التخلص من أوسلو وأعراضه: الوحدة هي سلاحنا الفتاك

GettyImages-160316908-H
المصدر / اللجنة الثقافية لمنظمة فرع السجون

ربما نظرية كل درجة عسكرية تليها درجة سياسية تنهي من خلالها ما تبقى للمهزوم من جمع تحتي، أي إمكانيات لإعادة بناء وهيكلة مجتمعية على الأُسس التي يريدها قديمة، ولكنها مع ذلك تشكل قاعدة سياسية لا يمكن العمل خارج اطارها.

كانت لحظة اتفاق أوسلو  متوافقة مع بركان سياسي انفجر على كل المستويات، فعلى المستوى العالمي، فقد تفكك الاتحاد السوفييتي للتو، وبرزت الولايات المتحدة  كقطب وحيد، وكشرطي  عالمي يصول ويجول في كل الاتجاهات دون رقيب أو حسيب، وعلى المستوى الاقليمي كان هناك غزو للعراق حشدت المنطقة ضده بدعم من أمريكا وتزلفا لإرضاءعا عبر السير على خطاها والالتزام بالسياسات التي كانت سرا في السابق وكان الغزو فرصة للإعلان عنها، وعلى الصعيد الوطني كانت الانتفاضة الشعبية الكبرى التي فاجأت العالم بزخمها وقدرة الشعب الفلسطيني على الصمود والتحدي أمام آلة البطش الصهيوني وتحطيمها بلإرادة  وعزم لا يقهر إلا من الداخل.

وقد كشفت التقارير عن هشاشة الوضع الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والعسكري الصهيوني الذي  كان بأمس الحاجة لهدوء يعيد الثقة لكافة هذه الكيانات التي تتعرض لأزمات حقيقية ودخولها في حالة لا متناهية من الضغط الذي تواصل خلال 7سنوات من الانتفاضة التي اشترك فيها كافة قطاعات الشعب الفلسطيني في كافة أماكن تواجده.

 وهنا لابد من الإشارة إلى أن تلك الفترات شهدت نسبة انتحار عالية في أوساط جيش الاحتلال إضافة للحالة الاقتصادية التي سببتها الانتفاضة والادانة السياسية الاقليمية والعالمية، وكان على الطرف الآخرمن المعادلة الشعب الفلسطيني حيث انعكست عليه سبع سنوات من الانتفاضة بزيادة اللحمة والتماسك الاجتماعي الداخلي والتطور في الوعي السياسي للقضية الفلسطينية، التي تحولت إلى وعي جماعي لدى الأغلبية العظمىمن أبناء شعبنا،  بحيث تحولت ثقافة الهزيمة والفردية إلى ثقافة مقاومة فعلية تتم ممارستها على الارض من خلال التكافل الاجتماعي وافتتاح مدارس وطنية تعلم الأطفال والمعلمين ما يتوجب عليهم القيام به تجاه الوطن والمواطن، وانتشار مظاهرالعمل التطوعي التي طالت ربوع الوطن، وظهر الاقتصاد المنزلي الذي لو قدرت له الحياة كان ليشكل فكرة استقلالية وقاعدة للاستقلال السياسي والثقافي لوطننا فلسطين.

