إلى المشاركين في اعتصام الدهيشة

رسالة من المعتقل الإداري المضرب عن الطعام زواهرة

غسان زواهرة.jpg

مركز حنظلة_فلسطين المحتلة

في الاعتصام المسائي اليومي الذي تنظمه القوى والفعاليات والمؤسسات الوطنية، في مخيم الدهيشة، لليوم الثالث عشر على التوالي، وبحضور جماهيري حاشد، استمع المشاركون في الاعتصام الى رسالة وصوت المعتقل الإداري المضرب عن الطعام الرفيق غسان زواهرة، كما وألقيت العديد من الكلمات التي اكدت على ان الأسرى المضربين والمرضى يمثلون إرادة الشعب الفلسطيني المقاوم للاحتلال، وان شعبنا في طول الوطن وعرضه يقف إلى جانبهم، ويدعم صمودهم ونضالهم وتضحياتهم، في معركة الحرية والكرامة.

وجاء في رسالة الرفيق زواهرة، نخصها لما تحمل من معاني ومشاعر إنسانية، وتصميم على إرادة الحياة ومقاومة الظلم وجرائم الاحتلال:

"ليس الحزن ما يجعلك استثنائياً، بل دفاعك الرائع عن معنى الحياة، فهو يعني ان يتحول الحزن كمخزونٍ من الغضب والثورة، تتحول الى فعلٍ من التحدي والإصرار والمواجهة والفعل الثوري الحقيقي… فالثوار يصنعون تاريخهم بأيديهم دون الحاجة لاستخدام السلاح باعتباره سلاح العدالة، فحتى الأنبياء جميعاً ينتصرون، حين يكونوا مسلحين، ويخجلون حين يسقط السلاح من أيديهم".

وقال "إنهم هؤلاء الأبطال والشجعان ال "29"، الذين يحاربون الموت البطيء ويتحدونه بالحياة الوافرة السعيدة، أولئك الفرسان الذين يقدمون حياتهم طوعاً في سبيل قضيةٍ عادلة تحت مطلبٍ واحد، وهو كسر سياسة الاعتقال الإداري وانهائها للأبد …  هؤلاء الثوار الذين يتحلون بعقيدة المواجهة والمجابهة والمقاومة حلاً وحيداً وجذرياً، من اجل الخلاص من الاحتلال، وزواله عن أرضنا وشعبنا".
 

اسمع صوت الألم الذي يخرج من عظامهم

وأضاف: "في أيام الإضرابات السابقة تمر الاسماء والصور في مخيلتي، أرى رفاقي المضربين، واستذكر قصة كل واحد منهم، أرى كل التفاصيل التي لا يراها الآخرين ، أرى أوجاعهم وآلامهم ومعاناتهم، أرى أجسادهم وهي تفقد من وزنها يومياً، وتلك الاوجاع التي لا يمكن ردها سوى بالإرادة، أوجاع أجسادهم التي لا ترحم ، الصداع ، والهزال العام، وحتى صوت الألم الذي يخرج من عظامهم، الذي أكاد أسمعه، وأنا على هذا البُعد المكّاني منهم، أرى كل تلك التفاصيل في أوجاعهم وآلامهم، ولكنها صورةٌ عابرة، لا تلبثُ ان تذهب، ويحتل مكانها صورةٌ أخرى، صورة المناضل والثائر المقاوم".

 "صورة الارادة والصمود والتحدي، الذي لا يصدأ، فهؤلاء الرجال يرفضون ان يكونوا السائرين في التيار، بل يشكّلون ويصنعون التيار بأنفسهم، أراهم واقول لكم جميعاً، ان وجعهم الحقيقي ليس بالإضراب عن الطعام، ولا بكل آلامهم وأوجاعهم وضمور أجسادهم، في هذه المعركة التي يخوضونها، بل إني اراهم سعداء أكثر من اي وقت مضى، لأنهم يرفعون صوتهم عالياً".

"يقاومون المصير الذي يرفضونه، ويحاول الاحتلال رسمه لهم، هم الآن في قمة عنفوانهم لأنهم تحرروا من قيدهم وتمردوا على واقعهم، فهذه اللغة الوحيدة التي يعرفونها ويفهمها الاحتلال سبيلاً للانتصار عليه، لا ابالغ حين اقول انهم في قمة سعادتهم فألمهم الحقيقي لا يكمن هنا... إنما يكمن في تفصيلٍ من تفاصيل حياتهم، التي أراها واعيشها معهم، فالمعاناة والأمل الحقيقيين يكمنان في كل التفاصيل".

وتابعت الرسالة: "إنو الواحد يقضي عمره بدون مستقبل، لا شغل ولا حياة اجتماعية، ولا أُفُق لأي اشي يفكر انو يعملو ، لما بتطلع من السجن، وتبدأ معاناتك وتبلش حالة القلق والتوتر بفصل جديد من فصول السجن، السجن الحقيقي معناه الشامل والكامل، لكل تفاصيل حياتك، السجن وانت مش مسجون فعلياً، السجن لما حدا منهم ما بعرف ينام في الليل، وكل العيلة بستنوا كلهم الجيش يقتحموا الدار، وفي كل ليلة، يعني كل ليلة، بكون فيها خارج السجن، زوجتك قلقانة لانو كل حركة برا الدار بتعني انك مستهدف".
 

حياة في محطة الانتظار!

وعلى سيرة الانتظار في حياة كل واحد من الرفاق هي عبارة عن انتظار.. انتظار وقت الافراج، انتظار التمديد، ولما يروّح انتظار للاعتقال الجديد، وهذا الانتظار بشمل كل العيلة والمحيط، انتظار ورا انتظار.

