قيادة منظمة الجــبهة الشــعبية في سجون الاحتلال تكتب..

كلمة وفاء وعهد للقـائد الجـبهاوي والوطـني الكـبير "عـبد الرحيم ملـوح"

f9ea74ef85a979e26e5a1db1a582daa3 (1).jpg
المصدر / السجون-حنظلة

قيادة منظمة الجبهة الشعبية في سجون الاحتلال

بمشاعر الألم والحزن الشديدين الممتزجة بالفخر والاعتزاز استقبلت جماهير شعبنا وحركته الوطنية نبأ استشهاد القائد الجبهاوي والوطني الكبير "عبد الرحيم ملوح"، شهيدُ المعاناة الطويلة عبر حياةٍ حافلة بالعطاء والألم وملتحمة بالتفاؤل بحتمية الانتصار وتحقيق طموحات شعبنا بالعودة والحرية والاستقلال والديمقراطية والعدالة الاجتماعية.

وفي هذه المناسبة التي نودع فيها فارسًا وقائدًا نذرَ حياته فداءً للوطن، نُعاهد شهداء شعبنا وأمتنا بالوفاء لتضحياتهم والاستمرار على دربهم حتى تحقيق كامل أهداف وحقوق شعبنا الراهنة والتاريخية.

إنخرط الشهيد القائد في النضال الوطني في سنٍ مبكر من خلال جيش التحرير الوطني، وكان من أوائل الكادرات التي التحقت في صفوف الجبهة في بدايات تأسيسها عام 1967م، وعمل في جهازها العسكري كقائد ميداني في معسكر الكرامة، وخاض معركة الكرامة وجُرح فيها، وشارك في دوريات الإسناد النضالي للجبهة في الداخل إلى جانب الشهيد أبو علي مصطفى لبناء مقومات إنطلاق شرارة الكفاح المسلح في الوطن وتوفير مستلزماته المهنية وأدواته، ولعِب دورًا متقدمًا في الدفاع عن الثورة في الأردن في معارك أيلول وجرش، وفيما بعد في لبنان، وتميَّز دوره أثناء الحصار الصهيوني لبيروت إثر اجتياح قواته الغازية لبنان عام 1982م.

اُنتخب لعضوية اللجنة المركزية العامة للجبهة في المؤتمر الوطني الثالث عام 1972م، وعضوية المكتب السياسي فيما بعد، وكان أصغر الأعضاء سنًا في هاتين الهيئتين.

كُلِّف من قِبل المكتب السياسي في سبعينيات القرن المنصرم بمسؤولية اللجنة القيادية لمتابعة وتوجيه العمل والبناء التنظيمي داخل الوطن المحتل، وفي إطار هذه المهمة تسلَّل إلى الأردن مُستهدفًا الدخول إلى الوطن المحتل لمتابعة عمله القيادي المباشر للفرع والإشراف على إعادة بنائه وتطويره، ورفع شأن دور الجبهة الوطني في مواجهة الاحتلال، لكن اعتقاله من قبل السلطات الأردنية أعاق تحقيق هذا الهدف، فالقائد الشهيد كان مطلوبًا لأجهزة الأمن ومحكومًا عليه بالسجن غيابيًا، وبفعل تظافر الجهود الوطنية والعربية المطالبة بتحريره، تم إطلاق سراحه وطرده من الأردن.

وتسلَّم فيما بعد مسؤولية الدائرة الحزبية المسؤولة عن قيادة وتوجيه النشاط التنظيمي الداخلي في عموم فروع الجبهة.

وفي دورة المجلس الوطني التوحيدي في الجزائر في نيسان عام 1987م، كُلِّف بتمثيل الجبهة في (م.ت.ف) من خلال عضويته في اللجنة التنفيذية خَلفًا للشـهيد "أبو عـلي مصـطفى" إلى جانب عضويته في الدائرة السياسية المركزية للجبهة.

عاد إلى أرض الوطن المحتل في إطار مشاركته في أعمال المجلس الوطني عام 1996م، ليستقر في الوطن كنائبٍ للرفيق أبو علي مصطفى في قيادة الجبهة في الداخل وصولًا لانتخابه نائبًا للأمين العام بعد استشهاد القائد الأمين العام أبو علي مصطفى المنتخب في المؤتمر السادس عام 2001م، والقائم بأعمال الأمين العام بعد خروجه من المعتقل عام 2007م حتى انعقاد المؤتمر السابع في نهاية عام 2013م، حيث آثر ومعه أعضاء اللجنة المركزية عدم المشاركة في الهيئة المركزية الجديدة لفتح الباب لتجديدها وتوسيع الفرصة للدماء الشابة.

