الأسير الصحفي الرفيق منذر خلف مفلح من قلب زنزانته يكتب

دراسة بعنوان، "نظرة على نتائج الانتخابات الإسرائيلية"، بقلم الأسير منذر خلف

2de7d297b34d817cc288a9385ed6840b

نظرة على نتائج الانتخابات الإسرائيلية، بقلم الأسير الصحفي منذر خلف

1- اندحار اليسار، ورسوخ اليمين :-

في بداية القول نود التأكيد على عدم وجود إمكانية حقيقية للحديث عن يسار حقيقي في دولة "إسرائيل"، باعتبار أن الحراك السياسي والإجتماعي، والأحزاب مسقوفة بالفكر الصهيوني، هذا الفكر الذي أسس لاحتلال فلسطين وارتبط بالاستعمار، وأقام مجتمع المستوطنين في فلسطين، ومارس هذا الفكر الاستيطاني الاستعماري ولا زال يؤكد عليه.

   ولكن من طبيعة الأشياء والأحوال،الميل نحو التصنيف، وبما أن هنالك انقسامات حادة في "إسرائيل"، وربما كي نؤسس لمفهوم يسار حقيقي.

       لقد أسست الحركة "الاشتراكية" الصهيونية، دولة "إسرائيل"، باعتبار أن "الاشتراكية" قادت الحركة الصهيونية، في مرحلة مهمة من مراحلها وخاصة "بن غوريون"، الذي أصر على أن يكون تأسيس "اليشوف"، القاعدة المادية لبناء الدولة، على أسس اشتراكية، ورفض المبدأ الرأسمالي ونظام السوق الحر، وذهب نحو تبني سياسات "دولة الرفاه"، لأن الحديث في تلك المرحلة يدور عن حالة تضامن لبناء الدولة، دولة تسعى لمساعدة المستوطنين، وتلتزم معهم على قاعدة أيديولوجية من احتلال الأرض، واحتلال العمل وعبرنته، لبناء المستوطن "الكيبونس - واليشوف"، وأسس بناء الأمة اليهودية ومؤسساتها الدولانية من خلال الحركة الصهيونية، الهستدروت، الهاغناة، وغيرها من المؤسسات،هذا من ناحية.

         ومن ناحية أخرى، كانت الحركة الصهيونية تهدف لاستقطاب فقراء اليهود في أوروبا، وكذلك ماسميّ " ثورتي الأحزاب الاشتراكية في أوروبا"، وروسيا حيث شكلوا النواة الأساسية للهجرات، وأيضًا شكلوا البناة الحقيقيين للدولة، يضاف لذلك الاستفادة من الارتباط مع الحركة الاشتراكية الأوروبية، وتجربتها...إلخ.

وبناءً على ما تقدم فقد بُني ما يسمى ب" اليسار الصهيوني" دولة إسرائيل وعملت لاحتكار السلطة فيها من خلال حزب "الممباي"، والذي استمر يحكم دولة إسرائيل حتى العام 1997م، وهو العام الذي قرّر فيه "اليهود الشرقيين" الذين هاجروا الدول الشرقية والعربية معاقبة حزب الماباي، هؤلاء الشرقيين الذين أسست العنصرية الصهيونية لوجودهم في دولتها باعتبارهم "فقراء إسرائيل"، أي القاعدة الاجتماعية لأي يسار حقيقي، وفي ذات الوقت أُسست للسيطرة على اقتصاديات الدولة الناشئة من خلال الغربيين.

لقد عاقب الشرقيين حزب "العمل" المسيطر على مؤسسات اليشوف، ولاحقًا مؤسسات الدولة على سلوكه تجاههم، ورفضًا لسياسة بوتقة الصهر، وسياسات الاستيعاب، والتنشئة الاجتماعية، وفرض ثقافة الاشكنازية "الغربية" على الطوائف الأخرى، وذلك تكريسًا للنهج العنصري الصهيوني تجاه الشرقيين وغيرهم، بما يسمى من خلال "آباء الصهاينة"، وتحديدًا "جابتنوسكي" الذي دعا إلى كنس روح الشرق من دولة إسرائيل، لتعود جزءً من أوروبا، وهو ما أسس للانفصال الأول أو المرحلة الأولى من سقوط منظومة اليسار المهيمنة المتحالفة مع الثقافة اللاتينية الغربية أو الانفصال ما بين اليسار وقواعده الاجتماعية المفترضة.

