نشرة خاصة صادرة عن اللجنة الإعلامية والثقافية لمنظمة فرع السجون

في ذكرى استشهاد الأديب العربي وعضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية الشهيد القائد غسان كنفاني

FB_IMG_1625734841528.jpg
المصدر / السجون-حنظلة

49 عاماً مضت على رحيل الروائي والقاص والفنان والأديب والمفكر والناطق الإعلامي باسم الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين الشهيد القائد غسان كنفاني، ابن مدينة عكا العربية الفلسطينية، الذي غادرنا ولم يتجاوز السادسة والثلاثون من عمره، تاركاً فينا فكرةً ، لم ولن يغادرنا ولم يمحوه طول الغياب.
وفي وسط مدينة بيروت من عام 1972 في مثل هذا اليوم انفجرت أشلائه وارتقى إلى المجد شهيداً قاسم شعبه حياته وموته.
ذهب غسان ولم تذهب أفكاره النبيلة وتخجل الكلمات وتتوشح بالحياء عندما نكتب عن قامةٍ إنسانيةٍ وقيمةٍ نبيلةٍ وجوهرٍ أصيل، عن فكرةٍ سَطَعَت تَتَوَهَج وتنتقد من جمرِ رماد الهزيمة لتقدح زناد الفكر، وتُشعل الشرر في عيون التائهين حاملةً معها بذور التغيير في وجه قوة العادة والتقاليد البالية لتضيء سماء الفكرة وتمسح عنها الغشاوة، وتكشف وتُعَرّي اللغة العمياء والوجوه الكالحة، التي ارتدت قناع الثقافة والوطنية الزائفة وكُتّاب السلاطين ووكلاء الاستعمار.
إن غسان كان منا وردةً من دمنا، فكرةً نبيلةً نَفَذت في العقولِ واستقرت في القلوب.
وصفه أعداؤه أنه أخطر من كتيبة فدائيين ومن اختلف معه وخاصمه بشرف قال " لا تسألوني عن غسان اسألوني عن فلسطين، أقول لكم أن فلسطين أولها كنفاني وآخرها عائد إلى حيفا" محمود درويش. 
والأصدقاء والنُقاّد وصفوه بأنه " لواء فكري مُسلح.
متى كانت الكلمة رصاصة؟ عندما تكون صادقة ونابعة من الأعماق، تحمل معها رياح التغيير لتُجدد هواء الفكر الذي ركد، نابعةً من مناعةٍ وشموخِ أسوار عكا، التي حجبت عنها ما يُلوثها بالفضلات وتَحَصَنت في وجهِ سمومِ الكتبِ الصفراء، وطاعون ثقافة الاستعمار، وما تتقيأه الصحف والاذاعات الرخيصة، ونظرتها الاستشراقية اللاإنسانية الفوقية والمضللة. 
من هذا النبع خاضت وتدفقت كلماته، ومن عواصف غزة حَركّت أمواجها لعسقلان ويافا إلى صور وصيدا، وصولاً إلى لواء الاسكندرونة، فَشكّلت كلماته مخازن أسلحة عالية التقنية للغة الضاد الأوسع والأعمق. غسان الذي تغزل باللغة العربية، وصفها بأنها أحد لغات الأرض التي تتسم بالشهامة والكرم والجود
بهذه الدعوة القومية فاللغة وحدها تكفي لِتُوَحّدنا فلم لا تتسم جغرافيا الشعب العربي بهذا الكرم، ونبذ القطرية، وارتضاء التجزئة والتقسيم التي أرادته الامبريالية الاستعمارية. 
فغسان ليس أسطورة، إنه الحقيقة في وجه الخرافة وكان تكثيفاً لعصارة عصره، فقد تنبأ بالغد ورأى رؤاه لأخلاق الأنبياء وحكمة الفلاسفة، فخرج من هموم الفقراء والمظلومين ثائراً على الجهلِ والقبليةِ العصبيةِ والرأسمال من شقاء الناس وكدحهم من آمالِ وآلامِ المهاجرين واللاجئين لا من نشرات الأخبار وتصريحات الزعماء، وأمام هول الإبادة والتطهير العرقي والاجرام الصهيوني في النكبة عام 1948، تساءل غسان " أين كان الله الذي عرفناه في فلسطين، فهل هو أصبح لاجئاً من حيث لا ندري"، وهي عبارات سيفهمها كلاً حسب ثقافته، فغسان الذي تؤخذ نصوصه دون اجتزاء أبى أن يفهم ثقافته ثقافة متجمدة، وقال أن" من يريد أن يبقى في العتمة لا يلوذ على اللصوص إن سرقوها فسرقة العقل تُسهل اقتياده واحتلاله ، وهي أشد وأخطر من احتلال الأرض".
