صفقة القرن "الحلقة الأولى" حلقة جديدة في المشروع الأمريكي للهيمنة

860x484

صفقة القرن

"الحلقة الأولى"  

حلقة جديدة في المشروع الأمريكي للهيمنة

 

لم يكن انتخاب ترامب رئيساً للوليات الأمريكية حدثاً عرضياً في تاريخها المعاصر، فترامب ينتمي للجناح المتطرف في التيار المسيحي الصهيوني الذي استلهم سياسته في إبادة وتطهير الهنود وقتل  أكثر من 112مليون (سفر يوشع واساطير العهد القديم)، وانتخابه دلاله لاتساع نفوذ هذا التيار داخل المجتمع الأمريكي هذا من جهة، ومن جهة أُخرى انعكاساً لاستمرار الأزمة الاقتصادية التي عصفت بالاقتصاد الرأسمالي في عام 2008 والتي لازالت تداعياتها مستمرة، كما يأتي انتخابه في ظل مناخ اتساع نفوذ الأحزاب الفاشية القومية العنصرية في العالم الرأسمالي، وعليه فإن رفع ترامب لشعار أمريكا اولاً هي محاولة لاستعادة الدور الأمريكي الذي يهيمن اقتصادياً وسياسياً بعد هزيمة الاتحاد السوفيتي ونشوء نظام القطب الواحد وبداية دخول الرأسمالية مرحلة العولمة، وانتعاش الاقتصاد الرأسمالي بشكل غير مسبوق مستفيدة من ثورة الاتصالات التي حولت العالم الى قرية صغيرة، وفي نفس الوقت فتحت أمريكا الامبريالية النار على كل الدول القومية التي تتعارض سياستها الداخلية والخارجية مع ضرورات الانفتاح الاقتصادي العالمي لتحطيم كافة العوائق التي تعترض حرية التجارة والنهب الامبريالي.

وكانت يوغسلافيا هي البداية، تم تفكيكها الى عدد من الدويلات التابعة والملحقة لسياستها الامبريالية، والعراق في المنطقة العربية، وفيما بعد أفغانستان بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، بالإضافة الى إعادة الحاق كل دول المحيط التي دأب أغلبها الى تكريس استقلاله القومي والاقتصادي، لكن هذه النجاحات لم توفر لأمريكا هيمنتها المُطلقة على النظام الدولي الجديد، فطبيعة المُنافسة الكامنة في جوهر النظام الاقتصادي الدولي افرزت تجاه إعادة بناء عالم متعدد الأقطاب يُشارك أمريكا في سياسة النهب، وتسارعت هذه العملية بعد الأزمة الاقتصادية العالمية في عام 2008 واستمرار تداعياتها، حيث توسطت وحدة أوروبا الاقتصادية والسياسية وبناء الاتحاد الأوروبي كقطب منافس، كما برزت الصين كقوة اقتصادية عُظمى تُنافس أمريكا على سيادة العالم والى جانبها روسيا الرأسمالية القومية التي تحاول استعادة الدور السياسي والعسكري للاتحاد السوفيتي السابق.

في هذه الأوضاع الدولية صعد ترامب الى السلطة رافعاً شعار أمريكا أولاً لاستكمال ما شرع به بوش الأب والابن في ثلاثة ولايات رفعت بها أمريكا درجة التوتر وحمى الحرب الى اتساع كوكب الأرض، وعليه فإن تطبيق شعار أمريكا أولاً يعني فتح عدة جبهات في آنٍ واحد تستهدف تقسيم كافة الحواجز التي تعيق الهيمنة الأمريكية المُطلقة على العالم سياسياً واقتصادياً وعسكرياً وثقافياً، بما في ذلك تفكيك كل الأقطاب والتكتلات الدولية السياسية والاقتصادية وفي مقدمتها الاتحاد الأوروبي او اخضاعها وابقائها تحت المظلة الامريكية الامبريالية، وفتح الحرب الاقتصادية وتعديل كل الاتفاقات التي أبرمتها الإدارة السابقة مع الصين، وإعادة اخضاع دول أمريكا اللاتينية التي تمردت على منطقها الالحاقي الامبريالي، واستكمال بناء الشرق الأوسط الجديد وتعزيز دور الكيان الصهيوني وحماية آمنة وتوسيع وظيفته الامبريالية كشريك وحليف سياسي وأيديولوجي، ومحاربة قوى ومحور المقاومة التي تُعيق وتعرقل تحقيق هذا الهدف.

فصفقة القرن وفق هذه المُقدمات والسياسات التي طرحتها شعارات ترامب الانتخابية من شأنها أن تضع العالم ودوله كافة على حافة بركان قد ينفجر في أية لحظة، والعودة الى الوراء لسياسة الحرب الباردة والساخنة.