/ سبتمبر الجاري 760 معتقًلا إداريّا من بينهم أربعة قاصرين، وأسيرتان".

يشار إلى أنّ الإضراب المفتوح عن الطعام هو خطوة نضاليّة يمتنع خلالها المعتقل عن تناول المواد الغذائية باستثناء الماء وبعض الملح، وهي الخطوة الأشد خطورة التي يلجأ إليها الأسرى لما ينجم عنها من خطورة شديدة تصل إلى حد الاستشهاد، وفي سجن نابلس جرت أول تجربة فلسطينية لخوض معركة الأمعاء الخاوية عام 1968، حيث استمر لثلاثة أيام احتجاجاً على سياسة الضرب والاعتداء والتنكيل التي تمارسها إدارة مصلحة السجون بحقهم.