وعلى صعيد العمل السياسي الوطني، لعب القائد الشهيد دورًا مِحوريًا من خلال عضويته في الهيئات المركزية للجبهة في تعزيز وتصويب مسار العلاقات الوطنية الفلسطينية وحماية الوحدة الوطنية وأداتها الرئيسية الجامعة م.ت.ف، والكيان السياسي المُعبِّر عن وحدة شعبنا وهويته وأهدافه الوطنية، مُجسِّدًا حرص الجبهة المبدئي بالتركيز على مساحة القواسم المشتركة بين الكل الوطني والعمل على توسيعها، وانتهاج طريق النضال الديمقراطي لإدارة الخلافات الوطنية في إطار البيت الفلسطيني، ورفع شأن المصلحة الوطنية على حساب أي مصالح حزبية فئوية، والالتزام بأولوية التناقض مع الاحتلال ومركزيته، والعمل لحل تناقضات الصف الوطني بالنضال، لتغيير المحتوى الديمقراطي للمنظمة وتحويلها إلى جبهة وطنية ديمقراطية عريضة تتسع لكل ألوان الطيف السياسي الفلسطيني بمشاربه الفكرية المتنوعة، وكثيرةٌ هي المحطات التي تأرجحت فيها بوصلة الوحدة الوطنية، وتعرضت فيها المنظمة لخطر الإنقسام وقبل توقيع أوسلو وبعده.

ولعل المحطة الأهم هي تلك التي تَلتْ الإنتخابات التشريعية عام 2006م والتي ارتفع فيها التناقض بين حركتي فتـح وحـماس إلى ذروته وصولًا إلى الاقتتال الداخلي، ففي هذه المحطة تميَّز دور الشهيد القائد أبو شريف ومعه أخوته ورفاقه في قيادة الحركة الأسيرة في صياغة وثيقة الأسرى التي عُرفت بعد إقرارها بوثيقة الوفاق الوطني، هذه الوثيقة التي لو تم الاحتكام إليها في حل تناقضات الوضع الداخلي لإختصرنا قُرابة عقدٍ ونصف من عمر الإنقسام الذي لا زلنا نعيش تحت وطأته اليوم.

وفي إطار دوره السياسي والفكري والتنظيمي والكفاحي عُرف بحرصهِ الدائم في تحقيق وحدة القوى الديمقراطية واليسارية، وتعزيز دورها في إطار منظمة التحرير الفلسطينية ومنابر العمل الوطني والمجتمع الفلسطيني بوجهٍ عام، بإعتبار هذه المهمة رافعةً أساسية لبناء الشراكة السياسية الوطنية الديمقراطية للكل الفلسطيني، وتطوير قيم الوعي الديمقراطي الذي يُكثِّف مضمون الحرية والعدالة الاجتماعية، والتداخل بين مهام النضال والمهام الديمقراطية الاجتماعية، ووحدتها الجدلية.

وفي هذا السياق وتجسيدًا للنهج العلمي الجدلي وتمثيلًا لمقولات "التناقض أساس ومصدر الحركة والإرتقاء والتطور" و "الموت في التماثل" كان عنيدًا ومثابرًا في الدفاع عن اجتهاداته السياسية والفكرية والتنظيمية، وفي إطار ذلك ضرورة الجمع بين الحق في النقد وحرية الرأي، والاجتهاد وواجب الالتزام بقرار الأغلبية داخل الهيئات حتى لو تناقض مع رأيه وموقفه حول هذه المسألة أو تلك.

وعلى الصعيد الإنساني تَميَّز القائد الشهيد بذكائه وفطنته وروحه العملية وحرصه الدائم على التعلم والإرتقاء بوعيه ومعارفه ودفء علاقاته الاجتماعية مع رفاق دربه على المستويين الحزبي الخاص والوطني العام.

هذه خطوط عامة سريعة، بالتأكيد لا تفي بحقه وواجبنا نحوه، فمن غير الممكن اختصار سيرة أكثر من نصف قرن من النضال والتضحيات والعطاء في بضعة سطور، الأمر الذي يستلزم تغطية هذا التاريخ الحافل في المستقبل القريب، مع أن القامات الكبيرة من الرجال تتحدث عنها الأفعال فيما تعجز الكلمات.

فلك من رفاقك كل الحب والاحترام والتقدير المشفوعة بواجب الوفاء

 

قيادة منظمة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في سجون الاحتلال