الحركة الأسيرة سياسات قادمة وبرنامج غائب

المصدر / خاص مركز حنظلة / بقلم الرفيق الأسير وائل الجاغوب

تحتل المفاهيم النظرية لمفهوم الحرب منخفضة الكثافة مكانة في العقيدة الأمنية والعسكرية الصهيونية، وتتحدد غاياتها "زعزعة تصميم الخصم وإرغامه على التخلي عن أهدافه من خلال عملية تراكمية من الأذى المادي والاقتصادي والنفسي، إرغام الخصم على إدراك أن نشاطه المسلح بلا جدوى" 1، والهدفية تتعمق لتطال الوعي والثقافة التي تقف وراء حالة المقاومة وهذا ما أكد عليه "بوغي يعلون" رئيس هيئة الأركان ووزير الحرب السابق في الكيان الصهيوني بقوله بعد عام 2003: "الآن سينتقل الفلسطيني من وعي الكفاح إلى وعي التكيف"2، بمعنى وعي التكيف وشروط الاحتلال وهذا ما يتم العمل عليه على مدار السنوات السابقة، فعملية الاستهداف التي تطال كافة قطاعات شعبنا تطال مركب رئيسي منه وهو قطاع الأسرى– الحركة الأسيرة، والتي مورست ضدها سياسات كي الوعي، حيث أنه "في معظم المعتقلات تعرض الأسرى لعمليات تعذيب وترهيب بوسائل شتى من باب كي الوعي بواسطة الصدمة والترهيب"3، لتغدو السجون مواقع مواجهة لسياسات الاحتلال التي يسعى من خلالها لجعل بيئة السجون مواتية لهذه العملية، وهذا عبر استغلال مواطن الضعف لدى الحركة الأسيرة وبالأخص تلك التي تمثل امتداداً للأزمة على المستوى الوطني والتي تجليها داخل قلاع الأسر بأشكال متعددة، حيث أن واقع السجون سياسياً واجتماعياً ونفسياً يمثل امتداد في اطار خصوصيته للواقع الخارجي، وأريد له أن لا يتمكن من لعب دوراً ريادياً مبادراً بالأخص فيما بعد اطلاق وثيقة الأسرى -وثيقة الوفاق الوطني- بحيث يتم إحباط عناصر الإجماع وتأثيرها ومحاولة اسقاط الأبعاد الرمزية للإجماع الوطني وهذا ما شكل نجاحاً نسبياً.

وراهناً تواجه الحركة الأسيرة تحديات أكثر خطورة لا تقل عن ما نواجهه كشعب وقضية بناحية محاولة استهداف القضية الفلسطينية، فما بعد النجاح المؤقت لتكريس حالة من الغياب الإجماع داخل الحركة الأسيرة وتقسيمها يتم التأسيس راهناً لمرحلة الاستهداف الثاني وتتلخص بما أكد عليه رئيس استخبارات إدارة السجون في مؤتمر هرتسيليا في شهر سبتمبر المنصرم بقوله "إن مهمتنا هي تعميق الفجوة بين الأسرى وعدم السماح لخلق حالة انسجام وتواصل باعتبار أن وجود عدو مشترك هو عامل موحد لهم"٤، ويقصد بأن تغييب السجان كعدو أو تراجع التناقض معه لحساب تناقضات داخلية يُبقي حالة التشرذم ويكرسها، وإعادة تعريف التناقض وتحديده مع الإحتلال كتناقض رئيسي ينتج حالة من اللحمة والموقف الموحد وهذا ما يرفضه العدو ويعمل على إحباطه، حيث يؤكد بأن "التنظيمات داخل السجون يوجد بينها حالة عداء وأن المواجهة الداخلية الفلسطينية تخدم مصالحنا، ونحن ندخل بالضبط من بين التصدعات والخلافات بينها"٥، ويشيد بذات الوقت بسياسة الفصل ما بين الأسرى على أساس سياسي.

