في ذكرى استشهاد الرفيق ميلاد عياش، بقلم الأسير بشار العبيدي

ميلاد فجر جديد

الشهيد ميلاد عياش
المصدر / بقلم الأسير بشار العبيدي

لا أعرف من أين سأبدأ ومن أين سأقول، فقد عجزت كلماتي أن تخرج لأحد، فلا زال القلب والعقل يستحضرك في كل شيء، فماذا عساني أن أقول... فكل البدايات تكون دائماً صعبة، فكيف يكون الحال عند الحديث عمن بميلاده ولُد فجر جديد، ميلاد وأي ميلاد... ميلاد التضحية... ميلاد العودة.

مع مرور خمس سنوات على ذكرى استشهادك يا رفيق دربي، أعيد الأمل وأقول مقتنعاً بأنك لم تمت، وأن روحك الطاهرة باقية تُطارد هذا العدو الغاشم، الذي بقتله لك زادنا عزيمة وإصراراً على المضي قدماً بما حلمت به أنت وحلم به شهدائنا، فقد كان استشهادك في يوم يحيي فيه شعبنا ذكرى اقتلاعه من أرضه، فسال دمك الطاهر على هذه الأرض ليكون ميلاد فجر جديد، سيشرق بالعودة إلى تلك الأرض التي اغتصبت من أهلها وبُني على أنقاض شعبها وجثث شهدائها.

لقد رسمت بدمائك ودماء كل شهدائنا خريطتنا للثائرين ليسيروا عليها حتى يدمروا ذلك الكيان السرطاني الخبيث، ويعيدوا الأطفال شعبنا ميلاد فجر جديد في وطن ينعم الأوطان في ربوعه، ويغنون أغنية الربيع الذي اخضر من دمائك الذي ما زال وسيبقى ذلك السر الدفين الذي ما زالت تحتفظ به الأرض جذوراً لزرع لا ينضب .

ميلاد عياش حكاية شاب في مقتبل العمر ذاق ويلات المحتل كباقي شباب فلسطين، ثار على ظلمهم واضطهادهم، ورفض فكرة وجودهم، وقرر الالتحاق بكوكبة الشهداء من رفاقه، مدركاً أن ذلك الجسم السرطاني القادم سيزول لا محالة... خمسة رصاصات أطلقها ذلك الصهيوني الغاصب اخترقت جسدك الطاهر. لتقتلنا آلاف المرات ولكن هم لا يعملون أنهم بقتل ميلاد وُلد ألف ميلاد.

رفيقي ميلاد أعلم أن الرجال لا يموتوا لكنهم في حضرة الغياب تسيل الدمعة دون أن نشعر بها... إنها دمعة الاشتياق إلى تلك اللحظات التي كنا نعيشها معاً. كم اشتقت اليك وكم اشتاقت عائلتك اليك. وكم من دمعة تسيل كل يوم من قلب لأمك. لكنك اخترت مصيرك بشجاعة ... اخترت طريق الشهادة كباقي رفاقك... آمنت بالفكرة ولم تتخلَ عنها. بل وضعتها في حيز الممارسة والفعل، إيماناً منك بأن تحرير فلسطين لا يمر إلا عبر فوهة البندقية، وما أخذ بالقوة لا يُسترد إلا بمزيد من القوة... تلك الشهادة التي حلمت بها ... ونحن عاهدناك وعاهدنا شهداؤنا أن نستمر في نضالنا ما حيينا وفاءاً لدمائك التي ستبقى الشمعة التي ستنير لنا الطريق، وستأخذنا إلى العودة والحرية والتحرير، وتحقيق الحلم الذي اصبح حقيقة مطلقة في إقامة دولتنا الفلسطينية على كامل التراب ودحر الاحتلال عن هذه الأرض.

رفيقي ميلاد كثير من يكون في الحياة ولكنه يذهب وكأنه لم يكن، لكنك كنت فينا وستبقى. والى الذين أحبوا ميلاد... لا تبكوه طويلاً لأن من مثله لا يبُكى عليه. وفعلاً هل يبُكى الشهداء.