كتبت اللجنة الإعلامية والثقافية للجبهة الشعبية في سجون الاحتلال..

"VIP-NIP"، بقلم اللجنة الإعلامية للجبهة الشعبية في سجون الاحتلال

SAVE_٢٠٢٠١١١٩_١٠١٣٣٨.jpg

كتبت اللجنة الإعلامية والثقافية للجبهة الشعبية في سجون الاحتلال..

 

لمن لا يعرف فهذه الأحرف هي اختصارات للجمل التالية:

VIP: very important personality "شخصية مهمة للغاية"
NIP: non important personality."شخصية غير مهمة"

ولمن ثار فضوله، فالدافع لهذا العنوان هو الفارق الواضح في حدثين طالعونا بتاريخ العاشر من نوفمبر 2020، وهما رحيل أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية وعضو اللجنة المركزية في حركة فتح وكبير المفاوضين الفلسطينيين "صائب عريقات" بعد صراعٍ مع مرض الكورونا، والذي أُضيف إلى وضعٍ صحي صعب أصلًا، حيث اُظطر إلى زرع رئة في إحدى المستشفيات الأمريكية، بعناية طبية فائقة وتغطية إعلامية لائقة وكلفة مالية شائقة (VIP)، وفي المقابل تَصادف في نفس اليوم استشهاد الأسير المناضل الصلب والعضو في كتائب شهداء الأقصى وأحد أبرز المقاتلين الفلسطينيين "كمال أبو وعر" بعد صراعٍ مع مرض السرطان الذي أُضيف إلى وضعٍ صحي صعب أيضًا، حيث اُضطّر إلى زرعِ أنبوبٍ في حنجرته كي يُدخل إلى جوفه ما يقوت جسده في أحد السجون الصهيونية، أما عن الإهمال الطبي والتقصير الإعلامي وضيق ذات اليد، فحدّث ولا حرج (NIP).

قد يلومنا البعض على هذه المقارنة، فلا سبيلٍ للاعتقاد أن يحظى أسير فلسطيني يقضي حكمًا بالسجن المؤبد المتكرر عقابًا على مسيرته النضالية التي قاتل فيها ما استطاع إلى القتال سبيلا بعنايةٍ تشبه ولو من بعيدٍ بعيد أي عناية تحظى بها الشخصيات المهمة جدًا، بدون تفصيل فلدينا اليوم تخمة تهكمية قد تزيد، كما من غير المتوقع أبدًا أن تقوم السلطات الصهيونية باعتقال الراحل عريقات وتعريضه لرحلة الآلام التي تعرض لها الشهيد أبو وعر، كي نرضى نحن ونشعر أن هنالك مساواة بالتعاطي، فنحن وإن كنّا نهوى التهكم على الوضع الفلسطيني كي لا نتمزق قهرًا، لكننا نسعى دومًا إلى المقاربة الموضوعية في طرحنا، لكن ما يفضحنا إذا جاز التعبير؛ هو التعاطي الرسمي الفلسطيني مع الحدثين بهذه الطبقية المقيتة وهذا التقصير الفج بحق مناضلينا وأسرانا وشهدائنا، وهنا لا نلقي بلومنا على الراحل عريقات، فلا تجوز في حالته سوى الرحمة، لكننا نلوم على الإتجاه الرسمي الفلسطيني الذي ما فتئ يتلقى التعازي الحارة من كل أبقاع الأرض بوفاة الممثل الأبرز لكل التوجهات الرسمية الفلسطينية، ونُكست حدادًا على وفاته الأعلام الفلسطينية ثلاثة أيام بلياليها، وأكل الشريط الأسود نصف شاشة التلفزيون الرسمي الفلسطيني ولم يتأخر الرئيس عن تعزية ذويه ومواساتهم والمسارعة بإحضار جثمان شخصية قيادية فلسطينية من ثلاجات أحد أبرز المستشفيات الصهيونية، طبعًا..!! فعلاج الشخصيات المهمة لا يخضع لألاعيب التنسيق الأمني والمناورات السياسية الرخيصة، بالإضافة لإقامة جنازة رسمية توازي أهله وتوازي وزنه، أما في حالة الشهيد كمال أبو وعر فلم تعلم أبقاع الأرض باستشهاد أحد أبرز ممثلي التوجهات الشعبية الفلسطينية وليس من اللائق تنكيس الأعلام حدادًا عليه، فمثله لا يكفيه تنكيسها عشر سنوات، 
والإعلام الرسمي الفلسطيني غطى الحدث بما يتناسب وحجمه مقارنةً بالمآساة الوطنية الكبرى برحيل كبير المفاوضين، ولسنا نعلم إن كان الرئيس وفي زخمة تلقيه التعازي برحيل كبير مفاوضيه قد فَطِن إلى تعزية ذوي أبرز مقاتليه!! وما ضرورة للجنازة رسميةً كانت أم شعبية فجثمان الشهيد كمال سيخرج من ثلاجات المسلخ في الرملة إلى ثلاجات المشرحة في أبو كبير، ومن ثم إلى مقابر الأرقام كي يستكمل حكمه، وما من داعٍ لفضح هذه الفاشية حتى مع الجثث الهامدة، فبالمحصلة إكرام الميت دفنه وأولًا على آخر سيتم دفنه.

 ولكل من يهمه الأمر فإن المناضل الأسير الشهيد كمال أبو وعر عاش مناضلًا واُستشهد وهو في صف المواجهة الأول، تاركًا لنا إرثًا من الكمال وما لكل إمرئٍ من اسمه نصيب، والنضال والصلابة والعنفوان والنزاهة، وقد قضى في زنازين العزل العقابية الصهيونية أيامٍ وليالٍ بقدر ما قضاها غيره، اُستشهد كمال بعد أن أكل السرطان جسده وصوته وحنجرته، شهيدًا كاملًا ترك في حناجر رفاق دربه حرقة في القلب ودمعة حَرة في المعاقل، بكيناه بحرقة، ولمن لا يعرف فهو لقى حتفه صامدًا صابرًا شامخًا خالدًا في ذاكرة شعبه وأرضه وقضيته إلى الأبد، كمال للقيادة الفلسطينية شخصية غير مهمة، لكنه في الذاكرة التاريخية للملحمة الفلسطينية الكبرى هو الشخصية الأهم والحدث الأبرز والشعلة الأكثر وهجًا، فالتاريخ يحتفل برَجالة النار وسيسجلها حصرًا، فعذرًا لروحك الطاهرة التي كما تعودَت، رحلت بهدوء لم تضجَّ به الأقنية الرسمية، وطوبى لك ولمثلك ثائرًا ومقاتلًا وفاضحًا بصوته المخنوق: "نسبي إليكم أيها أيها المستفردون، وليس من مستفرد في عصرنا إلا الكرامة".

الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين
منظمة فرع السجون
اللجنة الإعلامية والثقافية
نوفمبر 2020