بقلم الأسير: منذر خلف مفلح

مقال بعنوان: "وزير الخارجية الأمريكي والعرض الجديد"

klhEM.jpg

مركز حنلظلة_فلسطين المحتلة

التقى وزير الخارجية الأمريكي في زيارته الأخيرة للكيان رئيس حكومة الاحتلال، ورئيس المعارضة، وشخصيات متدينة، ورؤساء أحزاب، وممثلين للطائفة الأرثذوكسية الحريدية، والفلسطينيين، وجماعات أخرى.

وأشار إلى أن الديمقراطية والحريات وحقوق الإنسان هي ما يربط أمريكا بالكيان. وبهذا فقد أعاد التأكيد ومن داخل الكيان على الموقف الأمريكي داخل الكيان، وتحديده لخطوات تحدد العلاقة مع أمريكا ("السلام" وتوسيع دائرة التطبيع العربي، الحفاظ على الوضع الراهن للأماكن المقدسة، مشروع حل الدولتين، ورفض الإجراءات الأحادية الجانب، تهدئة الأوضاع الأمنية بمعنى الالتزام بالأولوية الأمريكية بجذب الانتباه فقط نحو أوكرانيا وخاصة فيما يتعلق بالعلاقات العربية الروسية الأخيرة بالتطور على حساب أمريكا، وهو أمر يمكن أن يتعمق مع التهور الصهيوني القادم فيما يخص فلسطين والمقدسات، إضافةً لتأكيده على ضرورة الإجماع الداخلي فيما يخص أية إصلاحات داخلية، بل التلميح لرفضها، ومقابلته العديد من أقطاب الصراع الداخلي في الكيان، مما يظهره وكأنه الوصي على الكيان)، والذي بدأت نذر تأكله وربما بدايات وإرهاصات تفككه تقلق الولايات المتحدة وغيرها من الدول الراعية له، وهو ما يدلل على حالة الإرباك التي يعاني منها الكيان أو المشروع الاستعماري الصهيوني كجزء من المشروع الأمريكي والاستعماري لفلسطين.

ما الذي يجعل من دولة الكيان قبلة للزيارات الأمريكية الرسمية (رئيس CIA، وزير الخارجية الأمريكي، المبعوث الأمريكي للشرق الأوسط ونائبه، يضاف لذلك ثلاث زيارات مشابهة لرئيس الموساد، ورئيس هيئة الأركان، ووزير الحرب).

هل اقترب ذبح إيران، على مذبح إعادة ترتيب الأوراق الأمريكية في المنطقة، فإيران ترفض الامتثال للسياسة الأمريكية، وترفض التنازل فيما يخص الاتفاق النووي، وتحترك مناصريها ضد الكيان وضد السعودية ودول الخليج، بل وتدعم روسيا في الحرب عبر إرسالها طائرات مُسيّرة ودعم روسيا، فهل ستحرك أمريكا جبهة الكيان ضد إيران؟

بكل الأحوال لا ترغب أمريكا بفتح معارك أخرى تشوش على الحرب الأوكرانية - الروسية، لا في فلسطين ولا في غيرها، ولكن ضرب إيران يؤَمنّ ضربًا لجبهة متقدمة داعمة لروسيا وسياساتها، ويُؤمّن الدعم للكيان (يتزامن ذلك مع أكبر مناورة مشتركة بين الجيش الصهيوني والأمريكي)، بالإضافة لإخضاعها فيما يتعلق بمفاوضات النووي، ويعتبر إعادة توجيه لآلة البطش الصهيوني التي يعتريها حالة انهيار داخل الكيان، وصعود قوى فاشية لا يهمها إلا توسيع الاحتلال والسيطرة التامة على الضفة الغربية وضمها.

فما العرض الجديد الذي قَدمتّه أمريكا "لنتنياهو"؟

لقد طالب "بلينكن نتنياهو" بتقليص التفاهمات الائتلافية لتهدئة الأوضاع داخل الكيان، وفي الضفة الغربية والقطاع، والحفاظ على الوضع الراهن في الأماكن المقدسة، وضبط المستوطنين، ودعم السلطة الفلسطينية، وهذه التفاهمات التي يطالب بها بلينكن هي سرية، وشبه سرية، وليست وثيقة احتفالية كصفقة قرن ترامب، مقابل تدخل أوسع أمريكي لتهدئة المعارضة في الداخل الصهيوني، والتعاون الأمريكي مع الكيان بأنشطة متوقعة سرية وشبه سرية أيضاً داخل إيران، بما لا يصل حد إعلان الحرب.

ما هي الكعكة التي يُعدها بلينكن لأجل تمرير هذه التفاهمات أو العرض الأمريكي؟

توسيع دائرة "السلام الإبراهيمي" لتشمل السعودية، وهي الكعكة الأساسية التي يرغب بها "نتنياهو"، باعتبارها قمة ما يُسمى السلام الإقليمي والتعاون الإقليمي، وتجاوز للقيادة الفلسطينية لصالح وجود العرب إلى جانب الكيان ضد إيران أيضاً، وهي تجسيد أيضاً لتقليص الصراع، أو السلام الاقتصادي وهي وجه آخر لصفقة القرن.

