بقلم الأسير: منذر خلف مفلح

مقال بعنوان: "إدارة حياة الفلسطيني عبر الاعتقال.. جريمة ضد الإنسانية"

منذر خلف.jpg

مركز حنظلة_فلسطين المحتلة

يُعتقل الفلسطيني بشكلٍ عام وثابت ودوري بما يمنح ما يُسمى جهاز المخابرات الصهيوني "الشاباك"، السلطة الكاملة على حياة الفلسطيني مما ينطبق عليه مفهوم "السلطة الحيوية"، والتي من خلالها يتحكم صاحب الُسلطة، وهنا جهاز "الشاباك" بحياة الإنسان وشكل معيشته، وكيف يعيش، وحتى يتحكم بظروفه وآلية موته، والتي تتمظهر من خلال الاعدامات الميدانية، الاغتيالات، القتل والتعذيب، والإهمال الطبي. كما يتم التحكم بالحياة البيولوجية للإنسان في فلسطين.

ويضاف لذلك تقييد الحريات الأساسية العامة والمنصوص على قدسيتها في كل المواثيق والمعاهدات الدولية والأممية والإنسانية، مما يُعتبر انتهاكاً صارخاً لحقوق الإنسان الفرد والعائلة والجماعات، ويؤشر على ثقافاتها وطريقة عيشها وأسلوبه، وهو ما يُعتبر جريمة تطهير حسب تعريفات الأمم المتحدة لجريمة التطهير العرقي المُمارس ضد البشرية.

وبهذا فإن عمليات الاعتقال العشوائية لآلاف الفلسطينيين سوياً، وخاصة الاعتقال الإداري والذي مضمونه الصهيوني يعني التحكم في الإنسان، ويذهب لاعتباره أداة ضبط اجتماعي وسياسي لإدارة حياة السكان تحت الاحتلال بما يلغي أية حقوق أساسية تتعارض مع قرارات الاعتقال ضد الإنسان في فلسطين كحرية الحركة والتنقل والسفر والإقامة والعلاج والعبادة، وحرية الرأي وحرية العمل، وأيضاً حركة السوق. وهو ما يعني أن هذا المفهوم "الاعتقال"، وتحديداً الاعتقال الإداري يتضمن عملية هندسة للزمان والمكان الفلسطيني، والذي يعني إخضاعه لذهنية الأسير الدائم. أي التحكم والسيطرة والإخضاع، لنلاحظ مثلاً أن عدد المعتقلين الإداريين حالياً يتجاوز 900 أسيراً إدارياً بلا تهمة أو محاكمة، وأن الخاضعين لهذا النوع من الاعتقال، قد تكررت فترات اعتقالهم لسنوات، يضاف إلى ذلك أن دولة الاحتلال لديها "رقم هدف"، بما يعنيه ذلك ضرورة أن يكون عدد الأسرى الفلسطينيين وبأي وقت يتراوح ما بين 3000-6000 أسير، بغض النظر عن الوقائع على الأرض، ولم يُستثنى من هذا "رقم الهدف" إلا في بداية مرحلة اتفاق أوسلو، انخفض العدد بشكلٍ كبير، واستلزم الأمر فقط عام أو عامين حتى عادت قوات الاحتلال وقرارات "الشاباك" للوصول "للرقم الهدف"، كما أن مصلحة السجون ذاتها والبنية الاستعمارية تتعامل مع الأسرى ضمن قوانين إدارية ومحاسبية وأصول التخزين وعمل المخازن، وليس ضمن شروط التعامل مع الإنسان. وضمن ما يشمل ذلك التعامل معهم كبضاعة لحين الحاجة، وتحت الطلب، ومع السجون كمخازن.

فحالياً يوجد قرار من محكمة الاحتلال العليا منذ العام 2017، بتحسين شروط حياة الأسير، وتحديداً ما يتعلق بقانون المساحة التي يمكن أن تتوفر للأسير، هي اليوم أقل من 3 متر مربع لكل أسير في حين كان الهدف من قانون المحكمة أن تتسع إلى ما يتروح 3.5 - 4.2 متر مربع لكل أسير، وهي من أدنى المعايير الدولية، إلا إذا ما قارنا السجون الصهيونية، بسوء سمعة سجون بعض الأنظمة القهرية والقمعية والديكتاتورية، وهذا يحتاج لتأكيده أو نفيه لجان تحقيق محايدة نأمل من دولة الاحتلال أن تتكرم وتسمح لهذه اللجان بزيارة السجون والاطلاع على أوضاعها لنفي هذه المزاعم.

