بقلم: عبد الناصر فروانة

مقال بعنوان: "الشتاء يفاقم معاناة أسرى فلسطين"

عبد الناصر فروانة.jpg

مركز حنظلة_فلسطين المحتلة

لا أظن أن أحدًا من المحررين قد عاش مثل هذه الأجواء الشتوية في سجون الاحتلال ويمكنه أن ينسى تلك الأيام والليالي الباردة.

 فيا أيها الشتاء: فلتغادر رفقًا بهم ويا برد كانون وشباط وآذار ارحم ضعفهم وقلة حيلتهم، فما عاد بمقدور أجساد هؤلاء تحمل مزيد من الألم والوجع.

شتاء عدو لهم، وأمطار غزيرة تُغرق بعضهم ورياح عاصفة تؤرقهم، وبرد قارس يُؤذي جميعهم وينخر عظامهم، وأمراض تؤلم الشاب والكهل وتوجع الشيخ والهرم، وعواصف شديدة ومنخفضات جوية متفرقة تفاقم مأساتهم، وتزيد أوضاعهم الصحية بؤسًا وتعقيدًا.

في ظل تصاعد الإجراءات القمعية والاستفزازية منذ أن تولى "ابن غفير" وزارة الأمن، نعم، هذا حالهم، وتلك أوضاعهم. ما داموا خاضعين للحجز وحيثما كان مكان الاحتجاز، في شمال البلاد وأواسطها، أو في جنوبها وسط صحراء النقب.

ففي الشتاء؛ ظروف احتجاز هي الأسوأ، ونقص في الأغطية والملابس الشتوية، وفقدان وسائل التدفئة، في ظل تردي النظام الغذائي، وأمراض كثيرة تظهر، دون أن تجد ما يمنعها من الاستفحال في الجسد أو الانتشار بين المجموع، في ظل تدني الخدمات الطبية واستمرار الاهمال الطبي.

فيزداد ألمهم ألما، وتزداد معاناتهم معاناة، خاصة في مراكز التوقيف وأقسام التحقيق. فتتحول الأمراض البسيطة والعرضية إلى مزمنة ومستعصية يصعب علاجها لاحقا. فيما تتفاقم المعاناة لدى الأسرى المرضى وكبار السن أضعاف المرات.

لم تكتفِ إدارة السجون بذلك، بل تتعمد أحياناً للجوء الى اتخاذ إجراءات وخطوات استفزازية، واقتحامات واعتداءات متعمدة، وتفتيشات متكررة بذريعة (الأمن) للتضييق على الأسرى والتنغيص عليهم، وإلحاق الأذى الجسدي والنفسي والمعنوي المتعمد بهم.

بعكس ما يتوجب عليها فعله وفقًا لما تنص عليه كافة المواثيق والأعراف الدولية ذات العلاقة بالأسرى والمعتقلين والتي تُلزم الدولة الحاجزة بتوفير كل ما يلزم لعلاجهم وحمايتهم من خطر الموت أو الإصابة بالأمراض، وخاصة المادة (13) من اتفاقية جنيف الثالثة، و(91-85) من اتفاقية جنيف الرابعة.

لم يقتصر الأمر على ذلك، وإنما تتفنن إدارة السجون في تقديم الذرائع لمنع أو وضع العراقيل أمام إدخال ما ينقصهم عن طريق الأهل أو المؤسسات المختصة، فيما تلجأ أحيانًا إلى توفير جزء من الملابس والأغطية الشتوية في مقصف السجن، بجودة أقل وأسعار باهظة، فيضطر الأسرى إلى شرائها، الأمر الذي يشكل عبئا اقتصاديًا لعوائلهم واستنزافا لأموالهم.

وتتعرض البلاد هذه الأيام إلى منخفض جوي شديد أدى إلى هطول أمطار غزيرة، وثلوج في مناطق عديدة، وانخفاض كبير في دراجات الحرارة لتصل إلى أدنى من معدلاتها ببضع درجات لتصبح الأجواء باردة جدًا، مما يُفاقم معاناة الكثيرين.

فهناك من هم غير قادرين على اقتناء ما يحميهم من برد الشتاء وصقيع المنخفض الجوي، وليس باستطاعتهم توفير العلاج اللازم لما يُصيبهم من الأمراض وما أكثرها هذه الأيام، بسبب فقرهم وسوء ظروفهم وضعف إمكانياتهم، أو لعدم مقدرتهم على توفيرها بفعل من يُسجنهم ويتعمد إيذائهم، كما هو حال أسرانا ومعتقلينا في سجون الاحتلال "الإسرائيلي".

شتاء بارد وأمطار غزيرة ومنخفض جوي شديد وظروف قاسية ومعاملة لا إنسانية واجراءات قمعية مع استمرار احتجاز قرابة (4700) أسير/ة في سجون الاحتلال، بينهم نساء وأطفال ومرضى وكبار السن، مما يفاقم معاناتهم ويؤذي اوضاعهم الصحية ويرفع اعداد المرضى جراء تأثيرات الشتاء والمنخفض الجوي، لذا فإن المسؤولية تزداد بزيادة المخاطر وتتطلب جهدًا كبيرًا وضغطًا مؤثرًا من أجل ضمان توفير الحد الأدنى من الحماية الإنسانية والقانونية للأسرى والمعتقلين الفلسطينيين في سجون الاحتلال "الإسرائيلي".

عن المؤلف: عبد الناصر فروانة: أسير محرر ومختص بشؤون الأسرى والمحررين، وعضو المجلس الوطني الفلسطيني، ورئيس وحدة الدراسات والتوثيق في هيئة شؤون الأسرى والمحررين، وعضو لجنة إدارة هيئة الأسرى في قطاع غزة، وله موقع شخصي مختص بشؤون الأسرى: فلسطين خلف القضبان