بقلم: عبد الناصر فروانة

مقال بعنوان: إلامَ يحتاج الأسرى في يومهم؟ وماذا يريدون؟

عبد الناصر فروانة.jpg
المصدر / مؤسسة الدراسات الفلسطينية

مركز حنظلة_غزة

اعتاد الشعب الفلسطيني في فلسطين والشتات إحياء ذكرى يوم الأسير الفلسطيني في كل عام، والذي يصادف في 17 نيسان/أبريل، من دون أن يكون لاختيار هذا اليوم علاقة بأي حدث تاريخي أو مناسبة، كما يعتقد الكثيرون.

وإنما أقرّه المجلس الوطني الفلسطيني خلال دورته العادية في سنة 1974، وفاءً لتضحيات الأسرى والمعتقلين في سجون الاحتلال الإسرائيلي وقضيتهم العادلة، ودعماً لحقوقهم الإنسانية، وتأكيدًا لأهمية السعي لضمان كسر قيدهم وتحقيق حلمهم بالحرية بكل الوسائل الممكنة والأدوات المشروعة.

كان يومًا فلسطينيًا، فصار يومًا عربيًا، وتعزّز حضوره بعد أن أقرّته القمة العربية في أثناء انعقادها في دمشق في آذار/مارس 2008، ثم أضحى يومًا عالميًا، وصرنا نرى الكثيرين من الأشقاء العرب والأحرار في العالم يشاركون الفلسطينيين في إحياء يوم الأسير الفلسطيني بين أروقة جامعة الدول العربية، وداخل المؤسسات الحقوقية، وفي العديد من العواصم والمدن العربية والأوروبية.

ومن دون شك، فإن اتساع المساحة الجغرافية، وزيادة أعداد المشاركين في إحياء المناسبة، وتعدُّد أشكال المساندة وتنوُّع أدوات الدعم والمناصرة، كلها أمور لها مردود إيجابي على قضية الأسرى والمعتقلين، وتعزز صمودهم في مواجهة واقع الأسر، وترفع معنوياتهم في مقاومة الانتظار الثقيل، وكذلك تنعش الآمال بالتحرر والانعتاق لديهم ولدى ذويهم.

ويقدَّر عدد حالات الاعتقال منذ سنة 1967 بأكثر من مليون حالة اعتقال، ذكورًا وإناثًا، صغارًا وكبارًا، وجميع هؤلاء، وبنسبة 100%، تعرضوا لواحد أو أكثر من أشكال التعذيب الجسدي أو النفسي، والإيذاء المعنوي، بينما تشير المعطيات الإحصائية إلى أنه لا يزال نحو 4900 معتقل فلسطيني، موزعين على 23 سجنًا ومعتقلًا ومركز توقيف، بينهم 160 طفلًا، و31 أسيرة.

وهناك قرابة 1000 معتقل إداري، من دون تهمة أو محاكمة، و4 نواب في المجلس التشريعي في دورته الأخيرة، و15 صحافيًا، ومئات من الأكاديميين وذوي الكفاءات العلمية والرياضيين.

ولعله من المؤلم وجود قرابة 700 أسير يعانون جرّاء أمراض مختلفة، بعضهم مَن فقد القدرة على الحركة، ومنهم 24 أسيرًا يعانون جرّاء مرض السرطان، في ظل سوء الأوضاع الصحية وقسوة ظروف الاحتجاز واستمرار الاستهتار وسياسة الإهمال الطبي المتعمد، وهو ما يشكل خطرًا على حياتهم.

أسرى المؤبدات 

وهناك من بين الأسرى 554 أسيرًا يمضون أحكامًا بالسجن المؤبد مدى الحياة، لمرة واحدة أو لمرات عدة، وهنا المؤبد مفتوح، ومن دون تحديده بسنوات كما هو متعارف عليه في دول العالم. ويُعتبر الأسير عبد الله البرغوثي الأعلى حكمًا، إذ صدر بحقه حكم بالسجن المؤبد 67 مرة.
 
الأسرى القدامى.. أرقام غير مسبوقة !

