الانتهاكات التي تمارس بحق الأسرى

"الكابو" الفلسطيني واشكالية الإطار المفاهيمي للجان حقوق الانسان

المصدر / ​خاص مركز حنظلة للأسرى والمحررين

بقلم الأسير وليد دقة
مازالت لجان حقوق الانسان والجمعيات التي تعنى في شؤون الأسرى عاجزة عن تشخيص الانتهاكات التي تمارسها "إسرائيل" ضد الأسرى الفلسطينيين وغير قادرة على تقديم صورة حقيقية يمكن من خلالها تجديد الرأي العام والقانون الدولي في صالح نضاله.
 وإذا كانت اللجان والمؤسسات الدولية أسيرة معايير ومصطلحات واقع أنقذته ساحات أخرى في سوريا والعراق وأفغانستان حيث الانتهاكات هناك صلبة وواضحة ومباشرة تظهر على أجسام الأسرى فإن اللجان والجمعيات الفلسطينية لا يجب أن تكون أسيرة سقف هذا الإطار المفاهيمي لا في التوثيق ولا في المتابعة القانونية، فقليل ما يظهر التعليم والانتهاكات الاسرائيلية على الأجساد مباشرة ما بين مجموعة من الإجراءات والنظم التي لا تستهدف الجذب  فحسب وإنما الارادة والعقل فهذا طحن جيل بأكمله وتجريده ليبقى دون الهوية والقيم الوطنية الجامعة التي من خلالها تتحّول في حالة توفرها الإرادة السياسة والوطنية فاعلة .
الانتهاكات في حالة الاسرى الفلسطينيين انتهاكات ناعمة لكن فاعليتها ودمارها استراتيجي وأدواتها ليست ببسيطة كالهراوة مثلاً وإنما مركبة تحتاج  لمسجات   عالية الحساسية قادرة على كشف حجم الدمار الذي تحدثه، ومن الأدوات التي تستخدمها "إسرائيل" في أحيانٍ كثيرة هم أسرى يقومون بدور "الكابو" ويستخدم "الكابو" في الأوضاع والظروف العادية فلا يظهر في هذه الظروف إلاّ مقدم خدمات الأسرى ولكنه عند المحاكمات التي تعتبرها مصلحة السجون مفصلية كالإضراب عن الطعام لاسيما الاضراب الأخير ظهر "الكابو" منتمياً كلياً لمشروع السجان خادماً طبيعياً ومعرقلاً فاعلاً لأي إضراب أو تحرك يهدف لانتفاع الحقوق لا استجدائها.
إن ادارة السجون في الظروف العادية حريصة  على إجراء أي تحسين في شروط الحياة   لإظهار كمية الدور الذي يؤديه في نظر الأسرى، فلقد كشف الإضراب الأخير عن القناع عن وجه هؤلاء وعراهم أمام شعبهم والأسرى وكشف حجم تورطهم وتورط أطراف فلسطينية تعودت على هذا الوجه والتستر بأقنعة ومسميات مختلفة كالتنسيق الأمني لذلك هناك ضرورة لاستبدال الإطار المفاهيمي الذي تشّكل في أواسط القرن العشرين ولم يعد قادراً على انتقاد ما نمر به في السجون من تعذيب يتشارك به "الكابو" على أنواعهم، بحيث يتجاوز بحث الجامعة في حقوق الإنسان والأسير كموضوع لسعي الكشف عن الانتهاكات يطال البحث أسرته وأطفاله كما يجب أن يتجاوز مكان السجان ليشمل الطريق إلى السجن والحواجز والبوابات على مدخل السجون ووسائل النقل والتفتيش تجاوز السجان نفسه ليشمل منفذين مختلفين منهم الجيش والمخابرات "الكابو" في إطار المساومة التي ترافق عملية إخراج تصاريح زيارة الأسرى.
 والحقيقة لأننا نعتقد بأن المؤسسات الحقوقية مازالت  دون هذا الفهم ودون مواجهة الاسرى المختلفة نقدم هنا مجموعة من المقالات بهدف إظهار النقاش بشن قضايا حقوق الإنسان والأسرى والكشف عن تعقيدات الواقع الفلسطيني. 
إن هذه المؤسسات عاجزة عن توثيق وتقديم قراءات خارج منظومة القراءات التي اعتدنا عليها بفعل غياب الرؤية المهنية المتخصصة وبفعل قيام غالبية محاموها العاملون في هذا المجال في أداء وظيفة هدفها الارتزاق، ولا يصورون أحداث حقيقية على هذا الصعيد، بل أن الأمر كما قال بعضهم قد يؤدي لاصطدام مع بعض الأطراف الفلسطينية ومنهم أسرى لعبوا دور "الكابو" ومنهم من السلطة.
 ويشعر هؤلاء المحامون بأن هذه الأطراف التي قد تكون موضوع دراسته وتوثيقه للانتهاكات هي وليمة نعمته فهي التي تدفع أجره مقابل زيارته لسجون. 
ويعتبر الإضراب عن الطعام الذي خاضته الحركة الوطنية *في تاريخ 17 نيسان 2017 هو أطول إضراب جماعي مفتوح خاضته الحركة، وقد يكون من المبكر الآن قراءة تداعياته على المديين المتوسط والبعيد وليس على حياة الأسرى وواقعهم  المادي والتنظيمي وإنما على مجمل الحركة الوطنية وفصائل العمل الوطني والاسلامي لا سيما حركة فتح داخل وخارج السجون وعلى طبيعة علاقتها مع بعض أطراف السلطة الفلسطينية في رام الله ومع ذلك مثّل الإضراب محطة فرد أو كم وصفها الأسرى كبذرة القرع كاشف للبرد والخبث الذي عشعش في الأحشاء مما يمكننا أن نقرأ اتجاه الحركة العمومية إلى أين لتبقي تفاصيل هذا الاتجاه هبوطاً وصعوداً لقادمات الأشهر ولربما السنين؛ فالواقع يبقى  أغنى  بتفاصيله من أي خطة أو وصف نصفه به.