السجن انو زوجة كل واحد فيهم، الجندي المجهول الي بقوم في كل الأدوار، الام، الاب، الزوجة، انو تنسى حالها وتناضل وتتعب بكل مجال من مجالات الحياة …والسجن انك ما تقدر تخفف عنها كل هذا العبء، وما تقدر تعطيها كل حقها حتى لو على صعيد انك تدرجها كمنضالة حقيقية.. أمك أبوك اخوتك اخوتك اللي ممكن يسهروا طول الليل، ويعيشوا جو الاعتقال، في كل الليالي اللي بتكون فيها برا السجن...

 واطفالك اللي ما بتعرف عنهم اشي! اي صف! شو بحبوا او بكرهوا؟ تصرفاتهم سلوكهم احتياجهم او كل اللي ممكن يشعروا او يحسو فيه ! ولادك لما يكون الأب بالنسبة الهم صورة على الحيط وخبر من الأخبار، على السمع يعني فقط.

بجوز حد فيهم يكون متجوز من سنة، أو عشرة وعشرين، حتى الزواج بكون على الورق فش علاقة وفش تفاهم، ولا معرفة حتى يعني بتقدر تعتبر حالك حاضر في الغياب.

في السجن لما كل حركة محسوبة عليك ولازم تحسبها، لما كل وقفة مع حد في الشارع مغامرة ، ولما بدك مجرد تطلع من محل لمحل مشروع طويل وشاق ، لما تكون خاطب وتسجل رقم قياسي في الخطبة اللي ممكن تقعد سنين لأنك ما بتلحق حتى تحدد موعد للزواج ، لما تكون خايف تأسيس أي مشروع في حياتك... بلاش ما يكمل، ولا تخطط لأي اشي... بلاش يخرب، لما تكون متردد في كل اشي بحياتك، في السجن لما تكون تدرس في الجامعة، وتدخل موسوعة جينيس  في فترة دراستك، والشيء اللي بضحك، ما تكون حاضر حتى لما تتخرج ويسلمو شهادتك لامك او لابنك، بتعرف شو بكون شعورك ! يكون الشئ الك، وانت غريب عنو يعني شعور" الحياد"، لما تكون تخرجت بعد عناء طويل وبدك تشتغل بشهادتك، بس اكيد ما رح تقدر، ولا مره بحياتك، إنك رح تمارس دورك وشغلك بالمجتمع، وتبدأ اسئلتك مين رح يخاطر ويشغلني؟  وكيف اموري رح تمشي؟ وسيل من الأسئلة الجارحة.
 

قانون الغياب.. والاستثناء الحضور!

صحيح وعلى سيرة الحضور والغياب انو يكون حضورك مؤقت ومحدود، الا ان القانون هو غيابك

 غيابك عن دارك وعن اهلك وعن محيطك الاجتماعي وعلاقتك بكل اللي حوليك، غيابك عن كل شيء وكل مناسبة وكل حدث، عن وضع ابوك ولا امك واخوك واختك او ابنك، او اي قريب  رح تشوفه لأخر مرة، اتخيلوا حد حاضر بالاسم وغايب فعلياً ، فعليا عن كل محيطه واسرته...بتحس انك غريب.

غيابك عن إنك تكون واقف في كل حدث في بيتك، مع عيلتك في الافراح والاتراح، غيابك عن كل حدث كأنك غريب، غريب عنه وما بعنيه! كمان مره كأنو الحياد، غيابك عن الاصدقاء والحياة الطبيعية، غيابك عن الزمان والمكان وغيابك حتى عن نفسك!

معاناة في كل تفصيل من تفاصيل حياتك، قهرك اللحظي، قلقك الدائم، وانت عارف انو بأي لحظة بتكون فيها برا، ما رح تضمن اللحظة اللي بعدها، حواجزك اليومية، وقلق كل فرد من افراد عيلتك عليك، وعلى مصيرك، غيابك اللي بعني إنك ما تكون عارف مدى وشكل علاقتك مع أمك، مع اختك، مع ابنك، مع محيطك لأنك ضيف مؤقت.

إنك تصحى من النوم في ساعات الليل المتأخر، لانك مجرد سمعت صوت عالي برا الدار، هواجسك على انو في اي وقت بتكون دارك ثكنة عسكرية، ما رح تعرف شو رح يصير بالاقتحام إذا ممكن يتعرض اي حدا للضرب او حتى للقتل!!

في السيف الاداري اللي بقطّع في كل اعتقال، وكل تمديد جزء من أجسادهم، ملاحقتك في كل تفاصيل حياتك تهديد ووعيد وسجن دائم جوا وبرا، كأن السجن بعيش فيك!
 

فرسان الحقيقة والإرادة

رفاقي هؤلاء الشجعان الفرسان لهم كل تحياتي وتقديري العالي لِـقوتهم وإجراءاتهم، وأحيي كل واحد منهم على شجاعتهم وعنفوانهم... حقيقة افتخر بهم، وأعرف أنى بهذه الكلمات لم أستطع أن أصف كل تفصيل من معاناتهم ووجعهم وآلامهم، فعندما تدخل المعركة تكون اللغة التي نعرفها قد عفى عليها الزمن، فالشيء الذي لا يمكن التعبير عنه بالكلمات لا يمكن إدراكه إلا بالصمت.

أخيرا أهلنا وأحبائنا شعبنا العظيم، أحييكم وانحني لكم ولشهداء شعبنا العظيم، ونعرف أنكم معنا دائما، فلا ثقة لنا إلا بكم، ولا نعرف انتصاراً إلا من خلالكم ومعكم، وإننا حتماً لمنتصرون.

ابنكم الأسير الإداري المضرب عن الطعام رقم ثلاثون غسان ابراهيم زواهرة