|مقال| بقلم الأسير المناضل وائل الجاغوب

الفرصة الأخيرة كما تراها " إسرائيل" والأنظمة العربية

israel-FINAL
المصدر / بقلم الأسير المناضل وائل الجاغوب

كثر الحديث خلال الأشهر الأخيرة عن الفرصة المشكّلة في المنطقة لتحقيق السلام، وعندما تتشكّل هذه الفرص فإنها ستكون على قاعدة مصالح مشتركة تمتد أحياناً إلى مصالح ضد أعداء مشتركين، وكل طرف يرى مصالحه وما يمكن أن يقدمه ويحصل عليه، وما يريده " نتنياهو" وما هو مستعد في تقديمه هو، وما تريده الأنظمة العربية ومستعدة لتقديمه. وفلسطينياً أين نحن من هذا الحراك في ظل غياب دول عربية وازنة وتدميرها، خاصة مثل سوريا والعراق، واستمرار الانقسام الداخلي، والحصار،

 فكيف يرى كل طرف الفرصة سواء كان ( إسرائيلياً، عربياً، فلسطينياً):

إسرائيلياً:

إن مبادرة السلام العربية كانت إحدى عناصر مبادرات عدة لقوى وشخصيات إسرائيلية بحكومتها مثل مجموعة "إسرائيل تبادر" التي أُسست عام 2011، من قبل رجال أعمال وضباط سابقين، والتي عرضت على الحكومة الإسرائيلية الموافقة على المبادرة العربية مع إجراء تعديلات، وأرفقت المشروع برؤية اقتصادية موثقة بالأرقام لما سوف تجنيه "إسرائيل" من تبني هذه المبادرة مع تعديلات.

وقد أظهر بحث هذه المجموعة أنه خلال عشر سنوات سيصبح سنوياً تصدير للدول العربية والإسلامية يعادل عشرون مليار دولار، إضافة إلى عائدات السياحة سنوياً ستجني ملايين الدولارات، والاستثمارات القادمة ستتصدر بعشرة مليارات دولار سنوياً ( صحيفة هآرتس 23-1-2015).

إن هذه المبادرات الضاغطة على الحكومة الإسرائيلية وغيرها تفعّلت في ظل حالة عربية معادية، فكما يبدو أنه خلال السنوات السابقة كان العرب يريدون تطبيق المبادرة العربية كاملة، وهذا في زمن إطلاقها عام 2002 في عهد الملك عبدالله ( حوار مع الدكتور أنور عشقي– مدير مكتب الدراسات الاستراتيجية –جدة – صحيفة يديعوت أحرنوت بتاريخ 3-6-2016)، لكن الظروف الآن اختلفت في زمن الملك سلمان، فالاحتمالات والفرص تحسنت ( نفس المصدر – يديعوت). حيث قال " عشقي في مقابلته " أن المبادرة العربية للسلام لم تملك في السابق فرصة حقيقية لتحقيقها بخلاف اليوم، وأن الآن هناك فرصة تاريخية لإنجاز السلام"، وأضاف: " أن السعودية أيضاً قد تغيرات وإن ملكها الجديد يبعث بإشارات لإسرائيل حول إصراره لتحقيق السلام، وأن هناك مصالح مشتركة مع إسرائيل، ونستطيع بسهولة تحديد أعداء مشتركين".

وأضاف: " أن السعودية في حال أوفى نتنياهو بوعده ستبادر لعملية تشجع دولا ًعربية للبدء بالتطبيع مع إسرائيل، مما سينعكس إيجابا ًعلى علاقاتها مع مصر والأردن ودول أخرى، وقريباً ستبدأ السعودية ببناء جسر يصل بين آسيا وأفريقيا وفي منطقة مضائق تيران سنبني منطقة تجارية حرة، وفي حال تبنت إسرائيل مبادرة السلام العربية سندعوها لتكون شريكة في السوق الحرة وهذه فرصة لها لتحقيق أرباح بالغة. كما سترون مسؤولين سعوديين وإسرائيليين في لقاءات علنية وستفاجئين كم ستكون الرياض فعالة، وقال أيضاً: " إنه بعد إعلان نتنياهو أن مبادرة السلام العربية تنطوي على مركبات إيجابية يمكن التفاوض على نقاط خلافية والتوصل لتفاهمات تريح كافة الأطراف". ويؤكد في المقابلة بأن " السعودية اليوم وبعكس الماضي مستعدة للتباحث حول طلبات إسرائيل بتعديل بعض بنود مبادرة السلام العربية، وأن تحقيق السلام مع إسرائيل مصلحة استراتيجية للرياض" (نفس المصدر يديعوت أحرنوت)