لقد قرأ عدونا منذ البداية الإضراب بأنه إضراب يستهدف ما هو أوسع من المطالب الحياتية للأسرى، واعتبره محاولة جادة لقيادة الإضراب لا سيما الأخ مروان البرغوثي عبر مقالته (نيو تايم) خلق مقاربة بين نضال المؤتمر الوطني الأفريقي بقيادة المناضل نيلسون مانديلا والنضال الوطني الفلسطيني في ظل حالة سياسية فلسطينية راكدة في واقع عربي.      
إن مدخلاً من هذا القبيل أبرز خلال الإضراب التناقضات القائمة لكنها كامنة بين  مقولة السلطة ومقولة فرقة التحرر وجعلها حديّة دون مساحيق وأقنعة وما كانت تثقف الشارع الفلسطيني لا سيما الفتحاوي ولولا ما جرى (صاعق الإضراب عن الطعام) ومثله بصفته كاشفاً للأحشاء عندما تطلب الأمر للسلطة الفلسطينية لغة وأداءً مختلفاً؛ فالسلطة حاولت معالجة  استحقاقات الإضراب بأدوات سلطة وليس بأدوات حركة تحرر فأدرك المواطن الفلسطيني المتوسط اللهو الشاسعة بين الخطابين.
 الإضراب كما الانتفاضة يبسط الرسائل السياسية المركبة بهذا المعنى كان  الإضراب تحريضاً للناس فيما على الأبواب زيارة السيد  الامريكي التي اعتبرت استحقاقاتها من قبل بعض أواسط السلطة لا سيما الأواسط الأمنية أهم من استحقاقات الاضراب.
لقد انتصب خلال الاضراب وأمام الأسرى المضربون والناس المتضامنون معهم خطابين في المقابل بعضهم البعض خطاب تحرر في مقابل خطاب سلطة لغة نضالية تتحدى لانتزاع حقوق في مواجهة لغة التنسيق الأمني التي تستجدي تحسين شروط الحياة.
 الإضراب حالة نضالية تدعو الجميع للالتفاف حولها وتطويرها واحتضانها، في المقابل الإضراب حالة أمنية تستدعي محاصرتها  والحيلولة  دون انتشارها وفي أحسن الأحوال احتضانها بهدف خنقها.
كلما استمر الإضراب اتضحت معالمه أكثر فأكثر وازداد حجم التضامن الذي عمل على خلقه، وكلما زادت دائرة التضامن كلما استخدمت السلطة نفس الأدوات وأكدت الفارق بينهما كسلطة وبين ما يمثله الأسرى من خطاب تحرر.
من خلال هذا المشهد يمكننا فهم كل ما جرى من ممارسات خلال الاضراب بالمقابل ما مثله الأسرى المضربون من تحدي وإصرار وصمود قارب العديد من حالات حتى الاستشهاد بعض هذه الممارسات جاء على شكل قرارات خلال وبعد الاضراب وجدنا لها اثر تصريحات والمقابلات التلفزيونية والاذاعية فمثلاً لم نفهم التغطية الخجولة للإضراب من قبل محطات الراديو المحلية الفلسطينية التي بالعادة تفتح موجة مفتوحة في مثل هذه الأحداث إلا بعد مقابلة أجراها وزير الأسرى الأسبق أشرف العجرمي الذي سؤل عن الإضراب في اليوم الثامن عشر فرفض الإجابة وقال (جئت بالحديث عن قرار السلطة بحجب الميزانية عن غزة وليس عن الأسرى) فقررت المذيعة السؤال (هل هناك توجيهات بعدم الحديث بهذا الموضوع  لأنه موضوع خلافي) قرر إجابته "جئت للحديث عن ميزانية غزة" فإذا كان وزير الأسرى السابق ولا يريد الحديث عن إضراب الأسرى فهل هناك حقاً توجيهات بألا يتم  الحديث عن الإضراب؟ هناك خيط رفيع يربط عدد من القرارات بعضها ببعض من حجب للميزانية عن غزة بعد عشر سنوات بالذات  أثناء إضراب الأسرى وبعد الإضراب، ووقف مخصصات 300 أسير محرر إلى غزة، لهذه القرارات دون المشهد الذي وصفناه أعلاه يثير الاستغراب، الفرز بالنسبة  لمن يعمل في الأجهزة الأمنية الاسرائيلية كان واضحاً فمن يعمل بالأمن من بين الإسرائيليين يعرف الفارق تماماً  ليس بين من هو بالسلطة وأسير بين الأسرى أنفسهم بين مروان البرغوثي وكريم يونس وسعدات وعباس السيد وابراهيم حامد وناصر أبو سرور وكميل أبو حنيش ونادر صدقة والقائمة تطول و بين من كان "كابو"، وظل كذلك أثناء وبعد الإضراب؟ فهل ستدرك الأجهزة الأمنية الفلسطينية ما أدركه "الشاباك" ؟ أم أن مثل هذا الفهم خارج إطار التنسيق الأمني.


*كان هناك إضراب في الثمانيات من القرن الماضي تجاوز 41 يوماً ولكنه اضراب تخلله تناول السوائل المحلاة بخلاف هذا الإضراب الذي لم يتناول به الأسرى إلا المدعمات في المراحل المتقدمة.