رسالة من الأسير كميل أبو حنيش إلى الأسير المناضل القومي جورج عبدالله

f6d2772b-6d2d-4c16-aebd-9f708be1bff4.jfif
المصدر / السجون-حنظلة

رفيقي جورج...

أبرق لك تحياتي وأصدقها باسمي وباسم كافة رفاقك وإخوانك الأسرى في سجون الاحتلال الصهيوني، وأنت تقبع بشموخٍ وكبرياءٍ في السجون الفرنسية، ونشكرك على الرسائل التي ترسلها لنا بشكلٍ متواصلٍ، ولا أدري مَنّ منا يَتعيّن عليه إبداء القلق على الآخر أكثر، أنت أم نحن؟ ومع هذا لا يسعني إلا أن أُعبّر عن عظيم اعتزازي وتضامني معك في كل الظروف، وإن لم نلتقِ يوماً فقد جمعتنا القضية والموقف والمبدأ والطريق والمصير. وإنه من دواعي سروري أن تصل رسائلنا المتبادلة بهذه السرعة بعد أن بات العالم فضاءاً واسعاً وإذا لم يتسنَ لنا أن نكون أحراراً خارج الجدران في هذا الفضاء الشاسع فيكفي لكلماتنا الحرة أن تطير في هذا الأفق وتصل إلى عنوانها وحتى إن كانت هذه العناوين مجرد زنازين موصدة الأبواب. 

وإذا سألت عن أحوالنا نحن القابعون في سجون " إسرائيل" تلك التي يضع العالم لها علامات فارقة ومميزة في الديمقراطية ورعاية حقوق الإنسان، ويخلعون القبعات نفاقاً لها؛ فنحن يا رفيقي بخير، مع أننا مفصولون فصلاً تاماً عن ملامسة الزمن خارج الأسوار، وليس بمقدورنا إلا ملامسة الإسمنت وأبواب الحديد والزجاج في موعد الزيارة، وإذا حظيت أنت بملامسة أحد كالمحامي أو أحد أفراد الاسرة أو الأقارب، فأنت محظوظ قياساً بأنها أمنيات نناضل من أجل تحقيقها.

أما عن الأسرى في هذه السجون فلدينا أسرى من كافة الأعمار والأجيال، منهم أطفالٌ وصل أصغرهم سن العاشرة، ومنهم الشيوخ وصل منهم ثَمانونَ حَولاً، ولدينا سجناء يا جورج مسجونين قبل سقوط جدار برلين، حتى يا جورج من قبل اجتياح بيروت عام 1982، وأهم ما يميز السجون أنها جمعت بيننا نحن الفلسطينيون في مكانٍ واحدٍ، وهذا لم يحدث من قبل أن يجتمع الضفاوي والغزاوي ومن الداخل المحتل ومن الجولان إلى ساحة تلك السجون.

وعن أحوالنا الصحية، فلا تقلق فقد خصصت لنا دولة الاحتلال عيادةً بائسةً يطلقون عليها اسم مستشفى السجن أو المسلخ، ويقبع فيها عدد من إخواننا المرضى منذ سنوات طويلة، وأوضاعهم الصحية لا يعلمها إلا الله، ومن يسقط منا شهيداً فقد قررت الحكومة مشكورة ألا تُسلم جثته لأهله حتى توفر عليهم تكاليف الدفن والتشييع ويتم دفنه بسرية تامة في مقبرة تحمل مجرد أرقام بدل الأسماء. 

أما عن الشمس فنحن نراها كل يوم ولسنا محتجزين خلفها، ولكننا نراها من وسط مربعات سقف الساحة، وبهذا نراها شكلاً مربعاً لا قرصاً دائرياً، أما الطعام فصدقاً لا تقلق من هذه الناحية فنحن لدينا كمية وفيرة منها، وابتكر العدو وسيلة لتعذيبنا بالطعام وافسادنا بالاستهلاك، فالكانتينا موجود بها كل أنواع السلع، ولم تعد إدارات السجون تُقدم لنا أيةِ أطعمة إلا اليسير منها، فصرنا نشتري معظم حاجياتنا من أموالنا الخاصة، وبهذا تَحوّلت السجون إلى أسواقٍ للاحتلال لصرف بضاعتهم من خلالها.

وليكن في معلومك يا جورج أن دولة الاحتلال أخيراً وافقت على تركيب هواتف عمومية في السجون بعد أن أعيتها الحيلة بضبط الهواتف النقالة التي ننجح في تهريبها، ومنذ العام السابق جرى تركيب هاتف عمومي في ثلاثة سجون مختلفة كتجربة، وهذا الهاتف ذكي جداً لا يعمل إلا على البصمة الصوتية، ويُسمح لنا باستخدام خمسة أرقام وحسب. ، وكما قلت لك جاءت هذه الموافقة على الهاتف بعد أن فشلت إدارة مصلحة السجون في السيطرة على هواتفنا البدائية، وتخبئتها بشكلٍ جيدٍ. فقرر أن يبادر بالسيطرة على اتصالاتنا، ولكنهم زرعوا أجهزة تشويش من النوع الفاخر في كافة السبل، ولكننا أباليس يا جورج، نجحنا في الاحتيال عليهم، وصار بوسعنا الحصول على نقاط إرسال للاتصال الهاتفي. وهذه الهواتف يا صديقي بدائية، لكنها تعمل ليل نهار، وهي أفضل من الأجهزة الحديثة، وإذا تَعطلّت فلدينا وسائلنا الغريبة والمبتكرة في إعادة تشغيلها وإصلاح أعطابها وتقطيبها بما تيسر من أدوات تفي بالغرض.

