من خلف القضبان الأسير كميل أبو حنيش يكتب مقالة بعنوان "الكهنستم" ما بين الكهانيون وكهنة السياسة في اسرائيل

"الكهنستم" ما بين الكهانيون وكهنة السياسة في اسرائيل

images

علينا الانتباه إلى أنّ مفهوم "الكهنستم" سيتكرر كثيراً في الأسابيع وربما في السنوات القادمة في اسرائيل ووسائل الإعلام والدوائر الأكاديمية، وهذا المفهوم هو إشارة الي أتباع ومؤيدي "مائير كاهانا"، مؤسس حركة "كاخ" الإرهابية اليهودية، والتي ظهرت في بداية الثمانينيّات من القرن الماضي، وهذه الحركة بأفكارها وممارساتها تُمثّل التيار الأكثر تطرفاً في الصهيونية الدينية، حيث تجمع ما بين العنصرية اليهودية والعنصرية الصهيونية.

ودعت هذه الحركة لاستخدام قبضة حديديّة مع الفلسطينيين واستخدام العنف والإرهاب ضدهم لإجبارهم على الرحيل بالقوة، وتطالب هذه الحركة واتباعها بدولة يهودية خالية تماماً من العرب وتجاهر بعنصريتها ضد العرب وضد كل من هو غير يهودي، كما وترفض الطابع العلماني للدولة وتدعو صراحةً إلى إقامة الدولة الدينية وإلغاء أي مظهر ديمقراطي أو ليبرالي في الدولة.

وقد وُلد من رحم هذه الحركة في الثمانينيّات التنظيم السرّي اليهودي الذي ارتكب سلسلةً من العمليات الإرهابية أبرزها استهداف بعض رؤساء البلديات في الضفة وزرع قنابل بالحافلات والمدارس العربية ومجزرة بالحرم الإبراهيمي بالخليل التي ارتكبها "غولد شتاين" عام 1994.

ولقد رفضت محكمة العدل العليا في بدايات الثمانينيّات طلب الحركة بالترشح للانتخابات بوصفها حركة ترفض الطابع الديمقراطي للدولة وتُعبّر في خطابها صراحةّ عن عنصريتها المكشوفة تجاه العرب.

وبعد مقتل كاهانا في نيويورك عام 1990، لم تضعف هذه الحركة بل تزايدت أعداد أتباعها المنتشرون في مستوطنات الضفة، واليوم يُعبّر عن هذه الحركة وأيديولوجيّتها أتباع حركة "أوتسما لاسرائيل" ومن أبرز قياداتها "بنئاري" و"باروف مارزيل" والمحامي العنصري "ايتمار بن جادير"، ويتبع لهذه الحركة عشرات الألوف من المستوطنين وتعتبر عصابة "تدفيع الثمن" "تاج ماخير" أهم أذرعها الميدانية ويُنسب لهذه العصابة عدد من العمليات الإرهابية والأنشطة التخريبية ضد الفلسطينيين في السنوات الأخيرة أبرزها حرق الفتى "محمد أبو خضير" وإحراق عائلة "دوابشة" وإلقاء الحجارة على السيارات التي أودت على سبيل المثال بحياة الفلسطينية "عائشة الرابي"، واجتثاث أشجار الزيتون المثمرة وإطلاق الخنازير البريّة في جبال الضفة وإحراق عدد من المساجد والكنائس وإعطاب عجلات السيارات والحافلات الفلسطينية في القدس وفي العديد من قرى الضفة، ولا يكاد يمر يوم بدون أي نشاط تخريبي لهذه العصابة التي تتشبع بأفكار كاهانا العنصرية.

وتحاول المؤسسة الصهيونية الرسمية النأي بنفسها عن هذه الممارسات وتلاحق نظرياً هذه العصابات، ولكن لأنّ الدولة وأحزابها ومؤسساتها تتقنّع بقناع ديمقراطي ليبرالي لا تلبث أن تنزع قناعها أثناء الأزمات فينكشف وجهها العنصري الذي لا يُميّزها عن أتباع كاهانا، فتغدو كافة الألوان الأيديولوجية والسياسية متشابهة في صدام الفاشية الصهيونية.

فقبل الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة التي جرت في نيسان الماضي وفي أعقاب تفكّك حزب "البيت اليهودي" خشيَ نتنياهو أن يخسر معسكر اليمين بضعة مقاعد من شأنها أن تُشكّل عائقاً أمام تشكيله للحكومة، فتسارع بالضغط على ما تبقى من حزب "البيت اليهودي" بالتحالف مع أتباع كاهانا وبالفعل حدثت هذه الوحدة والتحالف بين "البيت اليهودي" وحركة "اوتسما لإسرائيل"، إلا أنّ المحكمة العليا لم تسمح لممثل حركة "أوتسما لإسرائيل" بنئاري بالترشح للانتخابات فيما سمحت لقيادي آخر بالحركة إيتمار بن جادير الذي لا يقل عنه عنصرية بالترشح لهذه الانتخابات.

