لحظة بين العقل والعاطفة "45 دقيقة زيارة الأهل للسجون"

vi2m0
المصدر / بقلم الأسير: عيسى درباس

زيارة الأهل لها رونق خاص وأهمية تعكس الصورة الحقيقية للمعاناة وألم الفراق داخل أفئدة الأسرى، نقف نحن الأسرى نعد اللحظات حتى وصول أحبتنا لرؤيتهم ومحادثتهم بكل لهفة وتعطش، نُطمئن أنفسنا عليهم ونسترق بضع أخبار هنا وهناك، ونحطم جزء كبير من حاجز بناه السجّان من الشِباك والحواجز الوهمية، للحظات نشعر بدفء أمهاتنا وأبائنا.. كأننا نعانقهم، لنُحطم الحاجز الذي بناه السجان لينال من إرادة الأسير وكسر عزيمته، ولنتحدى وسائل القمع والحرمان والمضايقات التي تضعها سلطات السجون الصهيوينة لسرقة لحظة الفرح والحنين بملاقاة أحبائنا، لكنالسجّان لا يكتفي بإجراءاته ضد الأسير، بل يسعى بكل الوسائل للإساءة للأهل خارج أسوار السجن، فيطيل انتظارهم تحت حرارة الشمس أو شدة البرد، ويفرض عليهم تفتيشاً مذلاً واستفزازياً ليس لشيء، إنما ليؤكد نازيته وكراهيته لشعبنا وأمتنا وحقده لصمودنا.

كما أن مسلسل المعاناة للأهل المُقبلين على الزيارة يبدأ باكراً حين يُنقلون في سويعات الصباح الأولى في حافلات الزيارة، ثم يتم إهانتهم وإعاقة مرورهم مراراً عبر الحواجز المنتشرة كالسرطان على طول طريق بلادنا المحتلة، لكن كل ذلك يهون حتى ملاقاتهم لنا وملاقاتنا لهم، ففي غرفة الزيارة وتحت أعين السجان يَنُفض الأهل غبار المعاناة الشاقة، ليرتدوا ثوب اللهفة والشوق والحب، وتعج الزيارة بالأسئلة والاستفسارات وكلمات الدعم والتأييد والإصرار على المقاومة، تنظر الأم لابنها كبطل تحدى جبروت الاحتلال  وضحى وصمد.

وقت الزيارة قليل لذا تتسارع المحاولات لاستثمار كل لحظة منها، تُفتح كل محاور النقاش الممكنة، نقاشات سياسية واجتماعية، ويسعد الأسير بإخفاء ألمه ليزرع البسمة مشرقة على شفاه أهله، "ُكذّب أحياناً كي لا يقلقوا، ثم يكتشف أنهم أيضاً يكذبون كي لا نقلق عليهم، إنها كذبة بيضاء كما يقولون تفرضها معادلة السجون.

وما بين الابتسامات على الزيارة، هناك فواصل القُبل يرسمها الأسير بعمق في ذاكرة أحبائه في تحدِ متواصل ومقاومة مستمرة، تهدف إلى كسر هدف وغاية السجان، وهزيمة دقائق الزيارة التي تتقلص وتنكمش بسرعة، كل ذلك يمر في 45 دقيقة، لا يغيب عنها السؤال الدائم عبر العيون الدامعة: متى نهاية المشوار؟ متى تشرق شمس الحرية؟