الأسير القائد باسل الأسمر من قلب زنزانته يكتب

وتمضي السنين، بقلم الرفيق الأسير "باسل الأسمر"

FB_IMG_1587927972520

وَتمضي السنين - بقلم الرفيق الأسير القائد باسل الأسمر - مركز حنظلة للأسرى والمحررين

ها قد مرّ على اعتقاله أكثر من ثمانية عشر عاماً، متنقلاً بين سجنٍ ومُعتقلٍ ومعبر، بين النسيان والنسيان، يسبح مثل طائرٍ جريح، ببحيرة آسنة من الصمت والوجع، فكلُّه بأمر السجّان. كسحابةٍ فارغة تمر الساعات والسنين، تطردها رياح السَموم، يتقاذفه سلطان الوقت الصارم، والأحلامُ تهرب منه، والعمر أيضاً يهرب، يأتي الغدُ ويهرب مُسرِعاً دونما أن يتفطّن لوجوده، ينسحب بهدوء متخفٍّ في جلدِ الأسر، دون أي ضجيج، أملس، تتدحرج عنه كلُّ الأماني، متكرراً بألوانه الرمادية، وأحياناً كثيرةً فارغ، بلا معنى، لا شيء يقتل سوى الفراغ الذي يُقلق كل أشواقه المنهكة، فكلُّ يومٍ صار اختراعاً وهميّاً جديد، يقتاتُ به حتى المساء، يعجن وحدته بيديه ليجعلها خُبزهَ الصباحي التالي.
نغماتٌ قيثاريةٌ سماويةٌ تعزفُ ألحاناً قادمةً مِنْ هناك، مما تبقى من بحيرة الذكريات وأحلام الغد، من خلفِ كلِّ معلوم، من وراء الأسوار العالية التي لا يعرفها إلا من كابَدَ الشوق، وتجرّع الحرمان، ومَن ظللّته غيماتُ الغربةِ الداكنةِ حتى صارت متلازمته اللحظيّة، فكم يُصبح لذيذاً استحضار التفاصيل الصغيرة، وكم تعمل أحلامُ الرجال في إيقاظِ الأشياء الغافية من غفوتها، محبوبَتَه، وجوهُ الناس، أضواءُ الأشياء، والأحلامُ المرتعشة، كلُّها تتجمّعُ على وسادته المرهقة، لتشوه وجهها الناعم بالحنين، تبعثُ في خيوطها برودة الخذلان المشحوذ كسكين، في قلب الحالمين بوطن.
فكلُّ ليلةٍ يجمعُ أفكارهُ ويحرقها بالوهم، لتبقى حرارةَ الأملِ متقدّةً بالدفءِ والطُمأنينة، وبأن في آخر هذا الظلامُ السَّرمدي، ثمّةَ أملٌ سيجيءُ به الصباحُ القادمُ حتماً، في قلوبِ الثائرين، يُشعلُ شموعَ النصر، وحبُ الحياة.

 

بقلم الأسير الرفيق: باسل الأسمر