ويُعتبر إيتمار بن جادير من القيادات الأكثر تطرفاً في هذه الحركة وهو يعمل محامياً ويترافع بالمحاكم عن أفراد عصابة "تدفيع الثمن" الذين دأبوا على العمليات سالفة الذكر، ولا يتردد عبر وسائل الإعلام بإطلاق التصريحات العنصرية، ومؤخراً حجبت الفيس بوك صفحته بسبب تصريح عنصري أدلى به وهذا التصريح "إنّ مقتل ألف فلسطيني لا يساوون شعرة في رأس جندي إسرائيلي."

إذن سُمح لبن جادير بالترشح للانتخابات وأثارت عملية التخالف مع أتباع كاهانا فضيحة في إسرائيل وخارجها وانتهت الانتخابات إلى ما انتهت عليه من نتائج وخلافات أدت في نهاية المطاف إلى قرار بالذهاب إلى انتخابات جديدة.

وفي هذه الأيام يثور جدل صاخب في إسرائيل في إطار الاستعدادات للانتخابات الجديدة حول التحالفات والكتل التي ستخوض الانتخابات والتندّر ننتياهو وتحالفه مع الكهانستم، ومن المفارقات أنّ ليبرمان هو أحد المتندّرين بتحالف نتنياهو مع أتباع كاهانا، وفي تصريحٍ له على صفحته على الفيس بوك دعا ليبرمان إلى تشكيل الحكومة الجديدة من أحزاب "الليكود" و"اسرائيل بيتنا" وحزب "أزرق أبيض" وإقصاء الأحزاب الدينية والكهانستم، تصوّروا أنّ ليبرمان المعروف بمواقفه العنصرية ونداءاته بتهجير العرب يحاول النأي بنفسه عن جماعة كاهانا بعد أن استيقظ فجأة ليجد نفسه علمانياً وليبرالياً.

وفي الواقع لا يوجد فارق كبير بين أتباع كاهانا وبين ليبرمان أو نتنياهو وسائر القادة الصهاينة، وإن عدنا للوراء ومحصّنا أفكار جابوتينسكي وبن غريون لن نجد هذا الفارق الكبير، ولا فارق بينهما وبين مائير كاهانا فكلهم دعوا إلى التطهير العرقي والترانسفير بل ومارسوه، فالذي ارتكب المذابح والتطهير العرقي وتدمير أكثر من 500 بلدة فلسطينية عام 48 هو بن غوريون وغولدا مائير ورابين وديّان، والذي شن الحروب وارتكب المجازر هم قادة إسرائيل ووزراء دفاعها المحافظين على اليمين الليبرالي وليس أتباع كاهانا.

ما فارق بين الذين أحرقوا الفتى أبو خضير وبين شمعون بيريس الذي أحرق أكثر من 100 طفل في مجزرة "قانا الاولى" عام 1996؟ ما الفارق بين الذين أحرقوا عائلة دوابشة وبين عامير بيرنس ويهود أولمرت وتسيبي ليفني الذين أحرقوا أكثر من 1400 لبناني من بينهم عشرات الأطفال في مجرة "قانا الثانية" عام 2006؟ ما الفارق بين عصابات "تدفيع الثمن" التي أحرقت المساجد والكنائس وبين باراك وأولمرت ونتنياهو وليبرمان ولبيد وبينيت الذين دمروا غزة في حروب 2008،2012،2014 وقتلوا آلاف المدنيين العزل ودمروا البيوت والمساجد فوق رؤوس أصحابها.

إنّ أتباع كاهانا يتحدثون بصراحة عن الفاشية والعنصرية مع بعض العمليات الصغيرة هنا وهناك، فيما قادة الدولة العبرية يترجمون أفكار كاهانا وأتباعه في الميدان من دون أن يرف لهم جفن.

ربما يكون الفارق الوحيد أنّ أتباع كاهانا يجاهرون بأيديولوجيتهم العنصرية وبدون أية أقنعة دبلوماسية وليبرالية وديمقراطية يحتاجها قادة إسرائيل لتسويق الدولة وقادتها في العالم فيما ممارساتهم في الواقع هي ترجمة حرفية لأيديولوجية كاهانا وأتباعه، على أية حال، رأينا كيف تصرفت إسرائيل أثناء الأزمات وسنرى في المستقبل كيف ستتصرف سواء كان أتباع كهانا في الكنيست أو في الحكم، فإنّ طبيعة الدولة العدوانية هي التي تحكم سياساتها وممارساتها وليس الموقف الأيديولوجي من هذا القيادي أو ذاك.