3 أشكال من الروتين القاتل ترهق كاهل الأسرى وذويهم

المصدر / مركز حنظلة للأسرى والمحررين - وكالات

تتشابه البدايات في حكاية الأسرى جميعاً، وتتلخص في اللحظة السوداء التي يُقرع فيها جرس الباب أو يُفتح بلا استئذان في أوقات الليل المتأخرة، وطبيعة الفلسطيني السوداوية تعلم ماذا يعني قرع الباب ليلاً، كما تعلم أنه لابد من مصيبة ما إن رن الهاتف بعد منتصف الليل، وفي الوقت الذي يفتح فيه الباب تبدأ سلسلة معاناة طويلة تتلخص في انتظار حكمٍ ما، وموعد زيارة واتصال محامٍ، وهي أكثر ثلاثة أمورٍ يمكن أن تسمى روتيناً قاتلاً في حياة الأسير الفلسطيني وذويه.

بعد خوض الأسير لتحقيق مكثف، وتأجيل محكمته مرة تل ومرة، يأتي حكمٌ ما كالصاعقة على رقاب الأهل، لتبدأ جرعاتٌ مخففة من الزيارة الدورية للأسير، وفي هذه المرحلة تتشابه هموم الأمهات اللواتي يسردن قصصاً لا تنتهي حدثت معهن منذ لحظة الانطلاق من البيت، وحتى الوصول إلى سجنٍ لا تفهم الأم كيف أصبح بيتاً لابنها.

أم مصعب دوابشة(40عاماً) من قرية دوما جنوب نابلس، هي أمٌ لأسير شاب تحمل في جعبتها قصصاً لا تنتهي تسردها في أي جلسةٍ لها، مصعب كان قد اعتقل في الرابع من شهر شباط لعام 2014 برفقة 9 من شباب القرية، وقد صدر حكم بحقه يبلغ أربع سنوات إضافة إلى غرامة مالية تبلغ 2000 شيكل، بدعوى إلقاء الحجارة على سيارات المستوطنين المارة على الشارع المحاذي لقريته، وما يزال يقبع في سجن النقب الصحراوي للسنة الثانية على التوالي.

تروي أم مصعب حكايتها مع الزيارات الكثيرة لابنها، تقول" أستيقظ الساعة الرابعة صباحاً، فهي ليلة لم أنمها جيداً كما كل ليلةٍ يصادف موعدها الزيارة، أتفقد الأغراض التي سآخذها معي مراراً وتكراراً، وأتفقد معها رسائل أوصاني بها الأهل".

تقطع أم مصعب مسافة 27كم للوصول إلى مدينة نابلس، ثم تستقل حافلاتٍ مخصصة للزيارة، تقول" سيكون حظي جميلاً ذلك اليوم إن لم تتعطل الحافلة التي تقلنا".

تكمل أم مصعب" لا يلازمني الحظ أثناء الزيارة، فأذكر آخر مرة عندما تعطلت الحافلة وتم نقلنا إلى أخرى، الكل اشتكى وعاتب الركابُ بعضهم البعض، ولم يكن يهمني شيءٌ حينها سوى اللحظة التي سألتقي فيها بابني".

لم تتوقف مشكلة الزيارة ذلك اليوم على تعطل الحافلة فحسب، فقد فقدت إحدى الأمهات هويتها الشخصية، ما جعل ذلك اليوم سيئاً جداً بالنسبة لأم مصعب.

روتينٌ آخر

تعاني والدة الأسير طارق البصلات من سكان البلدة القديمة في مدينة نابلس هي الأخرى من تبعات الأسر، في الوقت الذي يخضع فيه ابنها للسجن مدى الحياة بتهمة مشاركته في عمليات إرشاد المجاهدين إلى طرقٍ سريةٍ لتنفيذ عملياتٍ استشهادية، فهي لم تقدّم فلذة كبدها فقط عربوناً للوطن بل اضطرت أيضاً إلى احتمال قصصه الكثيرة مع الاعتقال والمحامين.

