بقلم الأسير: محمد رمضان

مقال بعنوان: لماذا نريد قوى ديمقراطية

الأسير محمد رمضان1.jpg

مركز حنظلة_فلسطين المحتلة

تمتد أزمة الحركة الوطنية الفلسطينية إلى جناحها الديمقراطي التقدمي أو ما نستطيع توصيفه باليسار؛ إذ تعيش القوى الديمقراطية اليسارية أزمة مركبة بنيوية منذ ثلاث عقود ما بين السياسة، التنظيم، والفكر، خاصةً بعد حالة الترهل الذي طغى على عملها عقب انهيار الاتحاد السوفيتي، وانتصار الرأسمالية في نهاية القرن المنصرم.

هذا الحدث الكبير عكس نفسه على جميع القوى الديمقراطية في العالم، ووضعها أمام أسئلة وجودية تتعلق بمشروعيتها التاريخية والفكرية قبل أي شئ آخر، ومنها من قام ولحق بالتغيرات العالمية، ومنها من بقي متمسكاً بالماضي في حالة جمود دون تجديد، فظل مغلقًا، ولم يتقدم فصار هامشيًا.

رغم كل ما حصل، إلا أنه ما تزال الحاجة للقوى الديمقراطية والتقدمية ضرورة ملحة يفرضها الواقع الموضوعي المعاش، هذه الحاجة لا ترتبط حقيقة بوجود قوى ديمقراطية من عدمها، بل ترتبط بوجود قوى مؤثرة ملتزمة ببرنامجها التقدمي الديمقراطي، وهذا يفرض عليها الإجابة عن أسئلة هامة تُشكّل نقاط برنامجية، لا يمكن أن تجيبها إلا قوى ديمقراطية جذرية، وهذا ما يميز برنامج القوى الديمقراطية الراديكالية، بأنه لا ينافسها عليه أحد.

فما هي الأسئلة التي تحتاج لإجابات على صعيد مجتمعنا الفلسطيني، ولا يجيب عليها مجتمعة سوى القوى الديمقراطية الجذرية:

أولًا/ السؤال القومي
 بما يحمله السؤال من الحاجة للتخلص من الاستعمار الاستيطاني في فلسطين، وجعل الشعب الفلسطيني يقرر مصيره، وربط عملية التحرر الوطني الفلسطيني بعملية التحرر وتقرير المصير العربية، كجزء من الصراع العالمي بين دول المركز الرأسمالي الاحتكاري أي الامبريالية وبين دول المحيط، وهذا السؤال يحمل في طياته موقفًا من عملية النهب الاستعماري من قبل المركز وأهمية التصدي لها.

حول هذا السؤال نلحظ أن القوى الإسلامية والقوى الوطنية لا تربط بين مشروع تحرير فلسطين وبين مشروع تحرير وفك التبعية مع الغرب الرأسمالي، إذ تفرق ما بين الصهيونية وما بين أمها وراعيتها الرأسمالية العالمية، وهذا يسقطها في فخ المراهنة عليها لإنجاز مشروع التحرير!.

فيما الأحزاب الدينية تعتبر تحرير فلسطين مهمة ربانية يجب تحقيقها، وأن فلسطين أرض وقف ومحرم شرعًا الاعتراف بــ "إسرائيل"، كما القوى الوطنية لا تربط بين الوطني والقومي وما بين القومي والأممي، وهذا الفخ لا نستطيع إدراك خطورته إلا عندما نسحبه على السؤال التنموي الطبقي.

ثانيًا/ السؤال التنموي الطبقي:
يتضمن هذا السؤال محاور عديدة حول التنمية بمعناها الأبسط مثل حل اشكالية البطالة والفقر، ومسألتي تمركز رأس المال، وتمركزه في أيدي فئة قليلة على حساب باقي الشعب، فالتفاوت الطبقي مسألة لا يمكن إنكارها بل آخذة بالتوسع، إذ نجد ثروات هائلة تتمركز في يد فئة محدودة، بينما تكتفي الفئة الأوسع بالنظر لهذه الثروات من بعيد، وهذا يفتح الباب واسعًا أمام النضالات النقابية والحقوق الاقتصادية والاجتماعية.

