من أبرز قيادات الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين

الحراك الشبابي الفلسطيني: ارهاصات لثورة كبرى قد تندلع في أيّ لحظة

المصدر / بقلم الأسير كميل أبو حنيش _مركز حنظلة للأسرى والمحررين

مهما بلغ ذكاء الدول والأنظمة وتطور أجهزتها وتنظيماتها الأمنية والسياسية ووسائلها  في التحكم في كافة مناحي الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية والأمنية إلا أنها تظل متخلفة قياساً بوعي الجماهير، ولا يمكن لهذه الأنظمة أو دول التنبؤ دائماً بثبوت شروطها، وتظل الأرقام الصماء والمعطيات والحسابات السياسية أحياناً مجرد بيانات ورقية لا تعكس الواقع بالضرورة،  وهو ما يسجل إرباك الدول أمام  الثورات التي لم تتوقع انفجارها وعجزها عن مواجهتها،   لأنّ  الشروط دائماً تتقدم على الأنظمة كوعي جماعي وخبرة جماعية وذاكرة تختزن الألم والقهر والظلم، وبهذا تتميز بوعيها السياسي المعبر عن الضمير الجمعي فيما الأنظمة والحكومات التي تظل محكومة  لمصالحها ولشرائح لا ترى الواقع  إلاّ  من خلال مصالحها الضيقة، وتبقى هذه الأنظمة محكومة لبيروقراطيتها وأجهزتها وحساباتها الخاصة وثقتها المفرطة في أجهزتها أجهزة قمعها وغرور قادتها وغبائهم والأوهام والتصورات التي تنسجها أصحاب المصالح الذين لا يرون لهم في تغير أو فهم ثوري يسعى إلى تحسين الوضع أو إحداث انقلاب جذري في الواقع السياسي هذا ما حدث وسيظل يحدث دائماً في كافة الانتفاضات والثورات في تاريخ الشعوب التي كانت تنفجر دائماً  بعكس توقعات الأنظمة والدول، ويمكن الاستشهاد بالثورات العربية التي انفجرت قبل سنوات في وجه الاستبداد والأنظمة العربية وغرورها وتصوراتها عن ذاتها  وغير ثورات  لم تتوقعها هذه الأنظمة حتى في أسوأ  كوابيسها وعجزت عن إفشالها  أو قمعها كما أن هذه الثورات أذهلت أجهزة المخابرات العالمية التي فشلت في توقع اندلاعها وهذا يعني أن الثورات تظل احتمالاً وارداً في أي بقعة في العالم كما ويثبت أن الدول مهما بلغت هي تطورها فإنها تظل متخلفة في وعيها قياساً بالوعي السياسي الجماعي للشعوب.

اندلعت الانتفاضة الفلسطينية الأولى قبل ثلاثين عاماً بزخمها الشعبي العارم وهي انتفاضة لن يتوقعها أحد ولا يخطط لها أحد بهذا الزخم والعنفوان وحجم المشاركة والامتداد الزمني...انتفاضة شارك فيها عموم الشعب الفلسطيني وشكلت تحدياً حقيقياً لدولة الاحتلال ومرغت عموم   جنرالاتها وقياداتها السياسيين بالتراب، "فإسرائيل" التي كانت منتشية بانتصارات وهمية وتحكم قبضتها الأمنية الحديدية وسطوة أجهزة مخابراتها كانت أول من تفاجأ بهذه الانتفاضة، وفشلت كافة سياساتها وممارساتها لإخمادها  لتستمر لمدة 6 سنوات بكل عزيمة وإصرار  وإرادة على الحرية والاستقلال  والخلاص على الاحتلال.

كما اندلعت الانتفاضة الثانية عام 2000 بعد إغلاق مشروع التسوية حيث شكلت هذه الانتفاضة ثورة حقيقية وتحدياً كبيراً للممارسات الاحتلال وقاومت الأسلحة الخفيفة جيش الاحتلال المدجج بأحدث الأسلحة ووضعت حداً للغرور والغطرسة الصهيونية وأنهت أسطورة (الجيش الذي لا يقهر) وتحدت الاحتلال مدة  تزيد عن 5 سنوات وأثمرت  عن تحرير قطاع غزة الذي تحول إلى جبهة مقاومة عنيدة تشكل تحدياً يومياً وكابوساً مزمناً لدولة الاحتلال، الذي توهم أنه عقب حالة الهدوء التي سادت بعد الانتفاضة الثانية في الضفة تعّبر عن استسلام شعبنا أمام جبروت الدولة العبرية،  لأن شعبنا يختزن في ذاكرته الجماعية كل أشكال العنف والإذلال والإجرام التي تمارسها بحقه دولة الاحتلال ولم يلبث أن ينفجر بركان الثورة داخله. "فإسرائيل" كعادتها لا تقرأ الواقع إلا من منظور القوة والإخضاع وفرض الاستسلام وستفاجئ بثورة جديدة تضع حداً لغرورها وعنجهيتها وجرائمها.

