الأسير الصحفي الرفيق منذر خلف مفلح من قلب زنزانته يكتب

من الكارثة والبطولة حتى النكبة، بقلم الأسير منذر مفلح

2de7d297b34d817cc288a9385ed6840b


"من الكارثة والبطولة حتى النكبة"
صورة النازي المجرم، في أقوال وأفعال الضحية اليهودية - بقلم الأسير الصحفي منذر مفلح - مركز حنظلة للأسرى والمحررين

 

هذا ما فعلته الصهيونية، في تشكيل الضحايا المفترضين للنازية، أو الناجين من المحرقة النازية، أعادت رسمهم نفسيًا واجتماعيًا لكي تؤسس لنازي جديد تبتكره الضحية ضد ضحية أخرى الفلسطينين، من أجل تبرير عرقها وانتمائها الأوروبي واحتلال فلسطين.
الصهيونية، لا تكره النازية بل لا تعمل ضدها، إنما تثبت لهذا "السلف النازي"، الذي أوغل في قتل اليهود أنها وريثته، أنها أوروبية نازية ذات عرق سامي تتعالى فيه على الآخرين، إن القاريء لهذه المقدمة قد يذهب لاعتبارها مقدمة أيدولوجية ويقدمها فلسطيني معادي للسامية، أو معادي لليهودية، لذا لن أستمر وسأستعيض عن قلمي بمحاولة ترجمة بعضًا من المقتطفات الصهيونية لإحياء ذكرى الكارثة والبطولة، ذلك أن جابوتنسكي "أبو اليمين الصهيوني" وأحد رواد الصهيونية، قد أصر على كنس "روح الشرق" من دولتهم، وكذلك أجمعت الصهيونية على ضرورة تطهير وتعقيم الدولة الصهيونية من الثقافة العربية الشرقية، فجاءت صورة الدولة وأصبح اليهودي الحق، هو اليهودي الغربي الأشكنازي، الذي أقام الدولة وطهّرها من سكانها الأصلانيين بالمجاز والدم بعشرات المجازر الموثقة في الناحية الجسدية والفكرية والثقافية، والعرقية في العام 1948 وكذلك التطهير العرقي تجاه ثقافة اليهود الشرقيين والعرب الذين لجأوا لدولة الصهاينة.

سأتجاوز كل هذا في هذه السطور، لأعكس كيف يقدم الصهاينة روايتهم في بعض وسائل إعلامهم، ففي ملحق خاص بمناسبة الكارثة والبطولة بتاريخ 20.4.2020 وتحت عنوان الشعلة الأولى أو الشمعة الأولى بعنوان اللاسامية والعنصرية وكراهية الإنسان، تتساءل الصحيفة وتضع عنوانًا للنقاش، من أين تأتي اللاسامية وما هو محركها؟
ثم يضعون مقتطفًا جاء فيه:
قبل أن تندلع الحرب كان في بلدة "بيدوبانه" 1600 يهودي، وفي يوم الإثنين مساءً بتاريخ 23 يونيو 1941، دخل الألمان للبلدة وفي 10 يونيو 1941، جاء للبلدة ثمانية رجال من الحبشابو والتقوا ممثلي السلطات المحلية في البلدة.
عندما سأل رجال الحبشابو ممثلي السلطات المحلية بخصوص اليهود في البلدة:
أجابوا بشكل موحد، نعم لإبادة جميع اليهود، وعندما اقترح الألمان ابقاء عائلة واحدة من كل مهنة قد يحتاجوها، أجاب ممثلي البلدة وتحديدًا النجار المحلي برونيسلاف شلونيسكي : "لدينا ما يكفي من المهنيين ونحن مضطرون لإبادة جميع اليهود وممنوع إبقاء أي أحد على قيد الحياة".
يتبع ذلك صورة، الترجمة من ملحق يدعوت أحرنوت 20.4.2020.

هل يذكّر هذا المقطع الصهاينة، بمقاطع مشابهة جرت في مدن الرملة واللد ودير ياسين
وعشرات البلدات والقرى على طول الأرض الفلسطينية، ويمكن العودة لكتاب "المشهد المقدس" للكاتب ميرون بنفنيستي وهو مؤرخ يعتبر من مؤرخي في ما بعد الصهيونية،  لنتأكد أن الصهيونية تعيد استنساخ "النازية" لتثبت نسبها، حيث يقدر بنفنيستي عن الفلسطينيين في المناطق التي سيطر عليها اليهود 380 ألفًا وتم تهجير "209" قرى.

