بقلم الأسير: منذر خلف مفلح 

مقال بعنوان: "سلوك الناخب الصهيوني، والأمن"

منذر مفلح.jpg

مركز حنظلة_فلسطين المحتلة

بقلم الأسير: منذر خلف مفلح 

لعل من المُفيد مع بداية هذا المقال، الإشارة إلى أن المحُدد الأمني بقي ولردحٍ من الزمن، العامل الأساسي في تحديد سلوك الناخب الصهيوني، ولعل هذا ما جعل نتنياهو يستجلب الخطر الأمني والفلسطيني، واللبناني " حزب الله"، في دعايته الانتخابية، وهو ما جعله يستخدم (اتفاق كاريش) بين لبنان – والكيان، باعتباره خضوعاً من قبل لبيد لتهديدات حزب الله بهذا الشأن، رغم إدراكه أن "الاتفاق مصلحة صهيونية خالصة"، إلى جانب كونه مصلحة لبنانية للدولة، بمعنى أن الاتفاق إلى جانب العديد من "المزايا التي يُحققها الكيان"، يحقق مسألة "تحييد أو تكبيل أنشطة وفعاليات حزب الله ضده"، بل أن "بنداً من الاتفاق يتحدث عن تدخل أمريكي – عربي، أمام محاولات حزب الله لإفساد الاتفاق"، ويمكن العودة لمقال سابق بعنوان (لبنان، والكيان الصهيوني واتفاق الغاز...).

إلا أن ما يهمنا في هذه المقالة هو دراسة سلوك الناخب الصهيوني، ومدى تأثره بعاملين أمنيين، يعتبران شديدا الحساسية تجاه المجتمع الصهيوني.

"الهبة العسكرية في فلسطين"، وأتمنى أن يستخدم كافة الكتّاب في قراءاتهم ومقالاتهم، فلسطين كعنوان، وليس استخدام مصطلحات الإعلام الصهيوني التي تسعى لتجزئة الأرض والوعي للفلسطينيين، وتسوق بأن "العمليات المسلحة هي في جنين، أو نابلس أو شمال الضفة، أو في الضفة"، كل هذه التجزئات لها هدف خبيث؛ فالمعركة تمتد على أرض فلسطين... وهي ضد المشروع الصهيوني على أرض فلسطين، أينما وقع فعل مقاوم.

بطبيعة الحال كانت لتؤّمن مثل هكذا حالة أمنية متوترة، فرصة لليمين ولنتنياهو لتحميل مسؤولية انعدام الأمن للحكومة الحالية، والتي شهدت عمليات نوعية جريئة من الكل الفلسطيني (غزة، "تل ابيب"، الخضيرة، كفر قاسم، الضفة، القدس) طالت المجتمع الصهيوني بأكمله خاصة العسكريين، إلا أن هذه التطورات الأمنية لم تحدث فرقاً.

والعامل الثاني هو اتفاق الغاز بين الكيان ولبنان، والذي يحاول نتنياهو واليمين عموماً تفسيره باعتباره خضوعاً من قبل حكومة لبيد/ واليسار لتهديدات حزب الله بهذا الشأن.

من الملاحظ والمتابع أن الناخب الصهيوني لم يتأثر بهذه العوامل، ولم يتغير مقياس الانتخابات على وقع هذين التطورين، بما يشي من أن أولوية الناخب الصهيوني قد تَبدلّت لصالح الشأن المعيشي والحياتي تحت ضربات الكورونا، والأزمات الاقتصادية، وغلاء المعيشة، وارتفاع مستوى الأسعار والتضخم، وهو ما يعني أنه رغم التدهور الأمني، إلا أن اتفاقاً يُؤّمن الغاز، ويُحسّن من مستوى المعيشة يصر على توقيعه رئيس وزراء في دولة الكيان قبل أقل من شهرين على انعقادها في ظل ظرف داخلي شديد التعقيد امتاز بأربعة دورات انتخابية متتالية، لهو "مصلحة عليا صهيونية أولاً، ومصلحة انتخابية لرئيس الوزراء الحالي".

فقد طالعتنا استطلاعات الرأي في ذات اليوم الذي أُعلن فيه عن الاتفاق 11/10، في محطة (كان11) العبرية، وأفادت أن لا تغيير يُذكر على معسكري الانتخابات الرئيسيين في الكيان، كما أوضحت أن 35% من الشارع الصهيوني يؤيد موقف نتنياهو تجاه اتفاق الغاز، وهي نسبة بمعظمها أيديولوجية، وذات النسبة تؤيد لبيد تقريباً 34%، وهي نسبة ليست أيديولوجية، لأن أحزاب المركز غالباً بلا أيديلوجيا، ويُمثل لبيد خليط من التحالفات ما بين يمين مركز ويسار مركز.

وفي جانب آخر أفاد استطلاع الرأي إلى أن حزب الليكود الذي يقف على هرم اليمين سيحصل لو حدثت الانتخابات في ذات اليوم على 32 مقعداً، بمقعد أقل لصالح حزب يميني أكثر تطرفاً، وهو ما يظهر أن الانزياح سيحدث داخل اليمين، في حين حصلت كتلة لبيد على 24 مقعداً ولم تتأثر بكون زعيمها الذي يترأس الحكومة سيوقع على اتفاق الغاز الذي يعتبره اليمين خضوعاً لحزب الله.

في حين أن اتجاه الرأي العام في الكيان ووسائل الإعلام تُعبّر عن ارتياحها للاتفاق، وأن معظم كُتّاب المقالات والرأي المُعارض والمؤُيد للاتفاق يؤكدون أن هذا الاتفاق هو "مصلحة أمنية واستراتيجية" مدعومة وجهة النظر هذه برأي رؤساء الأجهزة الأمنية، والمحللين العسكريين.

لم يحدث أن أبدى السلوك الانتخابي الصهيوني هذا الاستقرار النسبي في النسب والمعطيات في ظل أزمة أمنية في الكيان، فقد تم استطلاع الرأي اثر عمليات متصاعدة قُتل فيها وجُرح عدداً من الجنود الصهاينة، فهل لا زال العامل الأمني هو المحدد الأكثر تأثيراً لسلوك الناخب الصهيوني؟.

لقد كان "التطبيل والتزمير" الصهيوني للأخطار الأمنية، والتصعيد العسكري تجاه الخطر النووي الإيراني مثلاً، أو التهديدات الفلسطينية، أو الظرف الأمني في الشمال وغيرها، بل الخروج في حملات عسكرية أو حروب، هو ديدن واتجاه وسلوك الحكومات الصهيونية، بينما تُصر هذه الحكومة على اعتبار انجاز اتفاق حقل كاريش "منُجزاً استراتيجياً له علاقة بحسابات الربح والخسارة"، فقد أشار لبيد رئيس الحكومة الصهيوني إلى أن أهم "منجزات الاتفاق هو الاحتفاظ بنسبة 100% من حقل كاريش ومدخولاته المالية"، مضيفاً إلى أنه قد "حصّل أيضاً تعويضاً مالياً مقابل استخراج لبنان الغاز من حقل قانا"، وهو ما تشير التسريبات الإعلامية إلى نسبة 17% من مستخرجات حقل كاريش، ذلك هو "الإنجاز التاريخي" الذي سيذهب به لبيد للناخب الصهيوني بعد أقل من شهرين. 

بقلم عضو اللجنة المركزية العامة للجبهة الشعبية، مسؤول الإعلام في فرع السجون، مدير مركز حنظلة للأسرى والمحررين.