تقول أم الأسير طارق" أنتظر مرور 14 يوماً بفارغ الصبر حتى يحين موعد زيارة ابني التالية، لكني ألحظ تقصير الصليب الأحمر بحقي وحق كل من لهم زيارة".

تستقل أم طارق الحافلة الخاصة بأهالي الأسرى، وتعلم أن لكلٍ منهم قصة وحُكماً مختلفاً، لكنها تستغرب أن يتم جمعهم معاً، فهي غالباً ما تنهي زيارتها باكراً ولكنها تجلس لانتظار انتهاء زيارة أهالي الأسرى المدنيين والتي تتأخر إلى ساعات المغرب، ومع اكتمال يوم أم طارق ووصلها لمنزلها ما بعد صلاة العشاء، تجلس لتحسب كيف قضت اليوم وكل يوم من أيام الزيارة الكثيرة، 5 ساعاتٍ متواصلة في الانتظار فقط.

أم طارق تجد أن لا صعوبة في حل مشكلة هذا التنسيق من ذوي الاختصاص، ويكفيها أن ابنها يمضي حكماً مدى الحياة، وأن الاستئناف الذي قُدم بحقه قد رُفض، ولا تحتاج أم طارق إلى أن تعاني من الزيارة أيضاً.

وعود المحاميين

لا تنتهي قصة أم طارق عند هذا الحد فوعود المحامين الكثيرة تقتلها، وخاصة بعد أن دفعت مبالغ طائلة لهم لكي يخفضوا من حكم ابنها، غير وأنها دون سابق إنذار تلقت خبراً صادماً يفيد بأن ابنها أصبح أسيراً يعاني من حكمٍ مدى الحياة.

علي شبيري(23عاماً) أسيرٌ محرر منذ شهورٍ مضت وقد قضى حكماً بالسجن مدة 28 شهراً، ودفع غرامة مالية تبلغ 8000 شيكل ليخفض حكمه ويصل 20 شهراً.

يقص شبيري جزءاً من ذكريات الأسر المرة، يقول" أتذكر أننا كنا نخرج للمحكمة في تمام الساعة السادسة صباحاً، نُوضع في غرفة انتظارٍ حتى يصل محامونا، نجلس في تلك المساحة الضيقة غير الإنسانية، وذات اللون البرتقالي الذي يزيد من كئابتنا".

يقول علي" قد أحتمل أنا تلك الساعات الطويلة من الانتظار، ولكني أعلم علم اليقين بأن أهلي وصلوا مبكرين ذلك اليوم وبأنهم ينتظرون خارجاً في برد الصباح الشديد، ولم يسبب شيء تأخرنا سوى المحامي".

ساعاتٌ طويلة من الانتظار حتى يتم إبلاغ شبيري أن المحكمة تأجلت فلم يحضر المحامي اليوم ربما يكون مريضاً أو تكون زوجته مريضة، وتتفاقم مشكلة وهموم شبيري عندما كانت محكمته تعقد قبل الموعد المقرر بيوم واحد، ولا يتم إبلاغ عائلته بذلك ليحضروا ذلك اليوم ويصدمهم خبر التاجيل وعدم الإبلاغ بعد ان يكونون قد قطعوا مسافةً غير يسيرة.

قصص المحامين لا تنتهي فشبيري يتذكر أن شاباً كان من المقرر أن يحكم مدة 18شهراً غير أن محاميه لم يحضر ذلك اليوم ما جعل حكمه يرتفع ويصل 20 شهراً.

يعتقد الأسير المحرر شبيري وآخرون مثله أن ما يحدث في المحاكم الخاصة بالأسرى ما هو إلا لعبة أو تمثيل، فكيف لصوت المحامي كما يؤكد علي أن يعلو على صوت القاضي إن لم تكن لعبة ما.

تبقى لعبة الاعتقال الروتينية ومفاجآت الزيارة والمحامين أحد 3 أشكالٍ من الروتين ترهق كاهل أهالي الأسرى، ولعل قصة أمهات فلسطين اللواتي يضحين كل يوم، وقصص الأسرى تصل لكل من بمقدوره أن يخفف قليلاً من ألم الفراق الطويل.