الإهمال الطبي أسلوب ممنهج للممارسة التعذيب

محمد الريماوي يوثق تجربته"الإهمال الطبي قتل بطئ للأسير المريض"

محمد الريماوي
المصدر / مركزحنظلة للأسرى والمحررين

طبيعة المرض:

        هو مرض يعرف بحمى البحر الأبيض المتوسط FMF"" وهو مرض نادر يصيب واحد من بين نصف مليون شخص، وينتشر في منطقة الشرق الاوسط وهو عبارة عن خلايا للجسم تهاجم بعضها البعض، حيث يُعطى المريض جرعات من الدواء يعرف باسم "كورشين" وتكون كمية الدواء حسب المرحلة التي وصل إليها المرض وتكون من حبتين إلى خمسة كل يوم.

أما أعراض هذا المرض، هو ارتفاع في درجات الحرارة حيث تصل من 39 الى 40 درجة، وضيق في التنفس، وألم شديد في المعدة، وألم حاد في المفاصل، ويسبقها حالة من الهزلان وألم في عظام الساقين واليدين، إضافة أن المرض يهاجم الرئة مع ارتفاع في درجة الحرارة مع خروج البلغم، ويرافقه الدم من الفم وضيق نفس شديد وسعال حاد.

وتعتبر هذه العوارض هي نفسها عوارض السل، وإذا زاد خروج الدم بشكل كبير فاحتمال كبير أن يصاب المريض بسرطان الرئة، وذلك بسبب خروج الدم والتهاب حاد في الرئة.

 أيضا يحارب المرض عضلات الجسم وخاصة اليدين والساقين حتى يصبح المريض عاجزاً عن الحركة بنسبة 75% مع حدوث ألم شديد والتهاب حاد في الكبد والكلى، ويكون نصيب للعيون والفم واللثة من الالتهاب الشديد.

 وفي مراحل متقدمة يهاجم المرض الدماغ ويدخل المريض في غيبوبة حتى الوفاة، ويكون المريض متعرض إلى نوبات متتالية حيث يصاب من ثلاث إلى خمس نوبات في الاسبوع وهناك حبوب او ابر كيماوية تعطى للمريض لتأخير مداهمة المرض لجسم المريض من نصف سنة الى سنة وهذا غير متوفر وغير مسموح به من إدارة مصلحة السجون.

 

آلية التعايش مع المرض داخل السجون:

يسبب هذا المرض معاناة حقيقية وألم شديد للمريض، وخاصة في ظل سياسة الاهمال الطبي التي تنتهجها إدارة مصلحة السجون، ولكي يتمكن المريض من الصمود يجب ممارسة الرياضة الخفيفة لتخفيف الوزن، والحفاظ على وزن ثابت والمطالعة المستمرة، للحفاظ على نشاط الدماغ، وكذلك الاستمرار في عمل فحوصات طبية لازمة، وعدم الاكتفاء بالمسكنات، ولكي يتمكن المريض من متابعة حالته، وبالتالي صرف الدواء اللازم يجب متابعة المريض بشكل دوري واجراء الفحوصات اللازمة، وهنا يأتي دور ما يُسمى بالعيادات داخل السجون التي تكتفي بالمسكنات فقط، وتهمل وضع المريض وحالته الصحية، والادعاء انه ليس مريض ويبقى الأسير المريض يعاني من عوارض هذا المرض، وبالتالي التعايش مع عوارضه طيلة حياته داخل السجون، مما يؤدي الى تفاقم المرض واتلاف اعضائه الداخلية من شدة الحمى وبالتالي الاستشهاد، كما حدث مع العديد من الأسرى.

معاملة عيادات السجون:

هنا المعاناة الحقيقية لأن أطباء السجون لا يستطيعون تشخيص المرض بشكل صحيح لذلك يصرف مسكنات للمريض، واعتبار أن الأسير المريض حقل تجارب، وبما أن العوارض التي يسببها هذا المرض تحتاج إلى فحوصات يتم ارسال المريض إلى ما يُسمى مستشفى سجن الرملة لإجراء الفحوصات، وهذا الأمر يتطلب أشهر وربما سنة حتى يأتي دور المريض للذهاب الى المستشفى.

 والجدير ذكره أن مستشفى سجن الرملة هو عبارة عن قسم عزل يحتجز فيه الحالات المرضية الصعبة، والذين يعانون من مرض بشكل دائم وفي الحقيقة لايصلح للحياة البشرية فما بالك الأسير المريض؟!

وعلى الرغم ما يعانيه الأسير المريض في هذا المستشفى أو ما يُسمى مستشفى إذا حصلت حالة طارئة في وقت متأخر يستغرق وصول الطبيب للحالة المرضية أكثر من ساعة ليعطيه بعض المسكنات للصباح.

هكذا يكون المريض الأسير كلما اشتد الألم يعطى مسكناً ليعود إلى المستشفى حاملاً معه أمراض:-

أولاً تفاقم أوضاعه الصحية جراء ما يتعرض له من عذاب " البوسطة "والمعاملة السيئة من قبل "النحشون" وطول المسافة حيث يستغرق الذهاب والرجوع الى المستشفى من ثلاث إلى أربعة أيام والأسير المريض ينتقل من بوسطة إلى أخرى ومن معبار إلى آخر والكلبشات في يديه وقدميه.