في حين يذكر بن غوريون أن اليهود سيطروا على 5 آلاف كيلو متر من الأرض، وقد اختفى البشر عن الأرض، بعدم ذكرهم بينما اعتبره بنفينستي اختفاء المشهد الإنساني.
ومن المشاهد التي يذكرها بنفنيستي، نذّكر بمشهد الجنود النازيين الذين أبادوا اليهود في القرية يقول:
"إن البيوت الجميلة الكثيرة التي كانت قد بنيت خلال فترة الازدهار في أوائل الأربعينات جذبت انتباه المستوطنين اليهود الذين اقتحموا عنوةً بيوت قرية جماسين[...] ، في آذار 1948، بدأ استيلاء سكان تل أبيب اليهود بشكل منظم على منازل قرية الشيخ مؤنس*[...] عدد من القرى كانت تربطها علاقات حسنة مع التجمعات اليهودية المجاورة، وأعربت عن استعدادها للتسليم والاستمرار بالعيش تحت الحكم اليهودي، تم طرد سكانها بقوة السلاح[...]، تم طرد سكانها بقزة السلاح [...] واقترفت مجازر خطيرة في قرية زرنوقة* الكبيرة قرب رحوموت".

فهل يختلف الأسلوب ما بين النازية وما بين الصهيونية مع فارق زمني عدة سنوات لقد أصرت الصهيونية على ممارسة السلوك النازي العنصري، فهل يبقى السؤال ما هو محرك العنصرية والنازية، أي معنى في الإطار الصهيوني!؟

وفي الصفحة اللاحقة وتحت عنوان الشعلة أو الشمعة الثانية: الحياة في التجمعات والمعسكرات، جاء نص ورد فيه:
"وفي البدء كان يجب علينا خلع كافة ملابسنا، الملابس ألقيت إلى جانب، والأحذية إلى طرف آخر ودخلنا لغرفة مجاورة عرايا كما ولدتنا أمهاتنا، وهنا أعطيت لنا الأرقام.
"اهالجر منهر" قائد المعسكر للتجميع وقال لنا: من اليوم وصاعدًا جميعكم أرقام وليس لكم أسماء ولا هوية ولا مخرج لكم وكل ما لديكم هو رقم وغيره لا يوجد لديكم شيء. - الترجمة من ملحق يدعوت أحرنوت-.

هنا لا أود الذهاب بعيدًا، فذاكرتي في سجون مثل الفارعة، جلبوع وحتى نفحة وريمون، مليئة بمقتطفات، لا تزيد حرف ولا تنقص حرف مما ورد، وكان قائد معسكر التجميع هذا قد غرز كلماته في ذاكرة ضحايا، ولم يستطيعوا ولن يستطيعوا "الانتصار على هتلر" بحسب تعبير بورغ في كتابه، بل الأكيد أنهم يتماهون مع سلفهم، الذين يعاقبوه من خلال تبني أقواله كأفعال وسلوك ولأن هذه الأفعال غير موثقة للأسف، فإنني أحيل توثيقهم إلى كتاب في غربة وطن، نبحث في الاثنية بدى الفلسطنيين في إسرائيل، تحرير روضة كتاعنة وإيزيس مضير،....إلخ، حيث جاء فيه:

إذ يتم تنميط البدو كغير سيئين[...]، وتم تصويرهم على أنهم دون جذور، وإنهم أغراض قابلة للنقل، بحيث يمكن إخلاءهم بسهولة من أية قطعة أرض تحتاجها الحكومة.

ويقول أحد الجنود البدو، الذين يخدمون في الجيش الصهيوني:
لقد استخدمت المصطلح اليهودي "الحتة هشموه"، معسكر ابادة للإشارة للقرى البدوية غير المعترف بها، والتي تعرضت لتطهير اثني أيضًا في العام 1948.

ثم يتم الحديث من قبل نفس البحث عن فكرة الجبيتوهات العربية في دولة "إسرائيل"، وطرق العيش فيها ومدى التهميش والفقر والحرمان وهو حالة ملموسة كما يؤكد محمد يحيى من أكسال.
حيث الدولة "إسرائيل" تفرض هويتها الإثنية، وتصبح الحيزات العربية معازل "جيتوهات".