وعلى القوى الديمقراطية أن تنحاز بوضوح نحو الطبقات الشعبية "العاملة والكادحة" وتتخذ موقفًا نقديًا رافضًا لتمركز رأس المال، وتناضل لتعزيز الديمقراطية الاقتصادية من عدالة في التوزيع ورفع الأجور، ووقف الاستغلال الطبقي وغيرها، وهذا يضعها على الطرف الآخر من باقي القوى كونها تربط ما بين المهام الوطنية وما بين المهام الاجتماعية الاقتصادية الطبقية، إذ سوف نجد أن القوى الوطنية والإسلامية لا تجد مشكلة بوجود السوق الحر والارتباط بالسوق العالمي وفق شروطه اللامتكافئة، والتي بالضرورة ستحافظ على وضعية لهذا السوق حتى وإن حصل استقلال سياسي، مما سيبقيها في مدارات الارتهان للسوق العالمية وقواه الكبرى الرأسمالية، التي تبحث الآن عن وقف لأزماتها المالية المتكررة.

ثالثًا/ السؤال الديمقراطي: 
لا شك أن القضية الديمقراطية هي من المسائل الهامة لكل الشعوب قاطبة، فالمسألة تتجاوز الانتخابات. 

إذ نحن نتحدث عن سيادة القانون، حرية التعبير، حرية المعتقد، والمساواة، الرقابة البرلمانية والمجتمعية، تداول سلمي للسلطة، محاربة الفساد، والديمقراطية حرية التنظيم، التنظيم النقابي، حرية الصحافة.. وغيرها من الحريات الديمقراطية الليبرالية التي تتيح للمجتمع النهوض والتقدم.

هذا السؤال الديمقراطي يجاب عليه بالجملة، إذ لا يصح أن يتم التعامل معه انتقائيًا عندما يتوافق مع مصالحي تمامًا كما تفعل القوى الدينية والوطنية.

رابعًا/ السؤال النسوي:
النظر إلى المرأة كإنسان كامل، كشريك في الحياة وليس كسلعة، وتحريرها من الاستلاب الذكوري والنظرة الدينية والجنسية السلعية، هي من القضايا الهامة المطروحة الآن في المجتمع، فالديمقراطي الراديكالي يرفض النظرة الدينية التي تحيطها بها القوى الدينية أو الوطنية، كما أنها ترفض تسليع جسد المرأة، والنظر لها كأداة تفريغ وتفريخ، ويرفض الهيمنة الذكورية عليها.

يعد هذا السؤال من أهم الأسئلة التي ترتبط بجذرية أو عدم جذرية القوى الديمقراطية وهي مفصل هام للحكم عليها.

خامسًا/ السؤال الإبداعي: 
يتناول هذا السؤال حق وحرية الإبداع، والانفتاح على المعرفة، والعلوم، وعدم تكبيل العقل بأية مسلمات غيبية، أو وضع حدود للتفكير فالعقل لا حدود له ولا يجوز تقيده.

تُشكّل هذه النقاط المحاور الخمسة، الأساس البرنامجي لأي تيار ديمقراطي جذري يسعى للتغيير في الواقع الفلسطيني أو العربي، والتي تبقى هذا الخيار متفردًا لبرنامجه لا ينافسه عليه أحد من جهة، ولا تنتهي حاجته الموضوعية من جهةٍ ثانية، حتى لو تراخت أو انعدمت قواه، فعندها نقول لماذا اليسار الجذري وليس اليمين.

أما عن التسمية، يسارًا راديكاليًا، أو تيارًا ديمقراطيًا، أو قوى ثورية أو كتلة تاريخية، كل هذا غير مهم، فالمهم أن نلتقط الأسئلة، ونمضي للإجابة عليها.