لقد شكل العام 1967م، حدثًا مفصليًا مؤسسًا لنهوض اليمين مقابل اليسار، حيث انتصرت إسرائيل على العرب، وحققت نجاحًا أيهر العيون وأكّد مشروعية الدور الوظيفي لإسرائيل بالنسبة للغرب، مما جعل كلًا من اليسار واليمين الذهاب خطوات للأمام في تكريس الاحتلال والبدء بعملية استيطان واسعة في الأراضي المحتلة عام 1967م، مما عزّز الأفكار الصهيونية اليمينية القائمة على فكرة الدين والقومية، الصهيونية الدينية القومية التي لم يكن لها دور في بناء الدولة، وهو ما جعلها تتمسك بالاحتلال باعتبار الدوره الثانية في بناء المستوطن على جغرافيا "أرض إسرائيل القديمة"، مما زاد منسوب التيار الديني اليميني، يضاف لذلك هزيمة 1973م، التي حدثت في ظل حكم اليسار، وعلى ذلك نهض اليمين بفعل السياسات العنصرية تجاه اليهود الشرقيين، وبذلك سياسة الاحتلال ضد الفلسطينيين، والسياسة العدوانية ضد العرب التي أسست لهزيمة 1973.

لقد أدى كل ذلك لإطلاق اليمين القومي من عقاله على حساب الأفكار العلمانية، و"الهوية الإسرائيلية الحديثة" كنتاج لعملية الصهر، وما تبعه من عملية استيطان أعطت الصهيوينة الدينية، مدخلًا لإعادة الاعتبار لذاتها في الدولة على حساب اليسار الديني للدولة، وهو ما أسس أيضًا لفقدان "اليسار الصهيوني" لضرورات وجوده الاجتماعية في المجتمع الاستيطاني، الذي يستتر بالأيدولوجيا القومية والدينية لاستمراره، وهو ما ركّز فعل اليمين في المجتمع والدولة، خاصة تحت وقع سياسة الحفاظ على اتفاقية الوضع الراهن التي وقعها بن غوريون مع المتدينين والتي عملت على إيجاد سياسة توافقية ما بين الدين وعلمانية الدولة.
وهذا ما اعتبر المرحلة الثانية من الانفصال ما بين اليسار وقواعده.

       أما المرحلة الثالثة من الانفصال ما بين اليسار وقواعده، فقد أسست لها التحولات في الثمانينيات والتسعينات من القرن الماضي، حيث أعيدت هيكلة الاقتصاد الإسرائيلي على قاعدة السوق الحر والسياسات النيوليبرالية، وتبلور القيم المعولمة، وخصخصة مؤسسات الدولة ، التي استمرت منذ ما قبل الدولة وقامت على رؤية بن غوريون السالفة الذكر وسياسات دولة الرفاة، مما جعل الطبقات الدنيا، جزء أساس من الطبقة الوسطى تتخلى وتنفصل عن "اليسار اليهودي"، فقد أدت السياسات الجديدة أيضًا والقيم المعولمة لانتاج انتماء جديد فردي أنهى القاعدة الاجتماعية للكيبوتس واليشوف، بمعنى إعادة تعريف الصهيونية على أساس ديني قومي.

في حين ظهرت أصوات جديدة منادية بنقص أسس الصهيونية، فيما سمي بتيار ما بعد الصهيونية، وهو ما  أعاد للصهيوينة تململها للدفاع عن نفسها في إطار ديني، في إعادة تعريف هوياتي جديد، أسس لفقدان الفكر اليساري وبهتان دوره كما ذكر "إيلان بابي"، ويضاف لذلك التحولات العالمية المتمثلة بسقوط الاتحاد السوفييتي والمنظومة الاشتراكية، ورسوخ أمريكا كقائد أوحد للعالم، ومحاولة إسرائيل وساساتها التناغم مع هذا الحليف الدولي مما جعل المجتمع والساسة يتماهون مع الأفكار الليبرالية، ونهاية التاريخ، وحيث جاء ذلك مترافق مع الحلم الصهيوني في الأساس بجمع الشتات، والذي عبّر عن نفسه بهجرة "مليون روسي إلى إسرائيل"، وهو ما عزز القواعد اليمينية على أساس "اليسار".

وعلى ذلك فقد أصبحت مدينة "تل أبيب" الليبرالية في قيمتها هي معقل اليسار الجديد، والتي تعرف باشكنازيتها وقيمها الغربية أيضًا، في حين أن الهوامش والضواحي التي توزع بها الفقراء من الروس والشرقيين والعرب معاقل لليمين والمستوطنين، يضاف لذلك تحول اليسار، نحو اليسار السياسي من خلال اتفاقية "أوسلو"، وما رافقته مما سمي بتنازلات وتحولات في "الخطاب اليساري الصهيوني"، أدت لتقديم تنازلات في ما سمي ب"أرض إسرائيل الكبرى"
وتحول الجدال والخطاب السياسي لمضمون ديني عزز اليمين، وأفقد اليسار من فحوى محاججاته الصهيوينة والدينية، مما أسس لاتهام اليسار بالخيانة، وأسس أيضًا لاغتيال "رابين".
لقد أدت التطورات السابقة لحالة ظهر معها إمكانية عودة اليسار، ولكن اليمين قد أجهز على هذا اليسار تقريبًا في إطار التطورات السابقة.