وهو الأمر الذي يمكن أن ينعكس تمامًا على حالة الحصار التي تعيشها الأحياء الفلسطينية في الضفة والقدس، وحيث يعتبر قطاع غزة هو بحد ذاته جيتو، ومعسكر إبادة، تُمارس بحقه أبشع وأقصى أنواع الحصار والإبادة، يضاف لذلك سلوك الأفراد العسكريين وشبه العسكريين المجندين والشرطة في المعتقلات والسجون الصهيونية.
حيث جاء السؤال في هذه الورقة لأثارة النقاش حول، هل تعاملت مع أحد على اعتبار أنه رقم نسيتم اسمه او ماهيته؟

إن السؤال بصيغته مطروح على الصهيوني في كل لحظة، كيف هي نظرته للفلسطيني، ما هو اللاجئ الذي تقطن هذا الصهيوني في منزله، هل ينظر للفلسطينيين والعرب باعتبارهم حيوات وتجارب وبشر أم أرقام في معرض الصراع الديموغرافي والهوس بالأرقام، وكيف يتعاطى السجان مع الأسير، هل يسمع أو يعرف أحدهم أي اسم، إن المعاملات تتم عبر رقم الأسير فقط، ويتلقى ذات المعاملة النازية

أما في الورقة الثالثة تحت عنوان: تخت عنوان الشمس الثالثة، عن التمرد، بطولة الجسد وبطولة الروح، تتحدث الصحيفة في ذات الملحق؛ تتحدث عن نص رسالة أرسلها قائد التمرد اليهودي بحد وصفهم، يتحدث فيها عن بطولة اليهود في مقاومتهم للنازيين الألمان، وعدد قليل من الضحايا، وكيف أن بعض المحطات أذاعت خول تمردهم، وإن ذلك يقوينا، بأن صوتنا وصل خلف جدران الجيتو، ويضيف:
"المقاومة في الجيتو تحولت لحقيقة، المقاومة اليهودية المسلحة والثأر أصبحت فعلًا واقعًا، كنت شاهدًا على قتال رائع وبطولي للمقاتلين اليهود.
- من ملحق في صحيفة يديعوت احرنوت -

و هنا يرد التساؤل هل يحق لليهود، باعتبارهم يهود ألمان أو غير ألمان ان يقاوموا السلطة الألمانية على الأرض الألمانية، أو على أراضي محتلة أخرى تحت سيطرة الألمان، وتُعتبر بطولة، بينما يتم إنكار نضالنا ضد الصهيونية والاحتلال على الأرض الفلسطينية بحيث تكون مقاومة الاحتلال الإسرائيلي للبنان سببًا في إعدام وقتل آلاف النساء والشيوخ والأطفال في صبرا وشاتيلا، بعد أن انسحب المقاتلين منها، هل تعلم الجندي الصهيوني البطولة من أجداده في الفيتو، فقط بمعنى الثأر من المدنيين والعزل في نابلس، وجنين ورام الله، وغزة، هل يقود الطيار "دان حلوتس" ويلقي أطنانًا على حي الدرج في غزة، وكلمات جده "الثائر والمنتقم" في الغيتو تملأ عقله وتصم أذنيه عن الجريمة، أن الجريمة الصهيونية هي استمرار فعلي لما يسمى البطولة اليوم، هذا ليس ما أطلقه من حكم، كي لا تُعتبر كلماتي مرةً أخرى محاكمة أيدولوجية لا سامية ضد اليهود، بل ما يذهب إليه "دان ياهف" في كتابه "طهارة السلاح"، إطلاق وأسطورة واقع، ترجمة "جوني منصور"، لا داعي لعرض صور، او أوجه من البطولة والثأر التي ينادي بها الصهاينة في رد على السؤال الثالث للملحق الذي يحاول بناء منظومة إرهاب حقيقي تحت مسمى البطولة، قامت به الحركة الصهيونية وتحتفل به، لا بل يحتفل العالم معها في كناس واضح للحق الفلسطيني.
كما ترد العديد من الروايات في كافة كتب التاريخ حول البطولات الصهيونية.