إن المرحلة الراهنة والمستقبل القريب يحملان معهما مؤشرات جادة لما هو قادم على صعيد الأسرى، حيث أن سياسات إدارة السجون سوف تركز على تحقيق مجموعة من الأهداف وتعمل على مجموعة من السياسات، أهمها: -

  • اولاً: تطبيق مقررات لجنة "أردان" وزير الأمن الداخلي في الحكومة الصهيونية والتي تشمل إجراءات عدة منها الزيارات وتحديدها كل شهرين أو حتى منعها وتقليص مدتها الزمنية وتقليص كمية الطعام المقدم وتقييد شروط الحياة اليومية أكثر ومحاصرة الأسرى وقطعهم عن التواصل الخارجي بشكل شبه تام، وهذا ما تعارضه بعض أجهزة الأمن الصهيونية والتي ترى بأن "شروط الحياة داخل السجون قاسية بما يكفي"٦، لكن تخوفها الأساس من ردة فعل شعبية ومن حراك داخل السجون، وترى هذه الأجهزة أن البديل هو "تطبيق الإجراءات الأقل حدة وبشكل متدرج"٧، وهذا ما يتم العمل عليه فعلياً وسيتصاعد مستقبلاً.
  • ثانياً: إفقاد الأسرى وسائل الضغط وهذا عبر فرض إجراءات وعقوبات على كل تحرك أو احتجاج نضالي ومحاولة اضعافه من خلال عدم السماح بإجماع وطني ما بين الأسرى للتحرك بشكل جماعي وبث أوهام الاستثناء في العقوبات على أساس سياسي والتأكيد على أن الاحتجاج لا يخدم تحسين شروط الحياة بل يستحضر عقوبات جديدة، بمعنى إنتاج بيئة تتعايش والشروط المفروضة والأمر الواقع وضرب ثقافة المقاومة داخل الأسر.
  • ثالثاً: تشريع استهداف الأسرى من خلال قوانين مثل قانون الإعدام واستثناء الأسرى من قانون الإفراج الإداري وغيرها من التشريعات التي تهدف إلى إنتاج شروط جديدة قضائياً، وترسيخ قواعد تعامل أكثر عنصرية مع الأسرى وهذا ما أكد عليه وزير الامن الداخلي لحكومة الاحتلال جلعاد أردان بقوله "بعد إقرار استثناء الأسرى من قانون الإفراج الإداري، إنه تم تكريس قاعدة جديدة لا تقوم على مساواة الأسرى الجنائيين بالأمنيين في الحقوق" ٨، ليُعتبر هذا انتقال بشكل التعامل مع الأسرى تشريعياً وقضائياً.
  • رابعاً: توسيع سياسة تحويل الأسرى إلى عبء مجتمعي، وهذا ما بدأ بإقرار قانون اقتطاع ما يقدم للأسرى والشهداء من رواتب من أموال الضرائب والانتقال إلى قانون يتم العمل عليه ينص على أن العلاج الطبي المقدم للأسرى داخل معتقلات العدو الصهيوني سيتم اقتطاع أثمانها من أموال الضرائب المقدمة للسلطة أيضاً، وهذا يضاف إلى حالة الاستهداف التي تتوسع لكل من يقوم بزيارة لعائلات الأسرى في الضفة والقدس والداخل وغيرها من التشريعات القادمة.
  • خامساً: تزايد الخطورة على حياة الأسرى في ظل حالة التحريض الإعلامي والسياسي والمجتمعي الممنهجة والمستمرة والتي تجد نتائجها بازدياد نسبة العنف الممارس ضد الأسرى داخل السجون وتعميق سياسات الإهمال الطبي، وهذا ما يمثل تهديداً لحياة الأسرى وستكون له نتائج وتداعيات مستقبلية.
  • سادساً: جعل السجون واقع ردع داخلي بحكم سيطرة وتعميق حالة الإنقسام والترهل والاستهداف وأحياناً إفقاد النموذج والدفع باتجاه سواد وسيطرة الثقافة الفردية ليبرالية القيم التي ترى بالفرد أدوار وأحلام وطموحات تمثل أساساً، وبالتالي الخيارات الفردية تسود وتسيطر وفكرة خلاصها أيضاً.