لقد أسست الانتفاضة الثانية 2000، للمرحلة الرابعة من هدم "المفهوم الصهيوني لليسار"، حيث أسست لهزة عنيفة داخل المجتمع الصهيوني على المستوى الأمني والسياسي، وقد رفع اليمين الستار الوجودي من جديد، من أجل تعزيز الخطاب الهوياتي الديني في مواجهة الخطاب اليساري الداعي للسلام والذي كانت ثمرته الانتفاضة 2000 تحت وطأة العمليات الاستشهادية، حيث أجهزت على خطاب السلام واليسار السياسي الذي راج في تسعينيات القرن الماضي، وهو ما أجبر اليسار على التخلي عن خطابه ومحاولة تقليد الخطاب اليميني ذاته، مما أفقده الثقة بنفسه، وأفقد جمهوره ثقته به، وتتوج ذلك بثورات الربيع العربي، وسيطرة الأصوليين الإسلاميين على مواقع مهمة في الصراع، ورفع شعارات الحرب الدينية بعد العام "2001م، أحداث سبتمبر"، مما رفع منسوب الخطابةاليميني على مستوى العالم والمنطقة، وبهذا فقد تم محاصرة اليسار اجتماعيًا وسياسيًا وطبقيًا واقتصاديًا وثقافيًا.

تعتبر المرحلة الخامسة، المرحلة الحالية، مرحلة رسوخ اليمين بشكل فعلي، وغياب اليسار الذي يحاول إعادة تعريف هويته التي تبقى دومًا منقوصة في الإطار الصهيوني، مما يجعله صورة باهتة عن اليمين أو اليمين الوسطي في أحسن الأحوال، فقط للمنافسة على أصوات اليمين في إطار نحو المجتمع الإسرائيلي نحو اليمين، لما عدم ضرورات وجود هذا اليسار في مثل هكذا ظرف، تزامن ذلك مع حالة الانعدام السياسي والثقافي لوجود اليسار، وقد ترسخ مفهوم اليمين حيث الأخير نجح الأخير في تكريس حالة من الصراع الوهمي ما بين إسرائيل الدولة الدينية اليهودية النقية في مواجهة الخطر الديموغرافي الفلسطيني، والحرب الدينية على مجموعات إسلامية ودول ذات طابع ديني "إيران"، مما جعل المجتمع الإسرائيلي يعيد تأكيد هويته كدولة يهودية دينية، تجلت في قانون القومية، في حين لم يستطع "اليسار الصهيوني" الدفاع عن علمانية الدولة ومواطنيها.

2- هل من مسار لوجود يسار في إسرائيل؟

إن مفهومي اليسار والصهيونية كفكر عنصري -لقد اعتبرت الأمم المتحدة الصهيونية حركة عنصرية في قرار صادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة 1975م- لا يمكن أن يلتقيا، وبهذا فإن إيجاد يسار في إسرائيل مرهون بمسار من إعادة التعريف ويتطلب :-

1- تخلي اليسار عن صهيونيته، ورفع شعار الهوية أو المواطنية الإسرائيلية ودولة لجميع مواطنيها والاعتذار للسكان الأصليين عند الاحتلال، وبهذا يعود مفهوم اليسار للتوافق مع قواعد اجتماعية في دولة إسرائيل، أو دولة مواطنيها.

2- تخلي أحزاب اليسار الصهيوني عن اشكنازيتها، وتقديم الاعتذار عن السياق الأليم الذي استخدمه " الممباي، العمل" وغيره، ضد الشرقيين تاريخيًا.

3- تتبنى سياسات هوياتية جماعية النزعة تشمل كافة الهويات الشرقية، الروسية، الإثيوبية، العربية، باعتبارهم الفئات الدنيا ويمثلون الطبقة الشعبية قي إسرائيل، أو القواعد الإجتماعية والثورية لأي يسار.

4- رفع خطاب اجتماعي - اقتصادي - إصلاحي يؤسس للمساواة والتوزيع العادل للثروة بما يشمل العرب الفلسطينيين والشرقيين، والدعوة لدمجهم في الحيز العام الإسرائيلي بشكل فعلي.

