الاسير والقيادي في الجبهة الشعبية يعاني من عدة امراض ويقع ضحية للاهمال الطبي

الأسير حسين نصار رحلة مع المعاناة والمرض

المصدر / خاص مركز حنظلة للأسرى والمحررين_شادي الشرفا

حياة الأسر صعبة ومريرة و بها الكثير من المنغصات والمآسي وهناك حكايات نسجت بالألم، وهناك قصص عمدت بالمعانيات اللا متناهية، وهناك دماء نزفت داخل الأسر، وهناك بطولات في الأسر لم يحن الوقت لكشفها بعد.

ربما تسلل البعض خارج الأسر للاطلاع على جزء من الروايات التي تسلط الضوء على مآسي الأسر الكثيرة، كلها محاولات واجتهادات لنقل المعاناة عبر نسيج من الكلمات لا يمكن أن تنقل الصورة أو أن تروي الحكاية كما يجب فأحيانا يخوننا التعبير وغالباً ما نعجز عن الوصف ونفقد الاستعارات الملائمة.

فلكل أسير حكايته ومأساته والجميع يخضع للألم لكن الألم يتعدى الاعتقال بحد ذاته فقد نتصالح مع حياة الأسر وتعقيداتها ونقنع أنفسنا بأننا نتعايش،  وربما غرورنا يخفض صوت دموعنا أو أن كبريائنا تخفي خلاف البطون لكن الحقيقة أننا جميعا نلجم ألمنا ليتعظم ويتضخم كلما ضاقت الزنزانة وتقلصت، وإذا قبلنا بفرضية الاعتقال لمن انتهج طريق النضال والتضحية واعتبرنا انه استحقاقا يدفعه المرء على مبدأ الحرية، فمن أين لنا تلك القوة لنستوعب ما يلي الاعتقال من طقوس التعذيب الممنهجة تعبر عن الكراهية التي يكنها الاحتلال ضدنا وكيف لنا أن نواجه ما يخفيه الزمن من مآسي ستلاحقنا كضمنا داخل قضبان الأسر.

اعتبر هذه الكلمات محاولة لنقل معاناة رفيقي وصديقي حسين نصار، من قرية مادما في نابلس والذي يشبه اورليانو في رواية مائة عام من العزلة كان عمره 26 عاماُ حين تم اعتقاله وحكمت عليه محتكم الاحتلال  بالمؤبد بعد ما عمل في كتائب الشهيد أبو علي مصطفى الجناح العسكري للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وكان قد ودّع رفاقاً له شهداء تم اغتياله من قبل قوات الغدر الصهيونية ولعل أبرزهم رفيقه الشهيد يامن فرج أحد ابرز قادة كتائب الشهيد أبو علي في الضفة الغربية.

كان الرفيق حسين متزوجا حين اعتقل وله بنتان لم يكبرا في حضنه، الكبرى هداية وعمرها 15ربيعاً والصغرى عمرها 14ربيعاً، لم يتسنى له مشاهدة بناته يكبرن سوى عبر شباك الزيارة بأحيان متباعدة وهذا إذا ما تكرمت أجهزة الأمن الصهيونية ومنحت لأسرته تصريح زيارة، فهداية تركها والدها بعمر ال9شهور، أمّا رغد ولدت وهو بالسجن.

كان لحسين أحلام كثيرة رسمها لبناته بعناية لكن عندما اعتقل لاحقته المآسي كظله السماء نكست ساعاتها له فتلطمه بخفايا لم تكن بالحسبان فبعد عشر سنوات من الاعتقال شاءت الظروف بأن ينفصل عن زوجته أما بناته فقد انتقلوا للعيش مع جدتهم المسنة والمريضة و ما كان أمامه من خيار سوى أن يمارس دور الأب والأم في ان واحد،  وعبر دقائق الزيارة المعدودة أو لحظات اتصال عبر الهاتف النقال تم تهريبه إلى السجن لكن مأساته لم تقف عند هذا الحد حيث لاحقته الأمراض من كل صوب فما إن ظهر الضغط وبدأ يتعايش معه حتى تبين أن لديه نسبة كولسترول عالية في الدم ومن ثم ما لبث حتى تبين انه يعاني من السكري وبعد فترة أشارت الفحوصات ان لديه مرض النقرس وكل ذلك رافقته قرحة جديدة في المعدة هذا ناهيك عن زائر قتيل آخر وهو معاناته مع الحصى في الكليتين اليمنى واليسرى، فإذا تهاجمه أوجاع الحصوة نرى الألم الحقيقي في هيئة شبح يمد لنا لسانه على وقع أنينه وينكرنا بعجزنا عن التخفيف عنه في هذه اللحظات تبكي عيون الرجال كل على طريقته وطقوسه الخاصة.

ولان عيادة السجن لا تعبأ بأوجاع الأسير يترك يصارع عذاباته وجل ما يسمى بالطبيب الذي هو سجان برتبة ضابط هو أن يسجل حسين بفحوصات عيادة سجن الرملة بعد أن يشكك بأوجاعه كالعادة وماع لى حسين سوى ان ينتظر دوره ويؤجل أوجاعه بضعة شهور حتى يتم نقله إلى ذاك المستشفى الذي يشبه مستوصفات القرون الوسطى وهناك يتكدس الأسرى كعلب السردين يحملون إمراضهم على اكتافهم كأوسمة شرف تؤكد على صمودهم وصلابة إرادتهم رغم كل شيء.

المرة الأخيرة التي اقتيد بها حسين إلى مفشى الرملة كانت قبل بضعة أسابيع استغرقت الرحلة هناك إلى يومان وهو مكبل بالأيدي والأرجل ومحاط بالألم رغم أن المسافة لا تستغرق ساعة في السيارة وبعد أن وصل هناك بعد محطات في عدة سجون تبين أن عدد الأسرى كبير لذا فضل الطبيب إعادته إلى سجنه دون معاينة وهكذا ببساطة تأجل فحصه بضعة شهور أخرى فتكون دهرا بالنسبة له .

ما يحيرني بأمر الرفيق حسين هو مدى عطفه وحنانه على رفاقه  الأسرى رغم الأمراض التي اكتوتها فهو يعد الطعام إلى رفاقه بهدوء و إتقان ومهارة يبتلع عدة حبوب من المسكنات ويجهد لتصنيع أشهى المأكولات عبر ساعات من العمل يوميا حين نشاهده يطبخ بتلك الثقة والإصرار أتخيله يعد وجبة غداء لبناته هداية ورغد اللتان لم تتذوقا في حياتهن أي طعام من صنع يديه .

كما لا يبخل حسين بتوزيع صحون الطعام على الأسرى بالزنازين المجاورة وغالبا ما يزيد الكميات يملأ بطون الأسرى الذين يتهافتون على شباك زنزانته طلبا طبق ما أعده بنكهة خاصة وهو يحلم بعناق بناته حتى تعتقد أن هذا العناء الذي يتكبده ما هو إلا تنمية لمهارات هي في الأصل مخصصة لابنتيه اللتان تنتظراه بفارغ الصبر.

ربما الرفيق الحسين ليس هو الطير المهاجر ليعود بعد انقضاء الموسم، وربما ستقطع صفقة تبادل للأسرى مرتقبة حبل مؤبدة الطويل الذي يلتف حول عنقه وربما ستكون الحرية علاج االامراض المزمنة التي خلقتها له جدران الأسر لا يراها سوى إزالة حالة استنشاق عبق بناته تحت شمس الحرية ليتوب قلبه عن تقدير الالم