صفقة القرن "الحلقة الثانية " مشروع للهيمنة على المنطقة العربية

860x484

الحلقة الثانية

صفقة القرن

مشروع للهيمنة على المنطقة العربية

 

لن توفر أمريكا الامبريالية جهداً للهيمنة على إقليم الشرق الأوسط في اطار المنطقة العربية، فهذه المنطقة كما تراها أمريكا مفتاح لتعزيز سيطرتها على العالم، فقد جاءت محاولاتها لإنشاء حلف بغداد في منتصف الخمسينيات خطوة في هذا الاتجاه، لكن تطلعاتها استضمت بالنهوض القومي العربي الذي اسقط هذا المشروع في مهده، فجاءت حرب حزيران عام 1967 لتوفر المقدمات لتحقيق هذا الهدف، فكان الاختراق الاستراتيجي الأول بتوقيع مصر السادات لاتفاقية كامب ديفيد والتصالح مع الكيان الصهيوني، وأصبح توسيع هذا الاتفاق يشمل دول عربية أُخرى عنواناً لحركتها السياسية، حيث توقعت أن تُنجز الاختراق الثاني عبر انضمام لبنان أو الأردن حتى جاء الاجتياح الصهيوني للبنان عام 1982 وتوقيع اتفاق 17 أيار مع حزب الكتائب والقوى لبنانية الانعزالية، لكن هذا الاتفاق لم يصمد أمام مقاومة التحالف لبناني الفلسطيني المُناهض له، حيث تم اسقاطه بعد بضعة شهور من توقيعه، وجاءت حرب الخليج الثانية ضد العراق واخراجه من الكويت وحصاره، مُضافاً لها سقوط وتفكيك الاتحاد السوفيتي والمنظومة الاشتراكية لتوفر مقدمات تحقيق الهدف، ومع الأسف الشديد فإن الاختراق الثاني والنوعي تحقق عبر مسار مدريد أوسلو وتتويج هذا المسار بتوقيع اتفاق أوسلو.

وفي هذا المناخ رفعت أمريكا شعار الشرق الأوسط الجديد الاسم الحركي لمشروعها في الهيمنة على المنطقة العربية، وبعد الحلقة الفلسطينية جاءت الحلقة الأردنية بتوقيع اتفاق وادي عربة الأمر الذي فتح شهية أمريكا لتحقيق إنجازات جديدة، وتوسيع ضغطها وحصارها على كل من العراق وسوريا لاستكمال حلقات هذا المشروع.

واليوم وفي ظل الوضع المُتردي الذي تعيشه المنطقة العربية وتفكيك النظام العربي الرسمي بعد تدمير العراق وتدميره وتفتيت وحدة سوريا وهيمنة أدواتها على مؤسسات القرار العربي الرسمي توفرت الظروف الملتوية لتحقيق هذا الهدف، وبصعود ترامب الى رأس هرم السلطة في أمريكا ضاعف الحراك السياسي الأمريكي لإنجاز هذه المهمة، ومن الطبيعي أن تكون أولى خطواتها هي الانسحاب من الاتفاق الدولي النووي مع ايران، وإعادة العقوبات المفروضة عليها، وممارسة سياسة التهديد والبلطجة ضد الدول المُوقعة على هذا الاتفاق للانسحاب منه، وتفعيل العقوبات الاقتصادية والضغط على الشركات الدولية لإجبارها على وقف تعاملها الاقتصادي معها، فهذه الخطوة هي المدخل لتحقيق تحالف عربي صهيوني لمواجهة ايران، وبالتالي التطبيع العلني الشامل لعلاقات هذه الدول مع الكيان الصهيوني.

فهرولة العديد من الدول النفطية في  الخليج العربي لممارسة هذا التطبيع تحت شعار "مواجهة الخطر الإيراني" العدو الوحيد للأمة العربية، ومن الطبيعي أن تُشكل المبادرة العربية مدخلاً لهذا التطبيع، وقلب معادلة هذه المبادرة لتصبح التطبيع هو المدخل لحل الصراع العربي الفلسطيني، ومن الطبيعي أن تُقدم إدارة ترامب العديد من الحوافز للكيان الصهيوني لإسقاط تحفظاته على الحراك السياسي الأمريكي في المنطقة، فقام بنقل السفارة الأمريكية الى القدس والتأييد لضم الجولان السوري المُحتل، وفيما بعد ضم مناطق الاستيطان في الضفة الفلسطينية، واسقاط صفة المنطقة المحتلة على الضفة عموماً، والاعلانات الامريكية لم تغدو فعلياً سوى تشريع للإجراءات التي نفذتها وتنفذها حكومة الاحتلال.

وعليه فان صفقة القرن وان كانت تحمل عنوان حل الصراع العربي الفلسطيني الصهيوني، فهي بامتياز مشروع للهيمنة على المنطقة العربية ومحاصرة محور مقاومة مشروعها، وتعزيز الدور الإقليمي الأمني والعسكري لدولة الكيان الصهيوني وتسيع وظيفته الامبريالية، وبهذا المعنى فان مواجهة صفقة القرن هي واجب قومي قبل أن تكون وطني فلسطيني، لأن أخطارها تشمل كافة أقطار الأمة، وبالتالي فإن واجب شعوب امتنا وقواها السياسية القومية والوطنية التقدمية تحقيق وحدتها، ورفع درجة مقاومتها لهذا المشروع الامبريالي الصهيوني الذي يأتي في مقدمته مقاومة التطبيع العربي الصهيوني ومحاصرة هذا المشروع على طريق اسقاطه، وفتح الطريق لتحقيق أهداف المشروع القومي النهضوي التقدمي العربي وبالقلب منه الحقوق الوطنية لشعبنا الفلسطيني.