الأسير كميل أبو حنيش يكتب "الممر الإجباري"

المصدر / خاص مركز حنظلة للأسرى والمحررين

يثور في أذهاننا كفلسطينيين تساؤل مشروع: هل تدرك قيادة الشعب الفلسطيني ونخبته السياسية والوطنية المخاطر المحدقة بالقضية الفلسطينية؟ وإذا كانت الإجابة على هذا التساؤل إيجاباً فإنه يثور تساؤلٌ آخر لا يقل أهمية عن الأول: لماذا إذن لا تزال أزمة المصالحة الوطنية تراوح من مكانها منذ أكثر من أحد عشر عاماً وما هي العقبات الحقيقية التي تحول دون إنجازها؟ وإذا كانت مسألة الوحدة الوطنية والكفاحية من بديهيات عملية التحرر الوطني، لماذا تعجز هذه القيادة بوصفها قيادة تحرر وطني عن الاتفاق على أساسيات هذه الوحدة؟

وبعيداً عن الشروع في توصيف المخاطر الكبيرة التي تحدق في القضية الفلسطينية فنحن ندركها جميعاً على أية حال يكفي الإشارة إلى المشروع التصفوي المتمثل بصفقة القرن كي يستدعي الشروع فوراً في عملية المصالحة وتجسيد الوحدة الوطنية وتجاوز العقبات التي تحول دون انجازها ولكن على ما يبدو أن هنالك خللٌ كبير في كيفية إدارة العلاقات الفلسطينية الداخلية وهذا يعكس مدى تعمق الأزمة الفلسطينية فهذه الأزمة غير مسبوقة في تاريخ الثورة الفلسطينية رغم أن الخلافات السياسية في العقود السابقة كانت أعمق بكثير من الأزمة الراهنة إلا أنه كان يجري المسارعة إلى تذليل العقبات واستدعاء الوحدة الوطنية كصمام أمان وكعنوانٍ يعكس مصداقية ومشروعية نضالنا الوطني لأن القيادات السابقة ربما كانت أكثر نضجاً ومسئولية وكانت المصلحة الوطنية عندها فوق الاعتبارات الحزبية والشخصية.

ونحن ندرك أنه ليس بمقدورنا مواجهة المشروع الاحتلالي الصهيوني بدون وحدة وطنية وكفاحية فلماذا تستعصي هذه الأزمة على الحل؟ وهل أصبحت مسألة تمكين الحكومة أهم من الاستيطان و القدسواللاجئين أما الشعار الذي ترفعه قيادة السلطة المتمثل بالقانون الواحد والسلاح الواحد والسلطة الواحدة فهو شعارٌ لا معنى له، ويبقى شعاراً سيريالياً ومضحكاً وكأنه باتت لدينا دولة قائمة بينما ننسى أننا جميعاً تحت مقصلة الإحتلال فلا سيادة ولا سلطة ولا قانون ولا كرامة وطنية في ظل الإحتلال فالاحتلال لا يحترم سيادة السلطة ولا قانونها ولا مسمياتها ورموزها أما سلاحها فلا يرى فيه الإحتلال الصهيوني سوى أنه سلاحٍ لحماية أمنها وأن الأجهزة الأمنية مجرد وكيل أمني في خدمة الاحتلال وقيادة السلطة ذاتها تشكو من الانتهاك اليومي لسيادتها وقانونها وأراضيها ورموزها من جانب الإحتلال.

فقيادة الشعب الفلسطيني بسلطته ومنظمته وفصائله تدرك أنه لن يكون بمقدورها مواجهة الإحتلال ومجابهة صفقة القرن بدون الاتفاق على برنامج وطني سياسي كفاحي موحد كما يدرك طرفي الصراع الحمساوي الفتحاوي أن الوحدة الوطنية هي ممرٌ إجباري لإنجاز الحقوق الوطنية الفلسطينية كما يدرك الجميع أنه ليس بمقدور فصيل بعينه مجابهة مشروع صفقة القرن بمفرده وأنه يتعين تحشيد الطاقات والجهود الفلسطينية في الداخل والخارج حتى يكون بمقدورنا بناء اصطفاف عربي ودولي لمواجهة هذا المشروع ومحاصرته ونحن نعي جيداً أنه لن يساعدنا أحد ما لم نساعد أنفسنا وإلا فإن العرب والعالم سيتذرعون بضعفنا وقلة حيلتنا وانقسامنا ولن يحترم أحد نضالنا وتضحياتنا ما لم نحترم نحن أنفسنا ولا نبدد تضحيات شعبنا.

وقد يتشدق البعض بالقول انه لا ينبغي التقليل من أهمية الخلافات السياسية القائمة التي تحول دون إنجاز المصالحة ونحن نقول إنها ذرائع وليست خلافات وهذه الذرائع تعكس غياب الإرادة الحقيقية من جانب السلطة وعدم جديتها في تجاوز الأزمة الراهنة فعندما تصبح المخاطر المحدقة ذات طبيعة وجودية تمس واقع ومستقبل الشعب الفلسطيني فإن ذلك يقتضي تجاوز أية خلافات داخلية مهما كانت والعودة إلى مربع الإجماع الوطني والتمترس خلف الثوابت الوطنية.

لقد تجاوزت السلطة الفلسطينية الخطوط الحمراء في كيفية إدارة العلاقات الوطنية ومعالجة الخلافات السياسية وفرضها العقوبات على قطاع غزة والتلويح بفرض المزيد منها وهي سابقة في تاريخ ونضالات حركات التحرر الوطني ومن سخريات أقدارنا الفلسطينية أن حكومة الإحتلال باتت تدعي أن أبو مازن هو المسئول عن أزمة قطاع غزة وأن سياساته ستكون سبباً في اندلاع الحرب وبهذا يخلي الإحتلال أية مسئولية له عن مأساة أهلنا في قطاع غزة ويحملها للسلطة ورئيسها.

لقد دخلت العلاقات الوطنية الفلسطينية الداخلية منعطفاً خطيراً وغير مسبوق وتتحمل مجمل الحركة الوطنية الفلسطينية المسئولية عن هذا التردي القائم فقد آن الأوان للإعلاء الصوت عالياً وعدم الاختباء وراء المجاملات وأنصاف الحقائق والإمساك بالعصى من منتصفها فالمرحلة الحالية تحتاج إلى جرأة ومكاشفة ومصارحة والتشهير بأي طرفٍ يعطل المصالحة وتجسيد الوحدة فهي ضرورة وليس خياراً بل وممراً إجبارياً لأي حركة تحرر وطني تسعى للتصدي لمهامها التاريخية ومجابهة التحديات وإنجاز الحقوق التي تعهدت بإستعادتها.