5- العمل ضد قانون القومية، وبناء أسس لمفهوم مواطنة حقيقية في إطار دولة كل مواطنيها.

5- رفع خطاب سياسي واضح يطالب بالانفصال التام عن الفلسطينين من خلال دولتين لشعبين على أساس 1967م، والتخلي أو رفع الصوت عاليًا ضد الاستيطان.

إن الخطوات السابقة تؤسس لإعادة اليسار لحيزه الاجتماعي، حيث تعتبر إسرائيل كدولة في الشرق، وتحوز على أعلى مستوى اقتصادي، وفيها أكثر الساسة تجاه خطاب الهويات، والصدوع وكذلك التمايز الطبقي، تؤسس لاعتبارها مجتمع ثورة لليسار فيه دور مهم جدًا، إذا ما تبنى الأسس السابقة وعمل عليها، والعمل على إعادة تطبيع الدولة في واقعها الشرقي، بمعنى المراجعة الحقيقية لكل الأسس الصهيونية، التي قامت عليها إسرائيل، والتي بجد تحولت لحمار "المسيح" الذي امتطاه ويمتطيه اليمين في سياساته المتطرفة، والتي ستودي بإسرائيل وبجزء من المنطقة إلى الهاوية مستقبلًا.
 

3- "إسرائيل الدولة الدينية اليهودية، واليمين، والمطلوب فلسطينيًا :-

إن ارتهان الأحزاب الإسرائيلية للقيم الصهيونية، يفقد اليسار الصهيوني، ضرورات وجوده ويحوله لصيغة مخففة من اليمين، وهو ما تحدث عنه "أيمن عودة" رئيس القائمة العربية المشتركة بعد الانتخابات 2020، فلا يمكن خوض انتخابات ما بين يمين، وصورة عن اليمين وتوقع الفوز، لقد انخفضت مقاعد اليسار بعد تجمع أقطابه، ميرتس، العمل، غيشر، بسبب تراخي بيئتهم العالية، فقد اعتبرت دومًا "أورلي ابوكسيس - ليفي" يمينية وهي قائدة حزب غيشر، والتي تعمل بعد فوزها للانشقاق عن الائتلاف والارتباط بالليكود الذي أوكلها منصبًا في وزارة مهمة، وضمان ترشح والدها "دافيد ليفي" "القطب السالب في حزب العمل" كرئيس للدولة، وكذلك اعتبار حنب العمل المضطهد التاريخي للشرقيين، وغيشر وزعيمته ابنة الزعيم ليفي المرتبط بالعمل التي استخدمت لاضطهاد الشرقيين والذي قام الشرقيين بمعاقبته عام 1977م، يلاحظ مثلًا أن حركة "شاس" التي تأسست العام 1984م كحزب شرقيةبعد حركة "تامي" عام 1981م، امتداد للنضال الشرقي بحسب "سامي سموحة" ضد السياسات الموجهة تجاه الشرقيين ثد ازداد عدد مقاعدها نتيجة أو على حساب تيار اليسار، وكذلك الأمر ازداد التصويت لليكود اليمين، وبدلًا من التصويت الصورة الباهتة لليمين "أزرق - أبيض".

في ظل الصورة الحالية، لا يوجد ما يسمى "شريك للسلام" في الجانب الصهيوني، بل أن ما سمي بالسلام وخيار المفاوضات قد أجهزت عليه أمريكا، "صفقة القرن"، إلا إذا إرتأت في لحظة ما من "التجلي البرغماتي"، أن تعود "القيادة" الفلسطينية للمفاوضات، صحيح أن هنالك مثقفين ومفكرين وحركات، وأصوات يسارية، تدعو للانفصال عن الفلسطينيين، وحل الدولتين تحت الضغط الديموغرافي، والحفاظ على نقاء الخير العام للدولة اليهودية، أو ضمان الأغلبية اليهودية، وعلى ذلك فإن "اليسار" الصهيوني " ينطح" رأسه بحائط الصهيونية، ويفشل في إعادة تعريف نفسه وربما تحت شعار "تعريب اليسار، ويسرنة العرب" أو شرقنة الاثنين، ترفض إسرائيل تعريف ذاتها بأي شكل من الأشكال إلا باعتبارها دولة يهودية وغربية أوروبية، وعلى ذلك فإن اليسار عليه أن يتخلى عن صهيونيته مرةً تلو الأخرى.