إن المتغير الإقليمي العربي مرصود جيداً إسرائيلياً، ومحاولة خلق عدو مشترك يجمع ما بين الكيان والأنظمة العربية حقق نجاح وتقدم، فجزء من تحويل الكيان الصهيوني إلى دولة طبيعية في المنطقة هو إسقاط العداء معه، ورفض وإدخال قوى أخرى تمثل حالة العداء، وعلى المستوى الداخلي السياسي الإسرائيلي هناك التقاط لما بات يُسمى فرصة، هذا الالتقاط قائم على أساس المتغير الإقليمي، والاحتياج الداخلي السياسي الإسرائيلي؛ فالإعلان من قبل " نتنياهو" جاء وهو محاصر بعدة قضايا منها فضيحة التمويل من المليونير الفرنسي، وتوصيات مراقب الدولة حول قضية سفريات "نتنياهو"، إلى قضية زوجته (القناة العاشرة الصهيونية – تقرير حول قضايا الفساد نتنياهو بتاريخ 6-6-2016)، وائتلافه الحكومي الراهن ما بعد "ليبرمان" سيسعى إلى ضم المعسكر الصهيوني في الحكومة، وهذا يتم عبر الأفق السياسي لما بات يُعرف بالفرصة كما جاءت على لسان زعيم هذا المعسكر الصهيوني " يتسحاق هيرتسوغ"، إضافة إلى ذلك لحالة الضغط السياسي الداخلي المطالبة بأفق سياسي يحاول بعض المنافسين لنتنياهو تقديمه كرئيس بلدية القدس الذي أشار في لقاء جامعة " تل أبيب" أنه يجب التفكير بموضوع القدس، إما تسليم السلطة مناطق ما وراء الجدار أو هدم الجدار، أو إقامة حواجز، أو نقل الجدار ( القناة العاشرة بتاريخ 26/5/2016)، أو إشارات وزير الحرب المُقال "يعلون" " يجب التقاط الفرصة الراهنة، والتأسيس لعلاقات على قاعدة إقامة علاقات وفق المصالح المشتركة"، والأخير يُعتبر منافس قوي لنتنياهو، أو تصريحات " دان مريدور" حول إيقاف الاستيطان في خلفي الجدار ( القناة العاشرة 5/6/2016)، إضافة إلى ذلك المبادرات من أجل الضغط على "إسرائيل" مؤخراً وضغوط رجال الأعمال الذين يرون أن هنالك فرصة اقتصادية.

خلاصة القول، إسرائيلياً، أن هناك ضغوطات داخلية وخارجية تطالب " نتنياهو" باتجاه التقاط حراك سياسي، ويستدعي ذلك توفر استقرار في النظام سياسياً لمواجهة التحديات الخارجية، والتقاط الفرص القائمة (27-5-2016 القناة العاشرة).

وهناك بعض المسائل والمتغيرات تشغل " نتنياهو" وتشكّل له ممر إجباري لالتقاط الفرصة الراهنة، وأهم هذه المتغيرات هو وجود أربع دول مركزية بالمنطقة هي (إيران، تركيا، مصر، السعودية) ثلاثة منها يوجد التقاط مصالح مع "إسرائيل"، تقدم وتطور "إيران" والتوتر في العلاقة مع إدارة الرئيس الأمريكي "أوباما"، تهديد إرهاب داعش والحاجة إلى الاستقرار. أما بخصوص الدور الفلسطيني فهو هامشي، لذلك فإن استئناف المفاوضات مرة أخرى ربما سيخفف على هذه الأنظمة العربية، بأن تنفتح وتتطور العلاقة مع "إسرائيل"، لكنه ليس شرطاً ضرورياً ( مقال ناحوم بارنار- صحيفة يديعوت أحرنوت 3-6-2016). وهذا المقال لخص به الكاتب الإسرائيلي الرواية والفرصة، حيث تكريس التراجع العربي عن كل ما يتعلق بالملف الفلسطيني وفق هذه المتغيرات، وهذا ما أكده "يعلون" بقوله " موضوع السلام تحوّل إلى شعار، أرى أننا وصلنا إلى وضع مستقر نسبياً، ويجب أن نعمل على تكريس حالة الاستقرار أكثر على أساس المصالح المشتركة، حيث أن مصطلح " السلام العربي الإسرائيلي" تحوّل إلى مصطلح غير واضح، فنحن في ذات الخندق ليس مع المصريين والاردنيين فقط، بل مع دول عربية أخرى في المنطقة والخليج وشمال أفريقيا هي أيضاً تحت التهديد الإيراني والمحور الشيعي، وتعاني من الإرهاب الداعشي، والاخوان المسلمون، نحن في ذات الزورق" ( يعلون – يديعوت أحرنوت – مقابلة بتاريخ 10-6-2016).