رفيقي العزيز جورج،،،

يتعين علينا نحن وأنت ألا نقلق طالما في ظهورنا اثنتين وعشرين دولة عربية تهتم بشأن أبنائها المسجونين، كما هو حال دول العالم أجمع، ولا تنسى أنه ينبغي أن نرفع سقف الأمل بعد أن اكتشف العرب صلة قرابتهم مع أبناء عمومتهم بني صهيون، ويعود الفضل بهذا الاكتشاف لعالم الأنساب والسلالات البشرية " دونالد ترامب" الذي عَرفّنا على نسبنا المشترك وأصلح ذات البين، وأنهى الخلاف الأزلي بيننا بجرةِ قلم. فلدينا " أبناء إبراهيم" وبهذا الحلم جرى رد الاعتبار لأمنا المسكينة المطرودة " هاجر" جارية سارة وذلك بعد 4000 آلاف عام ، وإذ اكتشف أبناء سارة أن الصحراء التي نُفيت إليها هاجر قد باتت تُدِر نفطاً وغازاً فيما أرض الميعاد " لا تدر سوى اللبن والعسل فحسب"، ولأن العرب كرماء بطبعهم فقد ذبحوا أفراسهم العربية الأصيلة، كما فعل جدهم العظيم حاتم الطائي، لإعطاء المزيد من النخوة لأبناء عمومتهم الجائعين لكل شيء.

ومع أن أبناء سارة لم يقدموا اعتذاراً لأبناء الجارية، نيابةً عن سارة زوجة إبراهيم التي طردت جاريتها هاجر إلى الصحراء، فيجوز أن تقوم بهذا الدور سارة الجديدة زوجة نتنياهو .

كما أن العرب الداخلين في حجر إبراهيم أو ابراهام اكتشفوا أننا نحن الفلسطينيين لسنا عرباً، ولا يربطنا بنسل إسماعيل أو هاجر أية رابطة، وإنما نحن مجرد كنعانيين، وهم الذين لعنتهم التوراة مراراً، والسبب كما تعلم لأن حام ابن نوح ووالد كنعان كان قد كشف عورة أبيه نوح وهو نائم في السفينة، فلم يسعَ لسترها فلعنه نوح ولعن نسله، وبهذا بقيت تلاحقنا لعنة كنعان المعروفة.

ولابد لك أن تعرف بأن عرب حلف ابراهام التزموا بحذف بعض الآيات القرآنية التي تهاجم اليهود من مناهج التعليم واستبدلوها بآياتٍ تؤكد ورع وأمانة بني "إسرائيل" وبالأخص الآية التي تقول " يَا بَنِي إِسْرائيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ " ولم يطالب العرب أبناء عمومتهم الداخلين في حلفهم بحذف آيات توراتية وتلموذية من مناهجهم التعليمية، وبالأخص تلك الآيات التي تَدعّي أن إسماعيل " إنساناً وحشياً "، كما لم يطالبوا بوقف تدريس سفر يشوع وهو سفر الإبادات والمجازر لأنه على ما يبدو يتحدث عن الكنعانيين والفلسطينيين كما يتحدث عن العرب الاسماعيليين. 

أما الذين يرغبون بالقدوم إلى القدس للصلاة فيها وفي ضوء إحجام الفلسطينيين من أبناء القدس عن استقبالهم، فاعتقدوا أنهم سيكونوا بمقدورهم الانضمام للتقي " يهودا غليك" في اقتحاماته الأسبوعية لباحات الأقصى، وبهذا يمكنهم الصلاة في الأقصى رغماً عن أنف الفلسطينيين الكفرة.

عزيزي جورج،،،

اعذرني على هذه الرسالة التي تحمل في باطنها بعض الصور المؤلمة عن حياتنا، ولا أعرف أيضاً إن كان من في العالم يتفقد أحوالك ويهتم بأمرك من الأهل والأصدقاء. فما يصلني أن هناك جهود مخلصة يقوم بها ناشطون في حملة التضامن معك، ولكن لا أسمع إن كانت هناك جهود جدية من الدولة اللبنانية لإطلاق سراحك. ومن ناحيتي فقد بادرت بهذه الرسالة لأنني أحمل لك كل هذه المحبة والفخر والاعتزاز والتمنيات بدوام الصحة والعافية والإرادة والحرية.

وقبل الختام أرجو أن تعتني بنفسك جيداً ولا تخشى من الكورونا وإذا شككت بأي أعراض سارع لتذوق القليل من الملح لتتأكد من سلامة ذائقتك بعد أن فقد البشر ذائقتهم وشمهم وبصرهم وحسهم وسمعهم ولم يعودوا يحفلوا بأسرى حرية وكرامة على شاكلتنا.

ويطيب لي أخيراً أن أنقل لك سلامات وتحيات جميع رفاقك وإخوانك الأسرى في السجون الصهيونية وفي المقدمة منهم رفيقك الأمين العام أحمد سعدات، وسلامنا الحار لكافة أسرى وسجناء الحرية من طرفك، وفي كل بقعة من بقاع المعمورة، وإلى أن نلتقي تحت شمس الحرية.

لك مني ومن الجميع أجمل باقات المحبة والتقدير والاحترام

ودمت لنا رفيقاً وأخاً وصديقاً