في الختام، إن الدعوة لتخلي اليسار عن صهيونيته تعني تخلي جزء من الصهاينة عن هويتهم الأساسية "الدينية اليهودية" وهو ما لم يحصل على مر التاريخ وعلى ذلك فإن الدعوة للسلام، وتطبيع بعض الشخصيات والأفكار الصهيونية باعتبارها مسالمة، لا يخدم القضية الفلسطينية، ولا يخدم السلام، فقد أكد مثلًا "بيريس" حمامة السلام الإسرائيلية، أن السلام يأتي من خلال القوة، والقوة فقط، وهو ما يسمح بتسرب الدول العربية هرولةً نحو التطبيع مع "إسرائيل" على اعتبار أنها دولة قابلة للتطبيع في الحيز العربي، ولاحقًا تهميش القضية الفلسطينية وازاحتها عن مركزيتها لصالح صراعات أخرى "إيران - إسرائيل"، وهو فعلًا ما حصل وتتوج بإعلان صفقة القرن، والتهديد بتطبيقها.

لقد أثبت اليمين وجوده، ورسخ ذاته في إسرائيل، وهو الحاكم اليوم وغدًا ولا خطر أن الفكر اليميني هو الذي يصول ويجول في المجتمع الإسرائيلي، ولا وجود لفكر يساري علماني، هذا اليمين صاحب فكرة السلام القائم على القوة، والجدار الجديد "جابتونسكي - بن غوريون"، وشعارات القوة الساحقة وقوة الدروع، وكي الوعي...إلخ من اشعارات لمفهوم القوة التي تساوي السلام، حسب العقيدة الأمنية والعسكرية الإسرائيلية.

   وعلى ذلك فإن أية سياسات تقوم على استجداء السلام، ومطاوعة المجتمع والسياسة الفلسطينية لمتطلبات هذا السلام، لا يحقق، ولن يحقق أي نتائج مستقبلًا، خاصة ً في ظل تغول الاستيطان، والاستمرار بسياسة الاحتلال، ضم غور الأردن، شرعنة الاستيطان، وصفقة القرن الأمريكية، والعجز الأوروبي، والضعف العام لسياسات روسيا والصين تجاه أمريكا وإسرائيل، وهرولة العرب نحو التطبيع، وانهيار الدول العربية.

صحيح أن ما سبق يؤسس لانهيار ميزان القوى، ولكن الدرس الأول في أية استراتيجية تؤكد أنه ليس على الضعيف أن يفاوض بل عليه أن يصمد، وليس عليه أن يناور بل عليه أن يعزز عوامل قوته، بمعنى تركيز عناصر القوة فلسطينيًا وعربيّا، مستندة لاستراتيجية مقاومة موحدة ذات طابع واضح، وأدوات واضحة وتكتيكات متفق عليها، وأهداف قابلة للتحقيق، مستندة لعناصر القوة العربية والفلسطينية والدولية وآخدة بعين الاعتبار عناصر وعوامل الضعف، فالمطلوب إنهاء الانقسام في عملية تجميع لعناصر القوة الفلسطينية، وهنا أود التأكيد على نقطة مهمة هو أن هنالك عناصر قوة متفرقة لدى الفلسطينيين في غزة والضفة، ولا يوجد انقسام، فلسنا مضطرين للارتهان لجغرافية أوسلو، وذلك أن الشعب الفلسطيني أكبر من ذلك في الداخل 1948م والشتات، وغزة والضفة، وبهذا فإن تكريس حالة المقاومة في غزة وتعزيزها بمقابل تعزيز السلطة في الضفة واعتبارها أداة ثورية، وسلطة صمود، واخراجها من الحيز أو الدور الوظيفي "الأمني" كما هدد أبو مازن سابقًا، هو من يعيد ترتيب أوراق القوة لدى الشعب الفلسطيني، وليس الحديث عن إنقسام.

    ستصبح صفقة القرن هي السقف لأي فعل سياسي ومفاوضاتي مستقبلًا، خاصة إذا ما جاءت نتائج الانتخابات الأمريكية متوافقة مع نتائج الانتخابات الإسرائيلية، "إعادة انتخاب ترامب"، وبهذا فإن المطلوب فعل فلسطيني يعيد صياغة الأوراق وترتيبها لفرضها على مجريات الأحداث في قادم الأيام.
 

المراجع :
1- زئيف سترينهل، الأساطير المؤسسة لإسرائيل، ص197
2- المرجع السابق، ص198
3- نبيه بشير، جدلية الدين السياسي في إسرائيل، صفحة 15، ص16
4- المرجع السابق، ص 14
5- مهند مصطفى، المستوطنون من الهانش إلى المركز، ص 32
6- ماجد الحاج، الشتات الروسي في إسرائيل،ص190
7- مهند مصطفى، جدلية الدين السياسي، ص15

بقلم الأسير الصحفي: منذر خلف "مفلح".