إن التصريحات التي يُدلي بها صناع القرار الإسرائيليين والرأي العام تسعى باتجاه إسقاط توصيف صراع عربي إسرائيلي اولاً، وتحويله إلى نداء مع جزء من الفلسطينيين وإسقاط المتطلب الانسحاب الإسرائيلي مقابل التطبيع مع الدول العربية والإسلامية، ليكون التطبيع على قاعدة المصالح المشتركة، وإبقاء المبادرة العربية بالشق الفلسطيني في إطار أفكار بناءة يمكن التعامل معها أو التعارض عليها، ولاحقاً على أساسها، وثانياً هو تكريس وجود عدو مشترك إيراني هو مصالح مشتركة من الأساس، وأن السلام الاقتصادي والتعاون الأمني بهيمنة إسرائيلية هو المدخل السليم لكل حراك سياسي، وإحباط كل فعل وحراك رسمي وشعبي ضد الكيان رابعاً.

عربياً:

إن مواقف الأنظمة العربية باتت واضحة، ولعل مبادرة " أنور عشقي" التي أطلقها في مقابلة مع " صحيفة يديعوت أحرنوت" الإسرائيلية مؤشر عليها، حينما أكد كما تحدثنا سابقاً " أن السلام إذا لم يحقق في فترة " نتنياهو" فإنه لن يحقق نهائياً أو الإشارة إلى أن هناك مصالح مشتركة، ونستطيع بسهولة تحديد أيضاً أعداء مشتركين، وتحديد أن المطلوب من " نتنياهو" أن يعلن من على منصة دولية موافقته على المبادرة العربية، ومقابل ذلك ستدعم السعودية، والدولة العربية إجراء تطبيع مع "إسرائيل" وستزيد اللقاءات المشتركة، حيث سيتم دمج "إسرائيل" في مشروع السوق الحر الذي سيقام عل جزيرة تيران، والإشارة إلى إمكانية الحوار على المبادرة وما تنص".

 ولعل ما نُشر خلال الأسابيع السابقة من مفاوضات مع "إسرائيل" حول المبادرة العربية، إنما يؤكد ذهاب الدول العربية باتجاه الضغط لإطلاق مفاوضات أردنية – فلسطينية مقابل الإعلان عن تسريع التطبيع مع "إسرائيل" ومن هذا الإطار تأتي المبادرة التي تحدث عنها الرئيس المصري.

 

فلسطينياً:

إن مجمل الحراك الراهن يعكس نفسه أيضاً على الأوضاع السياسية الفلسطينية من جانب محاولات إعادة ترتيب الأوراق الداخلية على صعيد حركة فتح، وعلى مستوى حركتي فتح وحماس، والضغط على المستوى السياسي الفلسطيني الرسمي للتجاوب للإملاءات الغربية والإسرائيلية، في ظل حالة من الضغط الرسمي العربي والدولي لإطلاق المفاوضات على قاعدة التغييرات التي سيتم إدخالها إلى المبادرة العربية.

 وباعتقادنا أن هناك أطراف فلسطينية يمكن أن تتعاطى وهذا الطرح في ظل الحالة الإقليمية الراهنة، والأوضاع الفلسطينية الداخلية، والميل العام للشعب الفلسطيني والذي يرى حسب آخر استطلاع للرأي للمركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية بأن (54%) يؤيدون العودة للانتفاضة المسلحة، و(43%) يؤيدون فكرة حل السلطة، و(52%) يرون بالسلطة عبئ على الشعب الفلسطيني، و(59%) يرون أن هنالك تحالف عربي سني مع "إسرائيل" ضد إيران رغم استمرار الاحتلال ( صحيفة القدس بتاريخ 8-6-2016).

وهذا الاستطلاع والذي سبقه مؤشرات هامة على المزاج الجماهيري يمكن أن نترجمه بشكل يمثل تهديد لمراكز القوى، وللمصالح سياسياً واقتصادياً، مما يجعل محاولة التقاط كل حراك سياسي قادرة لإحباط أي محاولة لإعادة خلط الأوراق والتهديدات الجارية.

إن هذا الواقع السياسي المتداخل، والذي أفرز حالة اصطفاف سياسي على المستوى الإقليمي سيجد ترجماته محلياً، وفي الضرورة سيجري مقاومته أيضا؛ فالمشروع القائم خطير على صعيد القضية الفلسطينية، ويمكن أن يدفعنا في دهاليز المفاوضات الطويلة غير المجدية نهائياً، أو ينتج حلول انتقالية ويدفع باتجاه تقديم تنازلات جوهرية.

( انتهى)