غسان انتمى لحزبٍ ثوريٍ لفهمه أن الأحزاب أرقى أشكال النضال، حزبية الانتماء لا حزبية الأنا. فالمركزية الصلبة شديدة الوفاء والإخلاص التي تحمي الديمقراطية وتنتشر في أكثر الأماكن تهميشاً لتُغيّر من ظروفنا وتحمل همومها ضد المركزية المُستبدة ومراكز القوى والتكتل والإرث التاريخي، ومع الأغلبية والتجديد للدماء الفتية التي تغذي وتُنشط الخلايا والعروق ومنها يستقبل الرأس الأوامر ويحللها ويرجعها للتنفيذ. هكذا يكون الحزب ناطقاً باسم الجماهير، يُبني ويُعلمّ ويثقف ويُوعيّ، فتكون القاعدة التي تتقن الانضباط والالتزام الواعي وتُصحح أي انحراف وتزيحه، فالحزب يعني النظام، برنامجاً وخطةً ووضوحاً للهدف، بوصلة الجماهير وضامن دائم من استمرارية على  عكس العفوية والارتجالية والانفعالات وردات الفعل التي سرعان ما تخمد وتنطفئ. 
غسان فَهِم دور المرأة وأدرك مقولة " إن أردت أن تنظر إلى تطور أي حضارة فانظر كيف تعامل المرأة هناك"، غسان مفتوحاً على الجميع ويدرك أن من واجب الإنسان أن يتعلم من الأمم الأخرى تطورها وأخطائها، منافعها وأخطارها... ينتقد ويدافع عن الرأي الآخر الإنساني بالحوار لا بثقافة الاتهام والتخوين وبنفس القدر وأكثر جرأة في فضح اللاإنسانية وكل ما هو مزيف وفي روايته " من قتل ليلى الحايك" يطرح سؤال: هل القاتل هو المجتمع وسلطته الأبوية الذكورية القامعة والكابتة أما  الزوج الجاهل الذي لا يملك إلا عاداته ويتصور أن الشرف يمتد ما بين الحزام والركبة فقط، فالشرف عند غسان هو الحب وصدق الوعي والوفاء، فعليك ألا تكون شريفاً في أمر وأقل شرفاً في أمرٍ آخر، فالشرف في كل الأشياء... أم أن من قتل ليلى هو الضمير المستأجر الذي تخفى بقناع الكلمات المعسولة وباطنها أكاذيب ورذيلة ليصل إلى غاياته الرذيلة من ابتزاز وغيرة. 
بهذه الثقافة المثقوبة التي تجعل الإنسان مكبوتاً ويظهر عكس ما يخفي ويَتَحّول إلى شخصٍ يعيش على عكس طبيعته فيقتل الحب ويرى مدح الجمال خطيئة لأنهم أرادوا له أن ينظر للمرأة من باب الشهوانية والنفاق... 
فدعوة غسان للتحرر من العادات البالية دعوة حرية ووعي ومسؤولية وهي دعوة لبناء المجتمعات والحفاظ عليها. 
ويحذرنا غسان من دعاة الثقافة الخرقاء والحداثة الزائفة أصحاب الفلسفات النفعية والأنانية ... ثقافة الاستعمار ونظرتها الدونية التي تريد تشكيل المجتمعات وهندستها وبستنتها كما تريد، فلا ارتفاع تنانير النساء ولا استخدامها كسلعة حرية وتحرر ولا في المقابل فرض الغطاء عفة وتدين، فالمرأة عند غسان إنساناً كاملاً شريكاً لك في كل شيء، وليست موطن أو استضعاف. هكذا تحدث عن أم سعد التي شحذت ابنها على العيش الكريم وحياة العفة حتى ولو قضى شهيداً، كأمٍ تسعى لابنٍ مكافحٍ صلبٍ، وبطبيعتها العفوية الصادقة لم تفهم دورها على أنها أداة انجاب بل صاحبة رسالة وقضية، أليس الإنسان قضية  والقضية من الانسان ؟؟؟!! فغسان فَهِم دور الأم وعطائها الذي لا ينضب، ولا يحمله عكس رسالته. وتساءل لماذا يتعين على الأمهات أن يفقدن أبنائهن فالأم تنجب وفلسطين تأخذ لأن غسان ينشد للحياة لا للموت ولأن أم سعد امرأة من قوم يرفضون حياة الظلم والطغيان.
