تقرير إعلامي حول الحياة الثقافية في السجون، بقلم اللجنة الإعلامية والثقافية لمنظمة الجبهة الشعبية في سجون الاحتلال

الحياة الثقافية في السجون ميدان آخر من ميادين المواجهة

eDvdW

تقرير إعلامي حول الحياة الثقافية في السجون

"الحياة الثقافية في السجون ميدان آخر من ميادين المواجهة"

 

يدرك الفلسطينيون جميعاً ما هو السجن ولا يكاد يخلو بيت أو أسرة فلسطينية إلا واعتُقل أحد أفرادها على الأقل حتى بات السجن مُكوّن من مكونات حياة الفلسطيني الاجتماعية والنفسية والثقافية والوطنية وبات السجن حاضراً في وجبة الطعام وفي تعليم الأبناء والزواج والتربية في الوعي الجمعي الفلسطيني، يعتبر السجن ليس محطة لاختبار الرجال فحسب وإنما أيضاً المكان الأكثر ملاءمة لصقلهم وتربيتهم وتثقيفهم وإعدادهم للمواجهة من جديد، ولم تقتصر التجربة الاعتقالية على الشباب والرجال فحسب وإنما شملت أيضاً الفتيات والنساء وكبار السن والأشبال حتى صار السجن واحداً من الأماكن الذي يخوض الفلسطيني نضاله في سبيل الحرية والبقاء.

 

- ثقافة الأسر المقاومة:

منذ أن شرع شعبنا في مواجهة المشروع الصهيوني وإقدام أبناءه ما فتأت تعرف السجون، في فترة الاحتلال البريطاني، دخل الآلاف من أبناء شعبنا السجون مُعبرين عن مقاومتهم للاحتلال والمشروع الصهيوني واعتبروا السجن محطة نضالية، وتجسدت ملامح بطولية بعد أن سيق العشرات إلى المشانق وهم ينشدون للوطن ومن يومها بات يُعرف السجن مكان لاختبار الإرادة الفلسطينية المناضلة في سبيل حقها بالحياة، وبعد أن أقيمت دولة الكيان عام 1948م وطوال عقدي الخمسينات والستينات بطشت قوات الاحتلال ونكّلت في شعبنا في الداخل الفلسطيني فكان يُحاصر الكلمة والموقف وبيت الشعر والأهازيج الوطنية واعتقل المئات والآلاف وزجّ بهم في سجونه، ولكن الأسر لم يكسر هامة الفلسطيني فأنجبت السجون في تلك المرحلة الشعر والأدب المقاوم فكان محمود درويش وسميح القاسم وتوفيق زيّاد وغيرهم بقصائدهم وقصصهم وأدبهم المقاوم الذي وصل إلى كافة أرجاء المعمورة.

غير أنّ الحركة الأسيرة بمنظومتها الثقافية المقاومة بدأت عملياً بعد الاحتلال عام 1967م وافتتاح عشرات السجون الصهيونية بعد أن رفض شعبنا الاستسلام وأطلق ثورته في وجه الاحتلال ليتعاقب على ميادين الأسر مئات الألوف من أبناء شعبنا طوال أكثر من نصف قرن وقد حاول السجان قتل إرادة الفلسطيني فكان ان استنفرت الإرادة الفلسطينية للدفاع عن ذاتها وإعادة تشكيل ميدان الأسر كأحد الميادين الهامة في المقاومة، فكانت الجلسة الثقافية التعميم والكتاب والكبسولة والأعراف والتقاليد والدورات الكادرية الثورية وبرامج محو الأمية والتوجيهي وصولاً إلى التعليم الجامعي حتى غدت ميادين الأسر تُخرّج عشرات الألوف من المناضلين الذين أعاد الأسر تشكيلهم وصقل شخصياتهم فتخرّج المثقفين والأدباء والشعراء والروائيين والسياسيين وحملة شهادات والكادرات التنظيمية والوطنية وغدا المتحرر من الأسر في عيون الفلسطينيين هو ذاك الشاب المثقف والمميز والكادر الشريف والنزيه وساهمت هذه الثقة بتخريج وتصليب آلاف المناضلين الذين انخرطوا مُجدداً في النضال وواصلت الطريق فكانت العقود الأولى من عمر الحركة الأسيرة شاهدة على مرحلة ذهبيّة في ثقافة المقاومة ونابضة بالحلم والأمل والأخلاق الثورية.

 

- عملية التسوية وأثرها على ثقافة الأسر:

أدّت عملية التسوية التي انطلقت في بدايات التسعينيّات من القرن الماضي إلى انقسام في الحركة الأسيرة الأمر الذي عكس نفسه سلباً في الحياة الثقافية في السجون وتراجعت عمليّة التعبئة وقادت إلى تراخي مكونات الحركة الأسيرة بعد تحرر الآلاف من الأسرى وبعد دخول مفردات جديدة لم تعهدها السجون كـ "السلام والتعايش" وهو ما أدى في النهاية إلى ترهّل في لغة وخطاب وثقافة الأسر المقاوِمة لصالح ثقافة جديدة وتعبئة جديدة لدى البعض، فيما حافظت بعض الفصائل الوطنية على برنامجها التعبوي بحدوده الدُنيا.

