وجه الشبه بين بنات آوى والبالونات / بقلم الأسير كميل أبو حنيش

المصدر / خاص مركز حنظلة للأسرى والمحررين

طوال 5 شهور من مسيرات العودة الباسلة وقفت الدولة العبرية عاجزة تماماً عن مواجهة هذه المسيرات ولعل أكثر ما أثار استفزاز إسرائيل هو ما تمخّض عنها من تطوير ال فلسطين يين لسلاح جديد، وهو ما بات يُعرف بظاهرة الطائرات الورقية والبالونات الحارقة، ولكن أشدّ ما أزعج الصهاينة أن الفلسطينيين استخدموا هذه المرّة سلاحاً بسيطاً وغير مكلف وبمقدور الأطفال الصغار أن يمارسوه كلعبة أو كشكل من أشكال المقاومة حيث تسببت هذه الطائرات والبالونات بمئات الحرائق في المزارع والأشجار وكلفت مئات ملايين الشواقل، وتخبطت الدولة العبرية في كيفية مواجهة هذه الظاهرة، وثار جدلٌ حاد بين وزراء الكابينت بين من دعا إلى قصف المجموعات التي تطلق البالونات والتعامل معها تماماً كمطلقي الصواريخ، وبين من فضّل التريث وضبط النفس، واضطرت إسرائيل لأن تتخذ قراراً بخصم ما تسببت به الحرائق من مستحقات الضرائب الفلسطينية، وكادت أن تتطوّر الأوضاع إلى حرب بعد عجزها عن إيجاد حل لهذه المشكلة كما أنها فشلت في تسويق هذه الظاهرة للعالم على أنها ضرب من ضروب الإرهاب ولم يشترِ هذه البضاعة أي طرف في العالم.

ولكن لنعد إلى الماضي البعيد طالما يؤمن الإسرائيليون أكثر من غيرهم بالماضي، بوصفهم امتدادٌ للقبائل الإسرائيلية القديمة وأن الحاضر هو امتداد للماضي المتغير فإن حكايتهم مع  غزة  ومع الفلسطينيين قديمة قدم تاريخهم الأسطوري، فعندما انتصرت العصابات الصهيونية على الجيوش العربية عام 48، صرح بن غوريون بأن ما جرى هو تصفية لحساب الأجداد مع  مصر  وآشور وآرام، قبل آلاف السنين، وعندما دمرت إسرائيل المفاعل النووي  العراق ي سنة 81 صرح مناحم بيجن أنه جرى الانتقام مما فعله نبوخذ نصّر في  القدس ، وسبْيِه اليهود إلى بابل قبل 2500 عام، ونحن كفلسطينيين علينا أن نتذكر حادثة وقعت قبل حوالي 3000 عام، ونستحضرها الآن فقط من زاوية السخرية ولأغراض فكاهية، وليس لأي شيء آخر، وهذه الحادثة ترتبط بالشخصية الأسطورية شمشون، وهو أحد الجبابرة الإسرائيليين الذين حلّت عليهم روح الرب كما أتي من التوراة. فشمشون الذي أراد الانتقام من غزة والفلسطينيين في ذلك الحين (أمسك بـ300 من بنات آوى وأخذ مشاعل وجعل ذنباً إلى ذنب ووضع مشعلاً بين كل ذنبين في الوسط ثم أضرم المشاعل ناراً وأطلقها بين زروع الفلسطينيين فأحرق الأكداس والزرع وكروم الزيتون) "سفر القضاة الإصحاح 5"  ونحن لن نجادل بواقعية أو عدم واقعية، بصحة أو عدم صحة هذه الحكاية، ولا في تفسير إمكانية مقدور شمشون الجبار الإمساك بـ300 من بنات آوى وحده في دفعة واحدة، فطالما هو جبّار وتحل عليه روح الرب فهو إذًا يستطيع أن يأتي بكل شيء! ولكن هذه الحادثة ومئات الحوادث الأخرى لها دلالاتها الرمزية لدى الصهاينة، في كيفية سحب الماضي على الحاضر وتأويل هذه الحوادث الأسطورية وإسقاطها على الحاضر، كأن يخرج علينا أحد الحاخامات أو المشعوذين مثلًا ويُشبّه ليبرمان بشمشون الجبار ويقول (فأمسك ليبرمان بـ300 طائرة حربية وقام بتعبئتها بالقنابل وأرسلها لتحرق الشجر والحجر والبشر في غزة) وبما أن الماضي هو الحاضر بالنسبة للصهاينة، وبما أن كل شيء يجري على قاعدة الانتقام، ألا يحق لنا كفلسطينيين (من باب السخرية فحسب) أن نعتبر ما تسببت به البالونات من حرائق انتقامًا لما فعله شمشون بمزارعنا قبل 3000 عام؟ فما يجري على الأرض وفقًا للدلالات الرمزية الأسطورية هو انقلاب الأدوار بصورتها المفجعة والساخرة، فقد انقلب دور جولييت إلى داوود، والعكس صحيح، نحن أصبحنا داوود الذي يقاتل بالمقلاع، وصرنا نحن بدلًا من شمشون الذي لم يجد ما ينتقم به سوى إشعال الحرائق بالمزروعات.

ولكن ليس بمقدورنا الإمساك ببنات آوى لنطلقها على المزارع الصهيونية لأنه في هذه الحالة ستتصدى لنا جمعيات الرفق بالحيوان، وعلى ما يبدو أن الإسرائيليين قد تنبؤوا لهذه المسألة، فقد نشر الإعلام العبري صورة لأحد الصقور الذي جرى إطلاقه من غزة ويحمل مواد مشتعلة ليتحول إلى انتحاري وقد تسبب في اشعال أحد الحرائق كما بث الإعلام العبري صوراً لعدد من الأفاعي والجرذان والزواحف التي ذهبت ضحية لهذه الحرائق، وبهذا بتنا نحن الفلسطينيين أعداء للبيئة ونحرق المزروعات والأشجار ونقتل الحيوانات البرّية، وكأن إحراق الآلاف في غزة أثناء حروب التجويع لأكثر من 2 مليون فلسطيني ليس جريمة حرب يتعين على دولة الاحتلال أن تدفع ثمنها، كما يحاول الصهاينة حرف الأنظار عن اقتلاع آلاف الأشجار سنوياً وعشرات الحرائق التي يشعلها قطعان المستوطنين في جبال الضفة فضلًا عن إطلاق آلاف الخنازير البرية في الضفة لتعيث فسادًا في المزارع الفلسطينية، وتلويث مياه غزة وسرقة مياه الضفة والتدمير الممنهج للبيئة الفلسطينية طوال العقود الماضية، بقيَ أن نشير إلى الهوس الجنوني لدى بعض الأوساط الصهيونية المتزمتة بحرفية التوراة، وما ممارسات المستوطنين في الضفة الغربيّة إلّا تطبيق حرفي لهذه الأحداث الأسطورية من حرائق واقتلاع أشجار وإطلاق خنازير برية بدلًا من بنات آوى، وهو تمثّل واضح لنموذج شمشون وغيرها لنماذج أسطورية يسعى الصهاينة لتطبيقها حرفياً ضدنا كفلسطينيين.

مسئول فرع الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في سجون الاحتلال، ومن أبرز قيادات الحركة الوطنية الأسيرة