وقد أبلغت سلطات السجون بنيتها تطبيق قانون المساحة الخاص بالمحاكم الصهيونية، وتراجعت عنه لأن عقلية "المخزنجي" تسود على عقلية إدارة الأفراد أو الإنسان، مما يُحوّل الإنسان الفلسطيني بشكلٍ عام لبضاعة يتم تداولها، وتخزينها، والتحكم بشروط حياتها، وظروفها، بل وبحياتها ذاتها من خلال الشروط الصحية القاسية للسجون وسياسات الاهمال الطبي، والتي لم يكن آخرها أحمد أبو علي وناصر أبو حميد بل أن هذه الأسماء لبشرٍ، تم تحويلهم لبضاعة ستتبدل بمعدل ثابت، أي أن الموت والتحكم بالحياة بمفهوم السلطة البيولوجية أو الحيوية، هي التي تتحكم بحياة الإنسان الفلسطيني في عالم السجون الصهيونية.

وفي دراسات داخلية أعُدت لأغراض البحث أو التأصيل العلمي (للمزاعم!) ظهر أن الأسر الفلسطينية، تعاني من ذات المشكلات الإنسانية، والاجتماعية المتعلقة بغياب أحد الأبوين أو كلاهما، وأن عدد أفراد الأسرة يتم التحكم به، وخاصةً لدى فئة الأسرى الإداريين،* ضمن مدة واتساع نطاق الاعتقال لأحد الأبوين، أي أن عدد السكان الفلسطينيين، ومنهم الأسرة يتم التحكم به عبر جهاز "الشاباك"، في حين أن المستوى الاقتصادي، وحجم الدخل يتناسب عكسياً مع حجم الاعتقال، ومدته، وعدد السنوات في الأسر. وهذا لا ينعكس على الأسرة فقط بل على المجتمع بشكلٍ عام، فمع دمج "الرقم الهدف" 3000-6000 أسير بشكلٍ دائم ولمدد تتراوح من عامٍ إلى 40 عام مثلاً، نلاحظ أن المتوسط الاعتقالي متحرك ( بالفئة التي أمضت 1-5 سنوات) تعتبر بمئات آلاف فلسطيني أي أن الخسائر للشعب والمجتمع الفلسطيني هي *بمقدار تغييب مئات آلاف الأيدي العاملة والمنتجة لمدة تتراوح من عام إلى 5 أعوام، في حين أن الذين أمضوا 5 سنوات إلى عشر سنوات رقم يتراوح بعشرات الآلاف، وهو أيضاً تغييب الأيدي العاملة والمنتجة بعشرات آلاف السنوات، في حين أن الذين أمضوا عشر سنوات فأكثر يتراوح بمعدل 20 ألفاً. وهو ما يعني أيضاً تراكم قرون من السنوات المهدورة (إذا ما تعاطينا مع الأرقام بأنها تقريبية، أي منها نسبة خطأ عالية)، لن يغير هذا الأمر في أن جريمة الاعتقال تخفي ورائها تعطيل لامكانيات العمل والتطور الاقتصادي، وبناء السوق الفلسطيني بمعدل واضح لعشرات القرون من ساعات العمل المهدورة"، ناهيك أيضاً عن التحكم في طبيعة انتظام المجتمع وتطوره المؤسسي، والتأثير على المفهوم العام للجماعة، والحيز الخاص والعام...الخ، بما يشمل التأثير على الخيارات السياسية والاجتماعية. 

وعلى ذلك فإن جريمة الاعتقال والاعتقال الإداري تستهدف أساساً قمع حريات وتطور المجتمع والإنسان الفلسطيني بإبقائه خاضع وتحت السيطرة، وعلى ذلك فإن إدارة الاعتقال التي يتحكم بها الاحتلال بالفلسطيني إلى جانب أداة القتل والتدمير الممنهج والأدوات الأخرى هي جرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية.

وأخيراً، يوسع  الاحتلال من مفهوم إدارة حياة الفلسطيني ليشمل ليس فقط اعتقاله، بل ضمان وجوده معتقلاً من خلال التأسيس لحيز "سجن أو معتقل يشمل الزمان والمكان الفلسطيني ليشمل أفراد الفلسطيني كافة" فغزة هي سجن كبير، والإجراءات المحيطة به لا تذكر بذلك فقط، بل تؤكده، وخاصةً الجدار الذي بُنى مؤخراً من حولها، وكذلك الضفة الغربية تعاني من جدار الفصل العنصري منذ 2003 إضافةً لعشرات الحواجز والبوابات والطرق الالتفافية، وأوامر منع الحركة ومنع التجول، والتواجد العسكري..الخ، لتتسع الجريمة وتمتد تحت أعين العالم.

والصرخة التي علينا أن نطلقها للعالم، وخاصةً للمحاكم والمؤسسات القانونية "انقذوا الشعب الفلسطيني من سجنه.. وانقذوا السجان من نفسه". 

ملاحظة/ عدد الأسرى الفلسطينيين منذ العام 1967 وصل إلى مليون حالة اعتقال حسب وزارة الأسرى).

بقلم عضو اللجنة المركزية العامة للجبهة الشعبية، مسؤول الإعلام في فرع السجون، مدير مركز حنظلة للأسرى والمحررين