ومع انطلاق الانتفاضة الثانية ودخول عشرات الآلاف من الأسرى إلى السجون أُعيد الاعتبار تدريجيّاً للحياة الثقافية التي من شأنها أن تسمح بتصليب وتعبئة الأسرى وإعدادهم لمواجهة إجراءات السجان واستعادة دور ميادين الأسر كساحة مواجهة فضلاً عن تأهيلهم وتعبئتهم بالقيم الوطنية والتربوية الثورية لضمان انخراطهم مرة أخرى في العملية النضالية بعد تحررهم من الأسر.

وقد واجهت الحركة الأسيرة الفلسطينية في العقدين الأخيرين سلسلة من الإجراءات والسياسات التي اتخذتها مصلحة السجون كنشر الثقافة الاستهلاكية وتشجيع الخيارات الذاتية وتفتيت الحركة الأسيرة وتحويل السجون إلى إقطاعيات خاصة تقوم على الأساس الشللي والبلدي إلخ.. وغيرها من السياسات.

إلّا أنّ الأسر رغم كل التحوّلات بقي ساحة مواجهة وإعداد، وحافظ العديد من فصائل العمل الوطني والإسلامي على برامجها التثقيفية والتربوية واهتمام بالتعليم الجامعي وتشجيعه وتنظيم المكتبات ورفدها بالكتب وتنظيم الدورات المختلفة التي كان لها دور في حساب الأسير الفلسطيني لخبرات ومهارات قيادية وإدارية وثقافية ونضالية مختلفة.

 

- كيف تستعيد الحركة الأسيرة دورها في ثقافة المقاومة:

استطلعت اللجنة الإعلامية آراء عشرات الكادرات الوطنية في السجون واستخرجت آرائهم حول إمكانية استعادة الحركة الأسيرة لدورها الريادي في معركة التحرر الوطني وقد أجمع الجميع أنّ ثمّة علاقة مهمة وجدلية بين الداخل والخارج على هذا الصعيد، فالحركة الأسيرة في الداخل مُلزمة باستعادة دورها في حماية الثقافة الوطنية وتعزيزيها وتطويرها لتبقى صمام أمان وحلقة مُتقدمة في النضال الوطني من خلال عدة وسائل أهمها:

  1. إنهاء حالة الفصل القائمة وتعزيز الوحدة الوطنية والاعتقالية ومُجابهة سياسات مصلحة السجون.
  2. استعادة البرامج التثقيفية ذات الطابع التعبوي الثوري المقاوم وتطويرها بما يسمح بتخريج كادر يعي دوره في معركة التحرر الوطني.
  3. الاستمرار في البرامج الثقافية والأكاديمية والدورات الكادرية كدورات محو الأميّة والثانويّة العامة وتشجيع التعليم الجامعي وتطويره ورفد المكتبات بالكتب بصورة متواصلة.

وحتى تستطيع السجون أداء دورها ومهمّتها النضالية يتعيّن على الفصائل الوطنية والإسلامية الاهتمام بأعضائها في الخارج قبل اعتقالهم وتعزيز وعيهم الوطني والأمني والسياسي، كما ويقع على عاتق شعبنا ومؤسساته العمل على النحو التالي: -

  1. إطلاق الفعاليات والمؤتمرات الوطنية والثقافية للمساهمة في زيادة الوعي بأهمية ميدان الأسر وضرورة متابعة السجون ومساعدة الأسرى في تذليل العقبات وإنهاء حالة الفصل والانقسام والتشرذم القائمة، والنأي بالخلافات السياسية وعدم تصديرها للسجون.
  2. العمل على تشجيع إبداعات الأسرى الكتابية والأدبية والتعليمية ونشر هذه الإبداعات.
  3. على المؤسسات التي تُعنى بشؤون الأسرى أن تُعيد النظر في آليّة عملها وإيلاء الجانب الثقافي أهمية كبرى، وإعادة النظر في عمل المحامين التابعين لهذه المؤسسات وتفعيلهم بما يضمن أن تكون زياراتهم للأسرى مثمرة وتلتمس احتياجاتهم الثقافية والإبداعية والإنسانية.
  4. إنّ هيئة شؤون الأسرى ووزارة الثقافة ووزارة التعليم العالي يجب أن تلعب دوراً في تطوير الحياة الثقافية في الأسر من خلال إدخال كميات من الكتب النوعية والتعليمية واقتراح برامج جدية من شأنها المساهمة في رفع وعي الأسرى وكذلك تطوير برنامج التعليم الجامعي والمتابعة بجدية لضمان تخرّج المئات على أسس أكاديمية سليمة.

 

-خلاصة:

إنّ حماية تاريخ وتراث وثقافة الأسر واجب وطني يتعيّن على الجميع المساهمة به، لأنّ ثقافة الأسر هي ثقافة مواجهة وتحدٍ يومي لسياسات إدارة مصلحة السجون، وينبغي أن تظل كذلك وتقع المسؤولية على الجميع سواء الأسرى في السجون أو الفصائل والمؤسسات ومُختلف فعاليات شعبنا، فلا يجوز القول أنّ المسؤولية تقع على الأسرى وحدهم في هذه العمليّة، وإنّما ينبغي التكامل في العمل لأنّ معركة التحرّر الوطني تقتضي هذا التكامل.