وعي المرأة ومعرفتها يجعلها أكثر وفاءً وانكاراً لكلِ صنوفِ القهر، فالزوجة التي رفضت أن تُسَلِم نفسها عندما باعتها السلطة الذكورية للرأسمال فاكتشفت خيانته للبلاد والعباد وقتلته، هي المرأة المناضلة الوفية التي تشبثت بزوجها ألا يهاجر فيترك الأرض فلبى ندائها الطيب في العيون الواسعة. 
فالحرية وعي، وعندما تعي تختار ما تريد ولأن الخيار الواعي هو خيار وفي يغدو الأصيل والشجاع هو الذي يثبت ولا يخون قيمه وأفكاره...
غسان آمن بأجيال الغدِ الآتٍ وقال أن " فلسطين أكبر من الذاكرة وفلسطين هي المستقبل والشعوب التي تفكر في المستقبل لا يمكن هزيمتها"، وعندما أهدى لميس في عيد ميلادها قصة القنديل الصغير قال لها : " يا صغيرتي لن تجدي الشمس في غرفتك المغلقة". 
وهنا يدعو الأجيال للسعي وخوض مغامرة الحياة والعمل وطرد الكسل ويدعو الأسرة بأن توجههم لمن يحبون وترسخ فيهم القيم النبيلة بحرية لأن الحرية تقودهم للشجاعة والاكتشاف والتطور والابداع أما القمع فلا يوُلّد إلا الخوف واليأس والحياد. 
فالشمسُ تغربُ ولا تغيب فإذا اخترت أن تبقى في الظلام فلن يشرق عليك نورها وأملها في غدٍ أجمل وأبهى.
انحاز غسان للفقراء وأصحاب الكدح الذين يعانون القهر، لمن هم ضحايا الأكاذيب والتضليل فلا تصدقوا إذاعات الطوائف وبرامج التجار وما تلقيه الفضائيات من تعاطفٍ زائفٍ في ظلِ شراكةٍ لأنظمةِ القهرِ والاستعمار، وكأن ما يُقَدمونه صدقةً ومنّةَ مِمَن سرق قوتهم واستغل قوة عضلهم مقابل فتات " يسرقون رغيفك ثم يعطونك منه كسرة ويريدونك أن تشكرهم عليها فيا لوقاحتهم" وهي طبيعة المجتمعات البشعة... وماذا نعرف عندما يقول غسان " خيمة عن خيمة تفرق" فغسان عاش المخيمَ والخيمة وعانى اللجوء وفرقَ بين خيمةٍ نُصبّت في العراء تدفع عن نفسها برد الشتاء وحر الصيف وتعاني الاغتراب والعيش وأخرى اعتبرت دفاع الفقراء دفاعاً قبيحاً وأرادت أن تُعَلمّه الرفض والهجوم.
انحاز غسان لمن يقرأون كتاب الوطن في المخيمات، ومن ينامون بين القبور، فيقرأنا البرجوازي المصلحي عندما تعلن جبهتنا أنها حزب الفقراء والكادحين على أنه غلو، وإن كان الثبات مع الفقراءِ غلو فهذا غلوٌ صحيح، فلا يخدعكَ المال فهو عندما يتكلم يصمت الصدق ويَتعطّل الإيمان. 
غسان انتمى وانحاز لمن يقضون ليلتهم في شحذ السلاح وحفر الأنفاق ولو كان بيننا لوجدناه يوزع الكتب عليهم في غزة والجنوب اللبناني، انتمى للمحرومين ولمن تحجبهم أحجار السجون والمعتقلات. واحتقر السجان ووصف ضرب السجين بأنه تعبير مكثف عن الخوف ووجه صرخةً في وجه المعاناة، صرخةً إنسانيةً لخالق الإنسان ومعه كل هذه الأحاسيس، لماذا يُعذبه بالحرمان؟
غسان الذي عاش طائرات وديع يعلن خطفها ومطالبه الأولى تحرير الأسرى، وقد عَبّر عن صمودهم في قوله " لن ينتصر القيد على الفكرة" والأسير الذي لم تخترق وعيه أو عقله وقلبه أغلال القيود فينتصر عليها. 
غسان لم يجلد ذاته الفلسطينية ولكنه في نفس الوقت لم يتهرب من مسؤوليتها كشعبٍ عربيٍ فلسطينيٍ وصرخ في وجهنا: لماذا لم تدقوا جدران الخزان؟ 
مقت غسان الهروب واليأس والفقر ولم يعفِ أنظمة الرجعية التي وصفها بأنها بلا رجولة وبأنها أنظمة القمع والاستبداد، صانعة الموت، ولم يعفِ شعبنا العربي وصمته وكسله على من يسرق ثرواته لأجل طغمةٍ سياسيةٍ فاسدة وكيلةٍ للاستعمار.
