الخامس والعشرين من أيار أعلن القدر عن لقاء روحي لروحك الطاهرة، بعد أن حطت نوارس البحار فوق الصخور، فكانت التفاصيل في ذاكرتي وكنتِ دائمًا انتِ، ناديتُ وناديتْ فلم أسمع سوى صدى صوتكِ داخلي، أسمعه يئن من تشريح الأيام لجسدي الذي أنهكته الأيام الظالمة، فقد مرَّ وقت طويل تساقطت فيه أوراق عمري عن شجرة أحزاني، أيتها الملاك، أنيري لي الوقت احتفالًا بهذا اللقاء، لنترك ضوء الشمس يخترق الرخام لينير هذا اللقاء...
اليوم لقاؤنا وأنا لا زلت أقف على خارطة حبكِ حائرًا، ففي كل مرة أحاول أن أقترب منكِ أكثر تتصلب أوردتي، أقف خاشعًا بحضرتك، فلا زلت أدرِّب نفسي لأقف في حضرتك لأكون ذلك الطفل من جديد...فهديل الحمام أكد لي أننا حتمًا سنلتقي، وها نحن في موعدنا الأول، أحدثكِ...أسمع صوتكِ يتفلفل في أعماقي، فلم أعد أدرك أن اللحظة قد حانت، فرأيتكِ بوجهك المشع تضيئي قلبي...
اقتربي أكثر...فأنا مشتاقٌ لنور وجهك الذي اغتسل منه كل يوم...لأتنفس الشوق المكبوت بداخلي من ذكراك...اقتربي أمي أكثر فأكثر ومرري أصابع يديكِ الطاهرة لتلمس وجنتيّ، فبرد سنين العمر انكفأ في محفل الطهارة الأخير...وسقطت أنفاسي على راحتيكِ...اقتربي الآن مع قطرات الندى...اقتربي مع المطر المتساقط من الغيوم البيضاء...مع البرد القارس...اقتربي منّي وهزيني كي تتساقط حبات العمر على ضفاف الحلم، وانشليني من شلال خوفي وألمي، واجعليني بين ذراعيكِ، ضميني لحضنك الدافئ...فلم يغد قلبي الصغير يحتمل هذا الفراق الذي مس عظمي حتى أفقدني متعة الحياة...أعيدي لي ساعة الصبح الجميلة وأيقظي الفراشات ليعزفنَ سمفونية الحياة الأبدية...أمي...أريد صوتكِ أن ينزرع في كياني ليستقر في قلبي لأعيش معك...لأراه...فهل تعرفين أحدًا يرى صوتًا؟! أنا كذلك أريد أن أراه، أن أتنفسه لأحيا معه أو أموت بدونه.