إن هذه السياسات وغيرها تطبق أو بدأ بتطبيقها وستتعمق مستقبلاً وهذا ما يجعل سؤال ما هو المطلوب؟ راهناً قائم، آخذين بعين الاعتبار بأن التدرج بتطبيق السياسات يرتكز إلى تخوف من ردة فعل داخل السجون وانعكاسها خارجها، لكن لا أحد يراهن على ذلك بمعنى على "ردة الفعل" فهي إذا لم يُعد لها ويتم نقلها من ردة فعل إلى فعل منظم يمكن للاحتلال التعامل معها، فكما كان سابقاً الاعتقاد بأن حالة استشهاد أحد الأسرى في السجون يمكن أن تجد ردة فعل ومستواها شعبياً وسقوط هذا الاعتقاد والتخلص لدى أجهزة الأمن الصهيونية حيث ردة الفعل محدودة كانت على استشهاد ميسرة أبو حمدية وعرفات جرادات وغيرهما من الأسرى داخل السجون، وكان لذلك انعكاسات سلبية على واقع الأسر، حيث تعمق الإهمال الطبي وازدادت وتيرة الاعتداءات، وحتى لا تتكرر ذات التجربة فإن هناك حاجة إلى الارتقاء بالأداء والتعامل مع قضية الأسرى بما تمثله من حالة إجماع أو إعادتها إلى هذا المستوى، ومطلوب راهناً يشمل عدة عناوين وعدة مستويات وعناوين ومحاور ويستدعي أن يتم العمل بأشكال وأساليب عمل مختلفة راهناً بما يعنيه ذلك من إعادة المهمة نضال الأسرى والنضال من أجل حريتهم كمهمة نضالية بشكل رئيسي لا مهمة مؤسساتية لمؤسسات المجتمع المدني فقط، حيث للأخيرة مهام محددة على هذا الصعيد يمكن أن تتصدى لها، وبهذا السياق فإن هنالك عدة مهام مقترحة يمكن لها مجتمعة أن تمثل بداية أو مدخل لصياغة برنامج دعم حقيقي وهام وملح راهناً وهي: -

أولاً: على الصعيد الوطني العام: -

  1. تشكيل إطار جماهيري نضالي مدعوم شعبياً يقوم على قاعدة المبادرة والإبداع ويعمل ضمن رؤية وبرنامج لخلق حالة فعل جماهيري داعم لنضالات الأسرى ويخوض نضالاً حقيقياً على الأرض، ويمكن لمثل هذا الإطار أن يتم بناؤه من خلال مؤتمردعم شعبي أو غيره من الآليات.
  2. تجاوز أشكال الدعم المعتادة والانتقال بحالة الفعل الشعبي إلى مناطق الاشتباك في الضفة وأمام السجون في الداخل وفي القدس وأمام السفارات والبعثات الدبلوماسية في الخارج ويمكن لساحة غزة أن تكن نقطة دعم وارتكاز وردع للعدو.
  3. اتخاذ قرار بملاحقة ضباط إدارة السجون في كل مكان قضائياً وجماهيرياً واطلاق حملات ضدهم بالاسم والتعريف بجرائمهم.
  4. استعادة تشكيل هيئة شؤون الأسرى وطنياً وبمشاركة جماعية، بوصف أن قضية الأسرى شأناً سياسياً وطنياً إجماعياً استثنائياً.
  5. تثبيت معادلة ردع فيما يتعلق بالأسرى تحت شعار "الاعتداء له رد والدم بالدم".

ثانياً: على صعيد المؤسسات: -

  1. توحيد برنامج عمل فيما يتعلق بنشاط المؤسسات بحيث يوحد الجهد ويكامله.
  2. تفعيل الملاحقة القضائية لضباط إدارة السجون.
  3. تسليط الضوء على قوانين عنصرية صادرة ومشرعة لتعذيب الأسرى والمس بحياتهم.

 

ثالثاً: على صعيد الحركة الأسيرة: -

إن كل نشاط وطني موحد خارج الأسر يمكن أن يجد ترجماته داخله، وبهذا الإطار فإن المطلوب من الحركة الأسيرة هو

  1. تشكيل هيئة تنسيق وطني لعموم الحركة الأسيرة وبمشاركة جماعية.
  2. إعداد برنامج مواجهة شامل لسياسة إدارة السجون.
  3. إنهاء حالة الفصل بين الأسرى على أساس سياسي.

إن هذه النقاط وغيرها يمكن أن تمثل برنامج مواجهة ويمكن أن تمثل حالة توحيد وإجماع على قضية يمكن لها أن تكن رافعة وتمثل نموذجاً وحدوياً جاداً.

الهوامش والمراجع:

  1. كتاب جنرالات في مجلس الوزراء للمؤلف يورام بيري ترجمة حسن صبر إصدار مركز مدار ص ١٣٥
  2. كتاب جنرالات في مجلس الوزراء يورام بيري ترجمة حسن صبر ص ١٥٦
  3. كتاب أسرى بلا حراب المعتقلون الفلسطينيون والمعتقلات الإسرائيلية تأليف مصطفى كبها ووديع عواودة ص ٩
  4. صحيفة هآرتس تقرير عاموس هارئيل بتاريخ ٧/١١/٢٠١٨ عنوان التقرير حول خطة جلعاد اردان ضد الأسرى
  5. صحيفة هآرتس ذات المصدر
  6. صحيفة هآرتس ذات المصدر
  7. صحيفة هآرتس ذات المصدر
  8. صحيفة هآرتس ذات المصدر