ويحلّ يوم الأسير الفلسطيني هذا العام، ونحن أمام أرقام صادمة وغير مسبوقة، فلأول مرة في تاريخ الحركة الوطنية الأسيرة يصل عدد "عمداء الأسرى"، وهو مصطلح يطلقه الفلسطينيون على مَن مضى على اعتقالهم (20 عامًا) وما يزيد على التوالي، إلى  قرابة 400 أسير، بينهم 39 أسيرًا مضى على اعتقالهم أكثر من (25 عامًا)؛ منهم 19 أسيرًا مضى على اعتقالهم أكثر من 30 عامًا، و7 أسرى من بين هؤلاء مضى على اعتقالهم أكثر من (35 عامًا)، أقدمهم الأسير محمد الطوس المعتقل منذ (38 عامًا).

هذا بالإضافة إلى عشرات آخرين ممن تحرروا في إطار صفقة وفاء الأحرار (شاليط) في سنة 2011، وأعيدَ اعتقالهم في سنة 2014، وأبرزهم الأسير نائل البرغوثي الذي أمضى في المعتقلات ما يزيد عن (42 عامًا) على فترتين. 

شهداء الحركة الأسيرة

وفي حضرة يوم الأسير الفلسطيني، نستحضر أرواح وحكايات 236 أسيرًا سقطوا شهداء بعد الاعتقال منذ سنة 1967، جرّاء التعذيب والإهمال الطبي المتعمد والقتل بعد الاعتقال. هذا بالإضافة إلى مئات آخرين توفوا بعد خروجهم من السجن، متأثرين بأمراض ورثوها من  السجون "الإسرائيلية".

هذا هو الإحصاء العام. وعلى الرغم من أهميته، فإن ما يجب معرفته هو أن هذه الأرقام متغيرة بفعل استمرار الاعتقالات وغياب الإفراجات الجماعية، وما ينبغي فهمه، هو أنه تكمن خلف هذه الأرقام معانٍ ومدلولات مهمة، والكثير من قصص وحكايات العذاب والألم والبطولة. 

انتهت جولة ولم تنتهِ المعركة مع السجّان

ويحلّ يوم الأسير الفلسطيني هذا العام، في ظل ظروف صعبة وأوضاع قاسية تشهدها السجون الإسرائيلية، وقد ازدادت أحوال الأسرى الفلسطينيين سوءًا، واشتدت الهجمة العنصرية بحقهم منذ تأليف الحكومة "الإسرائيلية" اليمينية المتطرفة وتسلُّم بن غفير وزارة الأمن القومي، قبل بضعة أشهر، الأمر الذي دفع الأسرى في منتصف شباط/ فبراير الماضي إلى الانتفاض واللجوء إلى خطوات احتجاجية، ذودًا عن كرامتهم، ورفضاً للتصعيد بحقهم، وكان من المفترض أن يتوَّج هذا الحراك بخوضهم إضرابًا جماعيًا عن الطعام في الأول من رمضان، لولا التوصل إلى تفاهمات مُرضية مع إدارة السجون "الإسرائيلية".

الأمر الذي خفف من حدة التصعيد خلال شهر رمضان، وأحدثَ بعض التغييرات الإيجابية في واقع الحياة الاعتقالية، ولكن في تقديري الشخصي، التصعيد "الإسرائيلي" سيُستأنف بعد انقضاء شهر رمضان، وأن المواجهة الكبرى قادمة لا محالة، في ظل عنصرية الحكومة اليمينية وتطرُّف المجتمع "الإسرائيلي"، والتحريض المتصاعد ضد الأسرى ومحاولات وصمهم بالإرهاب في إطار السعي الإسرائيلي للإساءة إلى مشروعية نضال وكفاح الشعب الفلسطيني. لقد انتهت جولة من المواجهة، ولكن لم تنتهِ المعركة. فالمعركة مع السجّان؛ كما المعركة مع الاحتلال "الإسرائيلي"؛ فهي معركة مستمرة إلى أن يتحقق حلمهم بالحرية. 