ولكن محمد بن سلمان الذي يرغب بالتطبيع وضع شروطًا صعبة، وبهذا يرغب "نتنياهو" بتقديم الهدوء في الأراضي الفلسطينية أو على الجبهة الفلسطينية عبر محاولة ترتيب الأوراق مع السلطة الفلسطينية، التي سمح بمنحها قيمة 50 مليون دولار أمريكي كمساعدات أمريكية إنسانية إضافية إلى الفلسطينيين، وفي ذات الوقت سمح لسموتيرتش باقتطاع 100 مليون شيكل من أموال المقاصة. بكل الأحوال "نتنياهو" له خطاب تجاه العالم وخطاب آخر تجاه الداخل. ولكن الأزمة الاقتصادية المفترضة نتيجة للأزمة الداخلية في الكيان يمكن تجاوزها عبر توسيع دائرة التعاون مع السعودية، وبهذا فإن رؤية "نتنياهو" المستجلبة من الرؤى السابقة "السلام الاقتصادي، السلام الإقليمي، تقليص الصراع" وهو هنا ما يُسمى تهدئة الأوضاع في المناطق من أجل إعطاء الحجة للسعودية للذهاب للاحتفال على شرفة البيت الأبيض، فقد سبقتها الإمارات التي أعلنت أن تطبيعها مع الكيان أوقف صفقة القرن! والسعودية بدورها بحاجة لقوة داعمة لها في وجه إيران، وبحاجة لتجاوز ملف فظائع الحرب في اليمن، وملف حقوق الإنسان، وقضية خاشقجي، وخاصة تجاه محمد بن سلمان واستقباله كملك في البيت البيض. المعني الأول بالمصالحة مع الحكومة الأمريكية التي لديها التصريح بصفقة الأسلحة الأضخم بين أمريكا والسعودية.

ولكن الكونجرس لن يسمح بذلك، فالأغلبية من الجمهوريين سترفض لأن هذه الصفقة ستعزز حظوظ الديمقراطيين، والديمقراطيين سيعارضون بسبب ملف حقوق الإنسان.

هنا يأتي الحل صهيونياً، حيث ستمارس دولة الكيان تأثيرها السحري لتمرير هذه الصفقة مقابل تحسين شروط الحياة في فلسطين، والضغط من أجل استقبال بن سلمان وتمرير صفقة السلاح، مقابل حصول الكيان على الكعكة التي ستحل العقدة الاقتصادية، فهل من جديد في هذه العروض؟

لا يوجد للفلسطينيين سوى عرض تحسين معيشي ورفع المستوى الاقتصادي مقابل الهدوء بمعنى (الأمن مقابل الطعام) بينما هي أساسًا كصفقة إعادة تعريف جديدة لصفقة القرن، وذريعة فلسطينية لتمرير عملية التطبيع مع السعودية، وتخفيض للاحتقان داخل الكيان، وزيادة للضغط على الجانبين الروسي والإيراني، وإعادة ترتيب للأوراق الأمريكية. من هنا تنكشف حقيقة العرض الأمريكي وحقيقة الزيارات المتلاحقة.

فما هو مضمون العرض الأمريكي؟ إعادة صفقة القرن الأمريكية كتتويج لسياسة تقليص الصراع الصهيونية Shrinking the Conflict

 ماذا كانت تعني صفقة القرن الأمريكية؟ ”American - Deal of the Century”

 في فحواها مقايضة الحقوق الأساسية للشعب الفلسطيني، كالعودة إلى الأراضي التي هجُروا منها في العام 1948، والتنازل عن الأراضي في جانبي الخط الأخضر لصالح دولة الاحتلال والاستيطان، وتوطين اللاجئين، وتقزيم مفهوم الدولة الفلسطينية، وحق تقرير المصير، والتنازل عن الاستقلال التام مقابل حصول الصهاينة على الأرض وتوسيع الاستيطان، والسيطرة على الأمن بشكلٍ كامل والتطبيع مع الدول العربية والمحيط الإقليمي مقابل المال.

هنا تعتبر صفقة القرن تتويج لمفهوم السلام الاقتصادي بمعنى رفع مستوى معيشة الفلسطينيين في الأراضي المحتلة وفي الدول المحيطة عبر التوطين وتحسين المعيشة، مقابل نسيان السبب الرئيسي للصراع، الاحتلال وإقامة دولة الكيان، والتعاطي معها في إطار صفقة فحواها اقتصادي بحت. كانت هذه فكرة ديان، وإيغال ألون إبان احتلال العام 1967.