 ثم جاء أوسلو ليقطع سياق هذه الظواهرقبل تطورها وترسيخها على الأرض، وانتج من اقتلعها من جذورها وأجلها إلى أجل غير مسمى، عبر العمل على تحويل الشعب الفلسطيني إلى مرتزقة مرتهنين لميزانية يحتكم بها الكونجرس الأمريكي، استنادا على حسن سلوك القيادة الفلسطينية وتعاطيها مع خططه وخطط الكيان لنهب الشعب الفلسطيني وقدراته السياسية من خلال إلحاقه اقتصاديا الذي وضعت أسسه في اتفاقية باريس التي تمنع على الشعب الفلسطيني إنشاء أي مشروع اقتصادي مهما صغر شأنه تلقائي، وبالتالي منع أي إمكانية لستقلال اقتصادنا وتحرره من التمويل وإعادة تشكيله ليكون ضمن خطة تقسيم مكانية وزمانية في الشرق الأوسط الكبير، فكانت انعكاسات هذا المشروع على الواقع الفلسطيني مدمرة بشكل فعلي حيث ظهرت بشكل واضح على السلوك والقيم الثورية والاجتماعية، والتي تقدمت فصائل المقاومة في تدعيمها وتنظيمها خلال فترة الانتفاضة عبرالممارسات الواقعية الملموسة في مشاريع التنمية والتعليم وإنشاء مؤسسات مجتمعية ترعى شئون المجتمع، وتشرف على حل قضاياه وتناقضاته، وتلاحق الفساد والمفسدين  وبين ثناياها تلاحق العملاء وسماسرة الأراضي وتجار المخدرات ومتعاطيها ومروجي الدعارة وممارسيها، والعديد من المظاهر المنافية لقيم وأخلاق الشعب الفلسطيني وعاداته، والتي تفاعلت مع الاحتلال في حرف البوصلة الثورية عن اتجاهها وإلهاء الشعب وإغراقه في هموم اجتماعية تعمق مايريده الصهاينة وتزيد من إحباطه عن السير بخطى واثقة نحو أهدافه السياسية، وهذا ماجاء به أوسلو في جعبته ليكن بديلا للتضحيات الجسام الذي بذلها شعبنا، فقد جاء بمجموعة لا يستهان بها من المرتزقة وحيتان التمويل المشبوه الذين جعلوا من حاجات الشعب ممرات للسلع استهلاكية لتضخيم  الأرصدة المنتشرة في مراكز الاستعمار العالمي، وأصحاب وكالات لشركات عالمية تقمع التنمية الوطنية وتتاجر بالدم، وعقدت السلطة اتفاقات امنية فرضت من خلالها على نفسها تقديم المعلومات عن أي حراك سياسي ضد الاحتلال، وأنشأت لذلك أجهزة ومقرات وسيارات رباعية الدفع متفاخرة في حالة إحباط ويأس وربما انحراف عن الخط الثوري برمته، وقامت بتوقيع اتفاقيات اقتصادية ضربت من خلالها أي بوادرلإنشاء اقتصاد مستقل يمكن له أن يغطي حاجات الشعب الفلسطيني الأساسية أو يجعل منه صاحب سلطة على أي من ثرواته الطبيعية، وفتحت الباب واسعا أمام الاستثمار في القطاع الترفيهي والاستهلاكي بديلا عن القطاع التنموي المنتج.

بالإضافة للمشاريع والخطط المتلاحقة التي تقاسمها أصحاب المشروع الأوسلوي بالشراكة مع المؤسسات غير الحكومية التي لا يقل دورها خطورة في تعميق احباط وتفكيك الشعب الفلسطيني ودفعه إلى دوائر المديونية وملاحقة لقمة العيش والرفاه المغلف بالأنانية الفردية والبحث عن الخلاص الذاتي  وكل ذلك بسبب إدراك عدونا لما يشكله التلاحم الشعبي والوحدة الشعبية من خطر دائم على مشاريعه الرأسمالية في المنطقة وفي قلبها اسرائيل حامية المشروع.

رغم كل هذا فإن الشعب الفلسطيني عبر تاريخه الطويل من الحروب والاحتلالات التي مرت عليه وعلى أرضية المؤامرات التي لم تنقطع عن استهدافه، أثبت دون شك أنه الأقوى لأنه الأكثر إيمانا بعدالة قضيته ورسوخ حقه وصلابة جذوره العابرة للتاريخ وقاطعة دابر المؤامرات، فأوسلو وغيره إلى زوال، وقد دفنت هذه الأرض في طياتها أعداء أقوى وأشد إيلاما، ولكن  من هذا المأزق على شعبنا أن يبدأ بنبذ  الخلافات التي أوهمنا بوجودها الاستعمار وأبعدنا من خلالها عن محور القوة والنفوذ وهو الوحدة الوطنية التي كانت الأساس المتين دائما لوحدة المصير وهي ستكون السلاح الفتاك  الذي يمكن له أن يطيح بأعظم الإمبراطوريات فنحن دائما همنا واحد ومصيرنا واحد ويجب علينا أن يكون طريقنا واحدا نحو تحرير فلسطين.