منذ أكثرِ من نصفِ قرن يُحذرنا غسان بأن المال خادمٌ جيدُ وسيدٌ فاسدٌ، وحذرنا من مشايخ نفط الخليج، " متى كان في لحيتهم من زبيبة أو شرف فأين ذكرت الخيانة تجد حكام السعودية، فمدنِ الملحِ بشمسها ونفطها قتلتنا خنقاً فما معنى أن يهرب الإنسان من الجوع ومن فقد وطنه فيقتله جواز السفر وحدود التقسيم. إنها مسؤولية الجميع، على الإنسان أن يواجه الظلم والطغيان وأن يختار لنفسه شاطئاً لموتٍ شريف. 
غسان يضع اصبعه على الجرح كي يلتئم فيداويه فيشفى، ويحرضنا أن لا نستسلم للمرضِ والجوع فماذا سيخسر من فقد أرضه سوى القيد أو الخيمة. 
وفي عائد إلى حيفا يقول لنا " كان الأجدر بنا أن لا نخرج وأن نبقى وهذا الخطأ أن نصححه بالعودة، وحيفا وأرض البرتقال الحزين لا يكفي أن نراها بالقلب وهو يعاتب ويُحرض حتى الشجر والتراب كيف ينمو بكل هذا البذخ في غيابِ أصحابه.
وعاتب أم خالد في عائد إلى حيفا التي خرجت وراء حبها لزوجها، وفاءً وخوفاً عليه، وتركت طفلها خلدون، وإذ بها ترى نفسها غير قادرةٍ على الرجوعِ قهراً وغصباً، فربته امرأة أتت من أوروبا وغَيّرت اسمه وثقافته، وعندما ذهبت العائلة تبحث عنه كان قد أصبح جندياً إسرائيليا فألقى عليهم كل العبء وسألهم "لماذا يُترك، وهل يكفي الحزن وهل تسترد الدموع المفقودين أو تشكل زورقاً يكفي لحمل عائلة تبحث عن ابنها المفقود"؛ فالإنسان عند غسان ليس من لحمٍ ودمٍ فقط، هكذا يكون كائناً بيولوجياً لا يختلف عن الكائنات الأخرى، والإنسان كائن اجتماعي يؤثر ويتأثر ببيئته وقد أدركت العائلة أن مثل هذه الكارثة لا يمكن إصلاحها بممارسة الكلام والحوار فهذا الكيان قائم على التزوير والخداع والسرقة، وأن خلدون الذي تركوه عارهم ولما عرفوا أن ابنهم الثاني خالد قد التحق بالفدائيين عرفوا أن خالد هو شرفهم الباقي والقادر على غسلِ العار واسترداد الأرضِ والدار. أي أن مقاومة الاستغلال والاضطهاد هي ما يُحرر الإنسان، والانتماء للثورة ليس بحاجة إلى فهم بقدر ما هو بحاجة إلى إحساس، وأن الشجاعةَ مقياس الإخلاص.
إن هناك ما هو أسمى وأبعد من القومية الشعبية وهناك أكثر من اللغةِ والتراثِ والدينِ توحد الناس ويجتمعون عليها، إنه الشعور بالألمِ والمعاناةِ والظلمِ، فالإنسان وُلدّ ليكون حراً لا عبداً ، فلماذا نشعر أن كوبا كاسترو وفنزويلا تشافيز وبوليفيا وغيرها من الأمم الحرة عندما تخطب في الأمم المتحدة كأنها تتحدث باسمنا، ولماذا نعجب بجيفارا حينما قال " أنا لا أفهم الاشتراكية إلا أنها عدم استغلال الإنسان للإنسان" بهذا الإحساس والقراءة العميقة لغسان الذي قرأ تجارب الآخرين، قرأ جياب في الثورة الفيتنامية، وماوتسي تونغ وحرب عصابات الثورة الصينية، وقرأ جيفارا والثورة الكوبية، وأبحر في فهمِ العمارة ِالفكريةِ الهائلةِ لماركس ولينين والثورة البلشفية، لهذا نراه بيننا وما كتبه قبل أكثر من نصف قرن من فهمه لطبيعة الصراع مع العدو الصهيوني على أنها حرب وجود وصراع صفري يمثلنا إلى الآن.