أما الشعلة الرابعة فتتحدث عن دور الرب والإنسان، والإيمان والكفر، وحيث يتساءل أين كان الرب أثناء تلك الإبادات وكيف ترك الإنسان اليهودي وحده، وقد رفعت الجريدة شعار المسيح المصلوب "أي إلهي لماذا تركتني"، ثم تذهب باتجاه تحميل الإنسانية مسؤولية الإبادة، وليس فقط الألمان أو لأكون أكثر دقة تاريخيًا النازيين.
تمامًا كما أني لا أحمل لا الله، ولا الإنسانية، ولا اليهود مسؤولية الإبادات التي ارتكبتها الصهيونية تجاه الشعب الفلسطيني، فالتأكيد هنا أن الصهيونية تحاول من خلال البناء الثقافي في زج مغالطات تاريخية، لإظهار تاريخية الظلم على اليهود من أجل تبرير وتكريس ظلمهم واضطهادهم واحتلالهم لفلسطين.

إن مجازر النازية ضد اليهود ليست قدرًا إلهيًا، وليست جريمة ارتكبتها ألمانيا ضد اليهود، ولا أوروبا، بل حزب نازي آمن كما تفعل الصهيونية بتفوق العرق والجنس والاضطهاد، بهذا تؤسس الصهيونية، للإجابة الذاتية على السؤال الأول داخل صفوف اليهود، فمحرك العنصرية لدى اليهود هو التوراة، وتاريخ يوشع بن نون، وكتبهم اللاتاريخية، وبهذا فهي تدمر السياق حتى للبطولة وللكارثة باعتبارها أحد أركان المذابح الإنسانية تجاه بعضها البعض، وليس باعتبار التاريخ الإنساني مؤامرة ضد اليهود، وأن الصهيونية قد استطاعت وقف هذه المؤامرة. أن الإنسان اليهودي العادي يقع على كتفيه مهمة تاريخية ملحة وهي الانتصار على الوعي الهتلري الذي ينغرس في أفعال وأقوال اليهود الضخايا الذين شوهت الصهيونية وعيهم، فالصهيونية التي أقامت دولة الاحتلال، لا تحتل الشعب الفلسطيني فقط، فهي تحتله عسكريًا، بينما تحتل اليهود في وعيهم وتاريخهم ومستقبلهم.

أما الشمعة الخامسة، تتحدث عن أنبياء الإيمان في العالم، وإلى أولئك الذين لم يفقدوا إنسانيتهم، رغم موتهم بمعنى فقدوا في هذه المعركة دون تحديد أسماء، ثم تذهب الشمعة السادسة نحو من بقي من المحرقة.
وقد اقترن ذلك بسؤال تمهيدي للكارثة التي حلّت بالفلسطينيين، لقد أظهرت "الحفلة" اليهودي من إنسان طبيعي يعيش في واقعه المفترض أوروبا، ويمتلك كافة الخبرات اللازمة لبناء المجتمع، وإلى رفض ذلك المجتمع لهذه الفئة "اليهودية"، ثم يذهب نخو قدراتهم البطولية، الخارقة في الصمود والبقاء، ثم لاحقًا السؤال الوجودي، لماذا أنا؟ وما هو المطلوب مني؟

لقد كانت الإجابة واضحة من خلال احتلال فلسطين وقتل وتهجير أهلها، واستعبادهم واستيطان الأدوات النازية في معاملة الضحية الفلسطينية، كي يثبت لذاته أنه أوروبي أولًا، ويمكنه أن يكون جنزارًا في مواجهة الآخرين، وثانيًا لينفي دور الضحية " نفي - المنفي" ليؤكد أن اليهودي إنسان خارق "شمشون الجديد" وليس ضعيفًا في مواجهة الشرق، لتأتي النهاية على شكل نصٍ 'سعيد" وتخرج فيه الضحية اليهودي الناجي من براثن النازية حيًا نحو أُفق عالم جديد هو "أرتس إسرائيل"، لتستخدم فيها الضحية الناجية، كل مأساتها وآلامها وعذاباتها وتأسس لاستمرار الأسلوب النازي في استعباد ضحية أخرى هي الفلسطيني على "أرتس - إسرائيل" بحسب الوارد من نصوص، والمعنى استخدام الكارثة لتبرير بطولة اليهودي الضحية،ةفي استخدام ذات أداة النازية ضد الضحية الجديد الفلسطيني في العام 1948 "عام النكبة".

بقلم الأسير الرفيق الصحفي: منذر مفلح
سجن ريمون