صفقة القرن "الميدو من جديد"

لقد ابتدأ عصر الإمبراطورية الأمريكية “American Baksta” مع سقوط حقبة الاستعمار الأوروبي في "الشرق الأوسط"، والتي كانت ذروتها "حرب 1956-السويس" وسقوط المراهنات الأوروبية "الفرنسية البريطانية تحديداً" على إعادة تأكيد نفسيهما كلاعب دولي مقابل ظهور العصر الأمريكي الذي تدخل وأجبر بريطانيا وفرنسا و "إسرائيل" على الانسحاب وفض المعركة.

حيث كانت النظرة الأمريكية مصوّبة نحو عدوّها الأول آنذاك "الاتحاد السوفييتي" الشريك أو المنافس على إدارة العالم ونحو وقف تمدد نفوذها وسيطرته على منطقة "الشرق الأوسط"، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى تبني المشروع الصهيوني كنقطة متقدمة ومركزية في العالم مرتبطة بتحقيق المصالح الأمريكية ودمج هذا المشروع في المنطقة، وهو الأمر الذي تحدث عنه "مايلز كوبلاند" في كتابه "لعبة الأمم"، حيث كانت المفاوضات على أشدها ما بين الولايات المتحدة و مصر  بقيادة "جمال عبد الناصر" وأقامت حلف استراتيجي للدفاع المشترك ضد طموح ونفوذ الاتحاد السوفييتي تكون فيه مصر لاعباً أساسياً على المستوى الإقليمي، بالإضافة "لإسرائيل" التي ستكون جزءًا من حلف الميدو "منظمة الشرق الأوسط للسلام والدفاع" وكانت أهداف هذا الحلف:

  1. تعبئة الفراغ الناشئ من خروج الاستعمار الأوروبي واندحاره وإعادة نظام الأحلاف إثر سقوطها.
  2. ترتيب أوضاع "إسرائيل" ودمجها في محيطها حيث كانت دولة ناشئة ومهددة بالخطر.
  3. احتواء مصر الثورةَ وارتدادات هذه الثورة على الأقاليم وسلام القومية العربية.
  4. مواجهة النفوذ والتمدد السوفييتي، وربما هذه أهم نقاط الحلف وهدفه الرئيسي.

وهو أمر قد فشل عبر رفض مصر "عبد الناصر" وجود "إسرائيل" كشريك أو كلاعب أساسي ونقطة ارتكاز في هذا الحلف، مما أفشل مشروع الحلف ووضعه في الأدراج وخاصة بعد حرب 1967 ورسوخ المشروع الصهيوني بالقوة والاتجاه نحو مواجهة الاتحاد السوفييتي في محيطه الأقرب وصولاً الى أزمته ورسوخ العصر الأمريكي، فما الجديد اليوم لإعادة حلف "الميدو" تحت غطاء أو اسم صفقة القرن؟

- اليوم الولايات المتحدة في أضعف حالاتها في خارج حدودها وينتابها الشعور بالتهديد من تنامي القوة الاقتصادية الصينية، وهو الأمر الذي جعل الرئيس الأمريكي "باراك أوباما" يضع استراتيجية للانسحاب من الشرق الأوسط وإعادة التموضع في جنوب شرق آسيا عبر استراتيجية الاحتواء بالتحالف مع "مصر" للخطر القادم من الصين، تايوان، الهند، وغيرها من الدول، بينما تبنّى ترامب سياسة المواجهة المباشرة وحل مشكلة كوريا الشمالية.

- تنامي وتعاظم الطموح الروسي والتواجد العسكري المتمثل في روسيا ونجاحها في صياغة تحالفات مع  إيران  و تركيا  ومحاولات تأكيد دورها في "الشرق الأوسط"، وكذلك الأمر مواجهة القوى الإقليمية التي تبرز وتهدد المصالح الأمريكية "إيران" وربما "تركيا".

- شعور "إسرائيل" بعدم الطمأنينة وعدم قدرتها على مواجهة أعدائها منفردةً "حزب الله والمقاومة ال فلسطين ية" وتنامي الخطر الإيراني عليها، والأهم سقوط وضعف الأنظمة المحيطة بها مما جعلها تبدو وأنها خائفة، مع فشل السياسات الأمريكية الهادفة لرسم المنطقة ابتداءً من مؤتمر "مدريد" وحتى اليوم.

- تطور وتنامي دور قوى السوق وضرورة ترسيخ "إسرائيل" مرةً أخرى كعمود فقري للاقتصاد الإقليمي.

-غياب الدور الفلسطيني الفاعل في الخمسينيات والستينيات، لم تكن منظمة التحرير الفلسطينية والقوى الفلسطينية فاعلة سياسياً واليوم قدمت دورها تقريباً.

- محاولات  السعودية  السيطرة على الأقليم لمواجهة الخطر الإيراني بدلاً من حالة العداء مع "اسرائيل" وتحويل مصر لتابع، وبهذا فقد تهيأت الظروف بعد "الربيع العربي" وبعد سياق من الحروب والثورات التي أسقطت التحدي  العراق ي والسوري وأخرتهما من الصراع بالإضافة ل ليبيا ، فما الأمر الذي يتطلب إقامة حلف "الميدو" من جديد؟

لا تسعى الإدارة الأمريكية متمثلةً بـ "ترامب" للاستمرار في تحمل نفقات "القوة الأولى" أو "الشُرطي العالمي" بل تعمل وحسب عقلية رئيسها لعقد صفقات تكون محورها إسرائيل ومواجهة الاتحاد الأوروبي وتقصير دور حلف "الناتو" عبر إعادة إحياء حلف "الميدو" ما بين "الولايات المتحدة، السعودية، إسرائيل" والدول العربية والإسلامية المحيطة، من أجل إعادة السيطرة على "الشرق الأوسط" لمواجهة الطموح الصيني للتحول للقوة الأولى اقتصادياً وعسكرياً لاحقاً، ومواجهة واحتواء الدور الروسي وكذلك إيران وهو أمر اتضح عبر محاولات ترامب تقزيم دور "الناتو" وخلق حالة من التقارب المصلحي ما بين "إسرائيل والسعودية"، الدولة الأكثر كسبًا وربحًا من الأزمات في المنطقة سياسياً عبر تحطم الدول العربية المركزية "مصر،  سوريا ، العراق" وحالة الضعف والانقسام الفلسطيني، وارتفاع الدور الإسرائيلي العسكري ومحاولات تكريس الواقع عبر فرضه بــ (صفقة القرن) حلف "الميدو" الجديد.

وبهذا المعنى فإن صفقة القرن لا تشكّل عدواً وعقبةً أمام الشعب الفلسطيني فقط، صحيح أنها تقوم على حسابه كما هي كل الصفقات والاتفاقيات والأحلاف التي قامت خلال المائة عام السابقة، وإنما هي عبء على كل العرب، والمطلوب هو تشكيل حالة شعبية ورسمية لفضح صفقة القرن وأبعادها ومواجهتها والتصدّي لها بدلاً من الصمت المريب للراقصين والخاسرين من هذه الصفقة وترك الشعب الفلسطيني وحيداً في مواجهتها.