الأسير الأديب والشاعر كميل أبو حنيش من قلب زنزانته يكتب

الموقف العربي ما بين التأتأة والطأطأة، بقلم الأسير الأديب كميل أبو حنيش

الموقف العربي ما بين التأتأة والطأطأة - بقلم الأسير الأديب كميل أبو حنيش - مركز حنظلة للأسرى والمحررين

اعتاد الشارع العربي والفلسطيني على وجه التحديد على المواقف العربية الخجولة والواهنة والخائنة لها منذ أن بدأ المشروع الاستعماري الصهيوني يخطو خطواته الأولى على الأرض، أما التواطؤ مع هذا المشروع ودولته الذي أنشأت بعد عام النكبة فقد كان يجري في الخفاء، ولا يكشف النقاب عنه إلا بعد مضي سنوات طويلة، وذلك لأن الأنظمة العربية في ذلك الحين كان لديها بعض الحياء وبعض خطابات النخوة والعنتريات التي كانت تستر عوراتها.

غير أن المدهش في هذا العصر أن الحالة العربية وصلت حدًا ميؤوسًا منه من الضعف والتواطؤ العلني الذي ينطوي على وقاحة غير معهودة، بعد أن أخذت تطل على شاشات التلفزة بعض الشخصيات العربية معلنةً عن انحيازها لإسرائيل ومناولة للشعب الفلسطيني وحقوقه وخاصةً بعض دول الخليج العربي.

فالأنظمة العربية التي ألقت بسلاحها منذ زمنٍ بعيد ورفعت راية الاستسلام أمام إسرائيل، وأخذت تتدافع بإقامة علاقات مجانية معها، ضاربةً بعرض الحائط مواقف شعوبها الرافضة من حيث المبدأ وجود إسرائيل والواقفة بكل شموخ وكبرياء ضد مشاريع التطبيع معها، والمنددة بهرولة أنظمتها نحو أحضانها، وهو ما دفع نتنياهو بالتبجح العلني باختراقه للصف العربي، دون أن ينسحب من بوصة واحدة من الأراضي العربية.

والغريب في هذه المرحلة هو الموقف من صفقة القرن الأمريكية الصهيونية، فلم يعد سرًا أن عددًا من الأنظمة العربية لا سيما السعودية والبحرين والإمارات أعلنت عن موافقتها ودعمها لهذه الخطة، غير أنهم يحاولوا التبرير والإعلان عن مواقف خجولة في تأييدها للشعب الفلسطيني ورفضهم لهذا المشروع، وعندما يطلب منهم أن يكونوا أكثر وضوحًا في مواقفهم، تبدأ التأتأة في الخطابات والبيانات والمواقف الرسمية، وهذه التأتأة لا تنم عن ضعف وإنما عن تواطؤ.

واليوم ونحن نخوض معركة وجودية ضد الكيان الصهيوني الذي يستهدف ابتلاع المزيد من الأراضي الفلسطينية والقضاء على الحلم الفلسطيني بالدولة، وتشديد الخناق على الشعب الفلسطيني وحرمانه من وسائل عيشه وموارده ومصادر مياهه، نجد الموقف العربي الرسمي في حالة تلعثم وتردد وارتباك وتأتأة في تصريحات القادة، فحتى بيانات الشجب والاستنكار التي اعتدنا عليها من جانب هذه الأنظمة، لم تعد واضحة أو حادة أو صادقة، وإنما يوجد نقاط وعلامات تعجب واستفهام بين السطور، فهذا الالتباس في المواقف والتأتأة في التصريحات تنطوي على التواطؤ، وهذا التواطؤ ناجمٌ عن استسلام صريح وطأطأة للرؤوس أمام الدولة الاحتلالية الغاصبة.

فما الذي يمنع هذه الأنظمة من أن تكون واضحة في مواقفها، إذا كانت صادقة في انحيازها للنضال الفلسطيني كما تدعي؟ 
فالكل يعلم أن لدى هذه الدول العديد من الأوراق السياسية والاستراتيجية والاقتصادية التي من شأن النظر لها فقط أن يغير المعادلة ويقلب الطاولة، أليس من العار أن تكون المواقف الأوروبية والإفريقية والأمريكية اللاتينية والآسيوية أكثر وضوحًا وشجاعةً وحدةً من مواقف هذه الأنظمة؟ أليس من العار أن يخرج في قلب دولة الكيان المظاهرات المنددة والمقالات الصحافية الناقدة والأصوات الرافضة لمشروع الضم الذي يعتزم نتنياهو في تنفيذه حاليًا بموافقة بعض هذه الأنظمة بمجرد الإعلان عن موقفها الرافض والمندد لهذا المشروع.

إن نتنياهو الذي يقيمون معه علاقات حميمة تبجّح بأن العديد من الأنظمة العربية "الصديقة" لا تمانع أن تبقى القدس تحت السيادة الإسرائيلية، وأنهم مع مشروع صفقة القرن، وأوردت بعض وسائل الإعلام الإسرائيلية مؤخرًا أن دول الخليج تؤيد حق إسرائيل في ضم أجزاء من الضفة الغربية.

فإذا كانت هذه الدول "الصديقة" لإسرائيل تُنكر مثل هذه الإدعاءات، ما الذي يمنعها أن تعلن عن ذلك بصوتٍ جهور بدون أي تأتأءات أو طأطأة للرؤوس أثناء الإجابة على هذه التساؤلات.

لكن على ما يبدو لقد سبق السيف العذل، ولم يعد من المجدي ثني هذه الأنظمة عن الالتماس في مثل هكذا مؤامرات ويتعين علينا كفلسطينيين التعويل على أنفسنا ومعنا ملايين الشرفاء من أمتنا العربية ومن شتى بقاع العالم، وعلى هذه الأنظمة أن تتعلم درسًا في التاريخ : كل نظام عربي أو ملك أو قائد أو زعيم تواطئ مع إسرائيل انخار وتداعى وجرى الإطاحة به أو إعدامه، وإذا لم يصدقوا فليقرأوا التاريخ السبعين السنة الأخيرة وحسب، ولن يكون مصير هذه الأنظمة المتواطئة سوى التفكك والاندثار ونهايتها لن تكون إلا على مزابل التاريخ.

الأسير الكاتب: كميل أبو حنيش
سجن ريمون