كتب الأسير أمجد عواد من زنزانته في سجن ريمون الصحراوي..

صرعة في عالم الأثاث

thumb.jpg
المصدر / السجون-حنظلة

لأن الحركة دائمة والسكون نسبيٌ هنا، كثيرًا ما يحدث أن تجد نفسك وحيدًا في زنزانة.. وأثاث الزنزانةِ معروف:

- أربعة جدران سميكة. 

- بابٌ فولاذيٌ عجوز.

- شيءٌ يشبه نافذة.

- فتحةٌ دائرية صغيرة في الأرض تُعرف على أنها دورة المياه.

ولأنني كما الطبيعة لا أطيق الفراغ ولأني هنا أرتدي وطني كاملًا، أنطلقُ مع احتضان العقربان في ساعتي بعضهما في منتصف أعلاها تمامًا عند انتصاف الليل، لأخلق من فراغ زنزانتي جَنةً من الإكتظاظ أؤثثها كيف أشاء...أسند كتف بوصلتي على حاسة الافتراض ثم أُرخي للافتراض لجامه ليؤثث فراغ عالمي الجديد كما يشاء.

تجدني أسحبُ بحرًا ناحيته لأغرسه في أحد الأركان، عند الباب كومة صدءٍ أزرع فيها عشر سنابل قمح ثم أدعو سرب نملٍ وطاحونةً للعشاء،، ومن أحد الروايات أستعير مُخيمًا وعصفوران وقُبّرة، وفي السقف أثبت شمسًا أنسل منها خيطًا أو اثنين أطرز بهما حفنة أكواخٍ ورصيفٍ وزقاقٌ..أنظر للمشهد لازال هناك فراغ يتسع لمسجد وكنيسة وعجوز وحفيدتها وعددًا من أضرحة الشهداء، ولأني ما عُدت أطيق كثافة الحنين لتلك التي تعرف أني أقصدها، أستجلب قمرًا وظلامًا وفي الظلمة أزرع ركنًا أُلبسه شجرة زيتون وساعة حائط أضبطها لأراها، آخذ نفسًا، أنظر لأثاثي تنقصه شرفة، أبني سورًا تعلوه الشرفة، فوق السور أثبت قطة وفي الأسفل أنبتُ عشبًا تأكل منه سبعُ خِراف وعلى السور أخطُ شعارًا "لا" نصف شعارٍ يكفي، فعلى النصف الآخر ألصق صورًا للشهداء..

 لازال فراغٌ في المشهد..حسنًا

بضع بنادقٌ، درعٌ واقٍ، منشورٌ وبيان، بضع بيارق، أقنعةٌ للغاز، حجرٌ مقلاعٌ ولثام، لكن لا زال فراغ، أعجنُ جسدًا، بل جسدان، الأول مفتولُ العضلات والثاني جسدٌ عاجيٌ مجبولٌ برخام، وبين الأول والثاني فَرِحٌ طفلهما أُركَبهُ ظهر حصان..

 لازال فراغ..

شفقٌ أحمر، سربُ غيوم، رشةُ ريحٍ في الأجواء، أنظر للمشهد، تنقصه موسيقى، فأستعير من محمود درويش أحد قصائده المهملة، ومن فيروز نصف صوتها، ويكفيني عودٌ خشبيٌ بوتر، ولأداءِ الدور أستأجر هاوٍ، طبعًا لا أنسى المسرح، والجمهور أمٌ حُبلى، طفلٌ وموظف، وحبيبانِ أحجزُ لهما آخر كرسي في المسرح، شباكُ تذاكر، صوتٌ وصداه، دمعةٌ تسبقها ذكرى، ولا خيرٌ من بعض الإنفعالاتِ وعددًا من عبارات السلطنة.. لكن لازال فراغ..

أصنعُ فيه طائرةً ورقية أو ثلاث ربما، وديكٌ رومي وحظيرة، حبلُ غسيلٍ، حزمة قشٍ، وفي الحزمة أبني عشًا أُسكِنه بيضة وعلى البيضة ترقدُ أمًا، وفيما تبقى من فراغ أنحتُ جدول ماء، فوق الجدولِ أُعلق جسرًا وعلي الجسرِ أنام بصمتٍ تعلو شفتاي البسمة لأني أُدركُ أن عدوي كلما بالغ في فراغي زاد فراغي إكتظاظًا بالأثاث.. 

 

الرفيق الأسير: أمجد عواد

سجن رامون الصحراوي