ومن قرأ ورقة من غزة عندما تحدث عن ساق ناديا المبتورة التي مزقتها قذيفة صهيونية، وآلاف الأطنان من القنابل التي تلقى على الفلسطينيين، ويتكرر المشهد كأنه معنا لأولاد تعلموا في المدارس العنصرية الصهيونية كيف يتسابق على اللهوِ والتنافس من يقتل ويصيب ويبتر أكبر عدد من السيقان بمسيرات العودة على حدود غزة. 
مثل هذا العدو تقاتله بالسلام؟ ! وتذهب بالضحية إلى المسلخ الدولي، الذي يعتبر المقاومة إرهاباً وأفعال "إسرائيل" الإرهابية دفاعاً عن النفس؟!. 
هذا العدو لا يفهم إلا لغة القوة، فحدثه بها. وقد طالبنا غسان باستمرار المقاومة حتى نعيد ساق نادية المبتورة.
غسان الذي عرف غزة وعزتها فأحبها ووصفها بذاك الحنين الذي يجذبك كما تجذب النبعة قطيعاً من الوعول فتشعر وأن تمشي بشارع غزة أن هنالك شيئاً يحملك يطير بك إلى صفد....
غسان وكأنه يعلم أن عجوزاً من بلده عكا عمرها أكبر من عمر النكبة، أخذت تُغني وتُزغرد لصاروخ آتٍ من غزة، واعتبرته هدية "هيت لك ما أجملك" وقد كتب في ورقة من الرملة واللد عن الإبادة والتطهير العرقي والتهجير الجماعي، وعن ما يعانيه السكان الأصلانيون الذين لم يرحلوا من قوانينٍ عنصريةٍ وأحكامٍ تعسفية، فغسان وصف ما يحدث وما سوف يحدث وكأنه يرى اللد والرملة مباشرةً من عنصرية وقوانين وبرامج ممنهجة بحق العرب الفلسطينيين لهدم الأسر وتفكيكها. وما كل ما يحدث بين أبناء الشعب الفلسطيني في الداخل المحتل اليوم إلا نتيجةً لصنائع الحكومات الصهيونية وأجهزتها القمعية التآمرية لتشويه أهل الأرض، وكذلك يحدث في القدس وضواحيها من إغراق أهلها بالهموم والسموم.
وبالرغم من كلِ ما صنعه الاحتلال فقد وقف الفلسطيني في اللد والرملة والمثلث والجليل والنقب وسلوان والشيخ جراح مع الكل الفلسطيني، مع المقاومة، مع غزة ورسالتها، هذه المدينة التي شَبَهَها غسان بالعروسِ والحبيبةِ المخطوفة، جسدٌ مخلوقٌ تحبه، وما اغتصابها إلا ضربٌ من ضروب العذاب يجب أن يحركها حتى نستردها. ونطرد عنها كل زناةِ الليل. ولأن غسان مؤمناً بالشعوب والجماهير فقد قال " لا توجد شعوبٌ سيئة على مدار التاريخ، وإنما هنالك شعوباً مُخدرة ولا الحل السلمي ولا عبث المفاوضات يُحركها، إنما هي المقاومة والكفاح والنضال من أجل الحرية هي من يملك الحل، وهي اليقظة والوعي من يحررنا من التواكل والسبات، وهي من تعيد الحق إلى أصحابه وفلسطين الخندق المتقدم والأول في المواجهة وستبقى رأس حربتنا دائماً. 
غسان كنفاني أحد قيادات الجبهة الشعبية المركزية الذين نقشوا حق العودة في عظامهم وآمنوا بأدبياتهم السياسية والتنظيمية والفكرية وبدستور حزبه بأن العودة هي الجسر الذي يوصلنا إلى التحرير. تحرير فلسطين، كل فلسطين، واصفاً شعبنا بمخيمات اللجوء بأنه أصل الحكاية وذخيرتها الحية التي لا تنضب ولا تنسى ولا تموت. وإن أردت أن تعرف عن فلسطين فانظر في عيون اللاجئ ففيها كل الرواية. 
غسان لا يمكن اختصاره في ورقة، مفتوح على الجميع وبأسئلته ترك لنا خيارات الأجوبة، رفض أن يملي رأيه على أحد، فربما الحكمةَ في الأسئلة، فهذا هو سر غسان نتكئ عليه ونهرب منه إليه. وحتماً أن من يتبع أفكاره وخطاه وخطى من سبقه أو تبعه من الشهداء من يعرف بها لن يعرف التيه أو الشتات. وعهداً أن نصون الوصايا إلى أن تسود الفكرة. 
رفاقكم في اللجنة الثقافية لمنظمة فرع السجون
 الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين
منظمة الشهيد يامن فرج