وأمام ذلك، إلامَ يحتاج الأسرى؟ وماذا يريدون؟

بدايةً، وفي تقديري الشخصي؛ لا بد من دقّ جدران الخزان، فالحركة الوطنية الأسيرة لم تعد قوية كما كانت عليه قبل "أوسلو"، وهي ليست موحدة بالدرجة التي كانت عليها قبل "الانقسام"، فالأسرى جزء أصيل من النسيج الاجتماعي الفلسطيني، وهم أيضًا امتداد طبيعي لتنظيماتهم، التي تأثرت جرّاء "أوسلو" و"الانقسام"، الأمر الذي أثّر سلبًا في جوهر العلاقات الداخلية فيما بين الأسرى من جانب، وما بين الأسرى وطبيعة علاقاتهم بالسجّان "الإسرائيلي" من جانب آخر، على الرغم من محاولات الأسرى تجاوُز هذه الحالة بين الفينة والأُخرى، لذا، وبكل صراحة، إن الحركة الأسيرة هي في أمسّ الحاجة إلى إعادة ترتيب أوراقها، وتنظيم صفوفها، وتوحيد رؤيتها، واستعادة قوتها، وإعادة الاعتبار إلى وحدة بنيتها الداخلية، في مواجهة التطرف "الإسرائيلي" وعنجهية السجّان وتصاعُد الإجراءات القمعية والعنصرية التي تستهدف الأسرى، قضيةً وواقعًا حياتيًا.

وفي المقابل، فالأسرى بحاجة إلى كثير من الدعم خارج الأسوار، محليًا وعربيًا ودوليًا، على كافة الصعد والمستويات، وهم بحاجة أيضًا إلى العمل الجاد لتوثيق كافة الجرائم المقترفة بحقهم. كما من المهم تطوير الخطاب الإعلامي والسعي الدؤوب نحو ترسيخ قضيتهم في الوعي الجمعي الفلسطيني ولدى الأجيال الناشئة، والارتقاء بمستوى الفعل وحجم التأثير، وهذا يتطلب توظيف كافة الآليات الحقوقية والقانونية، والبحث عن أدوات جديدة ذات تأثير أكبر في المؤسسات الدولية من ناحية، وأكثر ضغطًا على الاحتلال من ناحية ثانية، في إطار استراتيجيًا وطنية موحدة، أو رؤية متكاملة يشارك فيها الجميع، وتعتمد على التكامل والتراكم، بما يضمن إحداث التغيير المأمول، لمصلحة الأسرى والمعتقلين ومكانتهم القانونية.

وعلى الرغم من أهمية ذلك، فإن الأمر يتطلب أيضًا المزاوجة بين النضال، من أجل توفير متطلبات تحسين ظروف الاعتقال وحماية حقوق المعتقلين، وبين السعي الجاد لتحريرهم.

وإذا كان الأسرى يملكون الإرادة والعزيمة في مقاومتهم للسجّان، وبحاجة إلى مَن يساندهم في معاركهم، ذودًا عن كرامتهم ودفاعًا عن حقوقهم، ومن أجل تحسين ظروفهم الحياتية وتخفيف معاناتهم، فهم على الجانب الآخر، يريدون من الأحرار العمل على تحريرهم وعدم إبقائهم أعوامًا طويلة خلف القضبان.

هذا هو همهم الأول ومطلبهم الأبرز، وهذا ما يريده الأسرى من شعبهم وقيادتهم وفصائلهم ومقاومتهم، من دون التقليل من أهمية أشكال الدعم الأُخرى.

"أنا أحكي عن الحرية التي لا مقابل لها، الحرية التي هي نفسها المقابل،" كما يصفها الأديب غسان كنفاني.

وفي الختام، هم يريدون لنا أن نفهم شيئًا مهمًا، أن تحرير الأسرى ليس واجبًا وطنيًا وسياسيًا ودينيًا فقط، أو إنسانيًا وأخلاقيًا فحسب، وإنما ضرورة حيوية وجوهرية لتعزيز صمود الشعب الفلسطيني ومقاومته للاحتلال "الإسرائيلي".
 
المؤلف/ عبد الناصر فروانة: أسير محرر، ومختص بشؤون الأسرى، وعضو المجلس الوطني الفلسطيني، ورئيس وحدة الدراسات والتوثيق في هيئة شؤون الأسرى والمحررين، وعضو لجنة إدارة هيئة الأسرى في قطاع غزة، ولديه موقع شخصي اسمه: فلسطين خلف القضبان.