كتب الأسير أمجد عواد من زنزانته في سجن ريمون الصحراوي..

كوني مصيدة، بقلم الأسير أمجد عواد

F3645EF0-8B94-41BB-AFD7-1AAF8402B4B0.jpeg
المصدر / غزة-السجون-حنظلة

غزة..

كم حربًا يحتاجونَ بعدْ كَيْ يقرؤا فيكِ الصلابةَ وانعدام الانكسارْ.. يا مصيدةَ الموتِ ضمّدي فينا الجِراحْ، ولتستحيلي عدوى للعربْ، عَلِميّهم كَيفَ يأتيْ الحضورُ منْ بعدِ الغِيابْ.. 

عنقائُنا أنثْى، أنثانا الجميلةُ فلتستريحْي هذا اليوم، مَنْ يدري علَّ القدَر رَتبَ لكِ موعدٌ في أحد الخنادقْ! فاستريحي.. 

ذَخِرِيْ بَنادقكِ القديمةَ، وتأكديْ مِنْ كُلَّ النوافذ، أُسكبْي رَملَكِ في كُلِ الزوايا والأمكنة، عُدّي صغارِكْ، غَسَّليهم، وَدّعيهمْ واقرأي عليهمْ ما تيسر مِنْ أشعارِ القيامةِ وأَجلبْي البحرَ وبعضًا مِنْ هَوائِه وعلى مخداتهم أنثريه.. ودّعيهْم كما يليقُ بمجزرةٍ قرِيبةْ..غنّي لَهُمْ "بلادُ العُربِ أوطانْي" ولا تبكي القصيدةْ.. لا تَبكْيهمْ، بَلْ قَبليَّهم داعبيهم لاعبيهم بما تَيَسَّر أو نجى من الدُمى المحروقة المبتورة الخيطان وأكذبي قصصًا تبشر بالجميل، اطعميهم لو أرادوا، وأركِبيهم ظَهرك لو أرادوا.. 

لاعبيهم كما يلعب الأطفال في كل مكان، كأن تُخبيء عُملةً أو هاتفًا أو قَلبَ حُبّ في أحد الزوايا.. خبئي لكلِ واحدٍ شيئاً، وليفز الجميع في هذه الليلة فالرحيلُ جماعيٌ غدًا.. 

واصنعي لهم كعكًا حقيقيًا، فليأكلواْ قدرَ ما أرادوا، وليوسخوا المقاعدَ والأسرةَ والشوارعَ والحيطانْ وصور الشهداء المعلقةِ في الهواء، وليصرخوا ويشتموا وليلبسوا سراويلهم لو أرادوا، ثم اجمعيهم وانشدي مرةً أخرى "بلاد العُرب أوطاني"..

ولتُفلّيْ شعرهم النظيف، عَطرّيهم وغني لهم ما تحفظين بصوتك، وقبلّيهم مرة أخيرة، وفي حضنك أجمعيهم، هُزَّي بهم حتى تري الأحلام زائرةٌ على الأبوابْ، أوقفيها، فتشيها، وانتقي منها الجميل ووصها فرحًا مضاعف، وإدخليها ثم اتركيهم للغياب.. 

واستعدي للحضور مجددًا، للقتالواستحيلي مِقْبَرةْ، وتَزَفْرَيْ البارود ثوبًا، علميهم كيف الحروب تخاض، فلتمسحي كحل العيون، وأحمر الشفتان ولترمي صوب البحر كعبكِ العالي، وثوبك المطرز، ولترتدي درع البقاء يا ربة الموت المبجل، دقي طبول المعركة، كوني قنبلة، وأعدّي لهم ما استطعت من الأكفان، وأرسليهم صوب الرب أشلاءٌ، لا ترحمي وتذكري مع كل لغمٍ ليلة الأمس القريب، لا ترحمي وتذكري صوت الصغار صوت الجياع، صوت البطالة والحصار.. يا ربة الموت لا ترحمي كوني قصيدة.. 

الأسير: أمجد عواد

سجن ريمون الصحراوي