فقد كان الأمنيون والمفكرون العسكريون في دولة الكيان مدركون لمأزق التوسع والسيطرة على عددٍ أكبر من الفلسطينيين الذين لم يختفوا، بالفعل القسري "التهجير"، والطرد، والقتل والمجازر، ولا بالفعل الإرادي بالهجرة أو ما أطلق عليه موشيه شاريت التهجير الهادئ SOFT Transfer، ولا بفعل الزمن بحيث يمكن تجاوز قضيتهم.

ولأن الصهاينة على قناعةٍ بأن فلسطين والفلسطينيون على أرضهم هم لُب الصراع الذي عليهم معالجته دون الاضطرار للتنازل عن الأرض، وخاصةً بعد اتساع الاستيطان وتمكن الفكر الاستيطان، أكان لهؤلاء الذين أسسوا الدولة على أساس (اشتراكي) تحت ضغط نشوة الانتصار والتوسع، أولئك الذين اعتبروا (استيطان أرتس اسرائيل) كمفهوم ومهمة دينية لدى قوى اليمين الجديد، نشأت وتبلورت لدى الجانب الأكثر فاعلية على الأرض الاحتلال مجموعة حلول كانت لدى ديان السيطرة على الفلسطينيين وإخفاء مظاهر الاحتلال الجاف عبر السيطرة الخارجية والتحكم بهم حتى لا يحدث أسس فصل جامد، وبهذا تطورت لديهم فكرة الإدارة المدنية، وتوسيع مهام الحكم المحلي بما يُسمى روابط القرى لاحقاً أو التقاسم الوظيفي، الأمن للاحتلال  والمسائل المعيشية للفلسطينيين، وقد تبلور هذا الاتجاه بين مؤتمر جنيف 1978 الذي جاء بفكرة الحكم الذاتي والتعاون الإقليمي مع الدول العربية المحيطة وخاصةً مصر.

ومعنى "تقليص الصراع"، أن يتم فصل الاشتباك ما بين قوة الاحتلال والشعب الفلسطيني للحد الأدنى، وإدارة حياتهم من خلال وكلاء وعلى ذلك حاولت دولة الكيان تمرير هذا الأمر من خلال السماح بانتخابات البلديات عام 1972، والتي انتهت بسيطرة شخصيات محسوبة على م.ت.ف عليها العام 1976 عبر الجبهة الوطنية، ثم مشروع روابط القرى، وصولًا لتطوره عبر مفهوم السلطة الذاتية الذي جاء به أوسلو، كتطوير للفكرة الأساس.

ثم تطور بعد انفجار الأوضاع وفشل إمكانية السيطرة على الشعب الفلسطيني، بدءًا من انتفاضة الأقصى وصولًا لانقسام 2007، الذي أفشل "وهنا لا أسمح لنفسي بإظهار محاسن الانقسام" أفشل المراهنة على إيجاد قيادة قادرة على السيطرة على الفلسطينيين وإخضاعهم عبر سلطة ذاتية لقبول الاحتلال، وللأسف اليوم يتم التعامل معهم بسلطتين لتحويلهما لحكم محلي مرة أخرى.

والفكرة الثانية إيغال الون كانت تقوم على الفصل بين الشعبين، وهو ما تبلور عبر جدار الفصل العنصري على غزة والضفة والطرق الالتفافية، وإيجاد حكمين إلى الحد الذي يُطلق عليه اليوم الفصل العنصري أو نظام الابارتهايد الصهيوني.

بكل الأحوال اجتمعت نتائج المشروعين على الأرض لتؤسس للوقائع على الأرض، وهو ما أطُلق عليه شارون السلام الاقتصادي ولاحقًا تبناه نتنياهو وليبرمان ثم تطور لمفهوم تقليص الصراع. بتوسيع الفصل بين "الشعبين" إذا صح القول، وهو ما تطور لصفقة القرن، وهو المبرر الحالي لما يُطلق عليه "السلام الابراهيمي" بمعنى تسليم زمام الأمور للشعب الفلسطيني للدول العربية، وتجاوز الشعب الفلسطيني نفسه بعدم وجود قيادة ناضجة، ونتيجة لانقسامهم وضعف أو غياب ممثلهم السياسي، الذي تمثله من الناحية الفلسطينية م.ت.ف.

وللأسف يرفض أحد أطراف الانقسام اعتباره حتى اللحظة ممثلًا للكل الفلسطيني، في حين يحطم الطرف الآخر للانقسام صلاحيات والقوة التمثيلية بهذه المنظمة مما يجعل إمكانية إبراز قوى إقليمية تعالج مسألة الصراع مع الفلسطينيين دون الفلسطينيين أنفسهم، كما تحاول دولة الامارات أن تفعل حاليًا عبر تدخلها في القضية الفلسطينية.

والآن في الوقت الراهن بعد التطورات الأخيرة، ما الذي تحمله الإدارة الأمريكية عبر زيارة بلينكن سوى إعادة تدوير الصفقات والعروض السابقة.

بقلم عضو اللجنة المركزية العامة للجبهة الشعبية، مسؤول الإعلام في فرع السجون، مدير مركز حنظلة للأسرى والمحررين