وثانياً كثرة المسكنات التي تصرف له.

وهنا يتحدث الأسير الرفيق محمد الريماوي بنفسه عن حادثة حصلت معه مع ما يُسمى سجن الرملة وما يُسمى عيادات السجون:-

في إحدى الأيام داهم المرض جسدي وتحديداً في الرئة وأصبح عندي ضيق تنفس مع ارتفاع في درجات الحرارة، بالإضافة إلى خروج البلغم مع الدم وحدوث سعال مستمر، وبعد معاناة ومماطلة وتدخل الأسرى والاحتجاج سمحوا لي بمقابلة دكتور بعيادة "ريمون" لتصوير أشعة، وبعد شهر ذهبت لإجراء الصورة في مستشفى بسجن الرملة، ومن هنا بدأت المعاناة حيث نقلونا في "البوسطة" من ريمون إلى النقب حتى وصولها إلى سجن السبع وتأخذ من ثلاث إلى أربع ساعات، وكنت لا أستطيع الحركة والألم يزداد وكذالك ضيق النفس، ناهيك عن المعاملة السيئة من "النحشون" الذي  يدرك جيداً بأنك مريض رغم ذلك يزيد من سوء معاملته بشكل متعمد، حيث تصل "البوسطة" الساعة الثالثة عصراً ثم تتحرك لتصل سجن الرملة في الساعة العاشرة مساءً، وكل ذلك الوقت والأسير ينتقل من "بوسطة" إلى أخرى ومن معبار إلى آخر وتدخل بعدها إلى معبار سجن الرملة وينام في المعبار حتى الساعة الثامنة صباحاً، ونخرج بعدها، وننتظر هناك مقيدي الأيدي والأرجل حتى يأتي دورك.

 وبعد التصوير طلب المسئول عن التصوير بعرض الصورة على دكتور بمستشفى سجن الرملة، وهذا لا يحدث عادة حيث يمنع عرضها على دكتور مستشفى سجن الرملة، ومن هنا تؤخذ الصورة لعرضها على دكتور السجن المتواجد فيه أصلاً ومن ثم هو من يقرر إرسالها إلى دكتور في سجن الرملة، وبعد عرضها على الدكتور في سجن الرملة قال لي "لا يمكنك العودة إلى سجن "ريمون"".

 وفوراً أدخلني المستشفى وتم عزلي ووضع الكمامة على فمي حيث منع اختلاط الأسرى والسجانين خوفاً من العدوى، ووضعوني في غرفة محصنة وطلب من السجانين عدم الاقتراب مني، وأنا ما زلت أجهل حتى تلك اللحظة سبب كل هذه الإجراءات حتى جاء الدكتور، وبعد جدال وصراع قال لي "إن تشخيصك الأولي وأن مرضك هو "الســل"".

وأجريت الفحوصات مرة أخرى وهذه الفحوصات يقول "أنها تأخذ من شهر إلى شهرين"، وفعلاً استغرق مكوثي في هذه الغرفة المحصنة شهر، وبعد ذلك جاء وقال لي "المرض ليس السل وإنما مرض "سرطان في الرئة"، طبعاً قالها لي ببساطة وعليك انتظار شهر آخر، وبالطبع حالتي ازدادت سوءاً وبعدها أخرجوني من الغرفة المحصنة لأختلط بالأسرى المرضى، وهناك ازدادت حالتي سوءاً، وبعد الضغط تم إرسالي إلى مستشفى خارجي "سافا ساتوروفي".

وفي الفحوصات الروتينية جاء المختص وأخبرته بما قاله الدكتور في مستشفى سجن الرملة عن السل وعن سرطان الرئة وقال لي الدكتور المختص "أنت لا يوجد معك لا سل ولا سرطان" وإنما هو "التهاب حاد" يؤدي إلى موت الخلايا في الرئة، وتخرج على شكل دم من الفم، ويجب أن تبقى شهرين في المستشفى، وهذا الذي رفضته إدارة مصلحة السجون، ومن ثم أعادوني إلى مستشفى سجن الرملة مع إعطائي الدواء اللازم وهو كورس من الكبسول، وهذا جزء من المعاناة التي نعانيها مع ما يُسمى سجن الرملة أو عيادات داخل السجون.

وأنا ما زلت أعاني من هذا المرض والعوارض ذاتها وممارسة سياسة الإهمال الطبي  مستمرة.

 تجدر الإشارة أنني خضت إضرابات مع الأسرى احتجاجاً على هذه السياسة رغم مرضي هذا لمواجهة سياسة إدارة مصلحة السجون، وتحسين حياتنا كأسرى بشكل عام والمرضى على وجه الخصوص.

وهنا في هذا المقال أطرح مسألة سجن الرملة والعمل على تحسين أوضاعه، والوقوف أمام ما يُسمى سياسة حقل التجارب التي تجري على الأسير المريض والعمل على إدخال أطباء مختصين لفحص الحالات المرضية الحرجة، وتسريع عملية الفحوصات التي تستغرق من ثلاث إلى ست شهور، وهذا يتطلب جهدنا كأسرى أولاً ومساندة الجهات المعنية والحقوقية والإنسانية  لمواجهة هذه السياسة.