كتب الأسير الأديب كميل أبو حنيش في الذكرى السابعة عشر لاستشهاد القائدين فادي حنيني وجبريل عواد

في ذكرى القادة "فادي حنيني" و"جبريل عواد"

b4zO2.jpg
المصدر / السجون_حنظلة

من قال أن الغياب هو نقيض الحضور! فلا يصح في حالة من نفتقدهم ونعشق حضورهم في ضمائرنا وفي حالة الشهداء التي نزيد بهم عشقاً أن ننساهم، فغيابهم هو حضور مكثف يظل يحفر في الروح عشقاً في أحشاء الأفئدة، ويعبق في أجواء الذاكرة.

 من قال أن الرحيل إلي العالم الآخر هو الفناء الأبدي؟! قد يصحَّ هذا في حالة البشر العاديين لكنَّه لا يصح مع الشهداء وأبطال التاريخ؛ ففي حالة الشهداء لا رحيل بلا عودة أبدية، يحتضنهم التراب لكن يخلدهم التاريخ ويخلد معهم قلوبهم وبطولاتهم وتضحياتهم الحية في وجدان شعوبهم.

وفي خيال محبيهم يظلُّون ينبضون مع العروق وتزهر أسماءهم بين السطور، وتنبع صورهم وهامتهم من الذاكرة كلما قاربهما النسيان، يملئون حياتنا بغيابهم، إنهم الغائبون الحاضرون دوماً في كل محطة، فترى الحروف في أسماءهم تتلألأ في وسط الظلام.

مضت سبعة عشر عاماً علي رحيل قاـئدين ميـدانيين من قادة الشـهيد ابو عـلي مصـطفي الرفيقين جبريل عواد وفادي حنيني، اللذين قارعا العدو طوال سنوات الانتفاضة الثانية وظلوا لـسنوات يخوضون مضاجع العدو بإضراباتهم دون أن يعرفا كللٍ او ملل، وهما يستنشقان الثورة والسلاح ويدركان بعمقٍ معاً خيار النضال، ليصبح مُعتقداً للدفاع عن الحرية والوجود والدفاع عن الكرامة الوطنية والانسانية.

أجل رحلتم رفاقنا الشهداء ولكنكم حاضرون في الضمائر والذاكرة، وخلفتم لرفاقكم وحزبكم وأهلكم وأبناء شعبكم نيراناً ساطعة لن تنال منه صفة الظلام، ولكم أن تطمئُّنوا فلم تنحني الهامات، ولن تسقط العزائم، وضمائركم لازالت خفاقة في كل الميادين والساحات.

 أما رفاقكم الأحياء فهم شهداء مع وقف التنفيذ، وإليك فادي الحاضر في كل حين تنبع من بين السطور والكلمات والآهات تـذكرني بسهرة الحصان، الذاكرة الحية كل صباح، ترتشف القهوة الصباحية معي وتدخن سيجارتك بصمت، ولا تسألك عائلتك عن أشياء، فلا تهمك التفاصيل تبتسم بسخرية كما كنا نفعل دائماً، ولا تترك حيرة بالقلب فأنت أصفى من أن تدركك الأجواء الغائمة، تطفأ سيجارتك في سوداء القلب وترحل وتشيعني بابتسامتك الدافئة، وبما أنك لم ترحل إلى عالمك وحدك  ففي رفقه جبريل فهو الآخر يهبط كالوحي ولكن بلا كلمات  وكأنما في صمتكما ترويان بكل ما يجيش بأفئدة الشهداء، وقولكما ففي ذاك الظل في الحضور لم تجد الكلمات أن تظل خفيفة ولا تلامس المبالغة لكي تحافظ على جماليتها وهذا الأفضل بلا مبالغات .

في هذه الذكري كما في كل ذكرى نطلُّ عليكم من نافذة.ٍ فقط، نوجه التحية والسلام، نلوِّح لكم من بعيد ونبتسم والابتسامة هي الإشارة في الوفاء والبقاء، وطالما يا فادي أنك تهوى الشعر أودعك بهذه المقطوعة الشعرية لمحمود درويش واعتبرها عن كل المسافات أهديها لك بما يليق بحضورك الدائم في أعماقي:

 سأصير يوما طائراً

وأسل من عدمي جودي

كلما احترق الجناحان

 اقتربت من الحقيقة وانبعثت من الرماد

أنا حوار الحالمين، عزفت عن جسدي وعن نفسي لأكمل

رحلتي الأولى المعنى، فأحرقني وغاب

أنا الغياب. أنا السماوي الطريد

سأصير يوماً ما أريد.. سأصير يوماً ما أريد

ولكم من كافة الأحبة وكافة الرفاق خالص المحبة والوفاء