أما السلطة الفلسطينية بسياساتها الأمنية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وممارسات أجهزتها الأمنية خلقت مناخاً لنفور والكراهية من جانب الشعب الفلسطيني باتجاه هذه السلطة فهي باتت منفصلة عن شعبنا الذي يشعر بالاغتراب عنها  ولا يرى فيها شيئاً معبراً عن طموحاته وأعماله وتطلعاته، فالجماهير التي دعت طوال سنوات الماضية لانجاز المصالحة وملف الوحدة الوطنية ورفض التنسيق الأمني وإنهاء المفاوضات العبثية وتبني برنامج مقاومة يتصدى للممارسات الاحتلال والسلطة لم تضرب بعرض الحائط كل هذه المطالب الشعبية فحسب بل باتت اليوم تنتهج سياسات خطيرة  من خلالها إهانة شعبنا ونضاله وتضحيته على شاكلة فرض عقوبات على قطاع غزة وقطع رواتب الموظفين لاسيما أسرى القطاع وعقد مجلس وطني انقسامي والإصرار على عقد المجلس المركزي والتلويح بحل المجلس التشريعي وتضييق الخناق على الحريات والاعتقالات السياسية، وكل هذه الإجراءات تأتي في ظل المحاولات الأمريكية والصهيونية والتواطؤ مع الأنظمة العربية بفرض تسوية مذلة على شعبنا من خلال ما يعرف بصفقة القرن وهو ما يستدعي بأن تقوم السلطة بتعزيز الوحدة الوطنية لمواجهة هذا المشروع الخطير لا أن تصبح طرفاً في حصار شعبنا وإضعاف مقاومته، وهذا سلوك غريب يتنافى مع مزاعمها في رفض  مشروع صفقة القرن، ويثبت أن هذه السلطة وقيادة المنظمة الحالية مقبلة على  مغامرة سياسة  جديدة ستجلب الكارثة على قضيتنا الوطنية.

لقد بات شعبنا في كافة أماكن تواجده يستشعر خطراً دائماً  يهدف بقضيته ومستقبل أجياله وأن السلطة ذاهبة في طريق تؤدي بنا إلى الكارثة وهو ما يذكرنا بسلوك القيادة التقليدية في ثلاثينات وأربعينات القرن الماضي التي أضاعت فلسطين في سبب خلافاتها العشائرية والحزبية وضيق أفقها وقلة حيلتها، وما يجري اليوم هو أخطر من سايكس بيكو ووعد بلفور إنه مشروع التصفية الكاملة للقضية الفلسطينية  التي تديره  أمريكا وبدعم كامل من "إسرائيل" وتواطؤ بعض الأنظمة العربية وبعض الأطراف الفلسطينية، وتأتي مسيرات العودة الباسلة في إطار مقاومة هذا المشروع الخطير وتنطوي على إصرار شعبنا في العودة والتمسك بحقوقه المشروعة، كما وتأتي التحركات الشبابية المتنامية في الضفة في ذات الإطار ولوضع حداً من العبث السياسي وضرورة إعادة البوصلة للمسار الوطني لمجابهة الاحتلال والمشاريع التصفوية، فهذا الحراك الشبابي هو بمثابة ثورة وطنية شبابية جديدة ولم يلبث أن يتسع ويكتسب زخماً أقوى في ظل تردي الأوضاع السياسية والاقتصادية والأمنية، وعلى السلطة أن تتدارك نفسها قبل فوات الأوان وعليها أن تتعلم  درساً من الانتفاضة الثانية التي انفجرت في وجه الاحتلال وكان من الممكن أن تنفجر أيضاً في وجه السلطة وفي حساب قاضتها وأجهزتها ولولا وعي الشعب الفلسطيني وإدراكه للمخاطر السياسية أكثر من قادته.

أمّا دولة الاحتلال المنتشية بحالة الضياع العربية والانصياع المطلق لبعض الأنظمة الرجعية العربية لجانب الإدارة الأمريكية الحالية فإنها ستفاجئ هي الأخرى بالانفجار القادم، والذي من المتوقع أن يأخذ أشكالاً جديدة في نضال الشعوب العنيد في سبيل الحرية والخلاص الوطني.

إن هذا الحراك الشعبي في الضفة المتزامنة  مع مسيرات العودة في غزة هي إعادة الاعتبار لحالة الوعي الشبابي، تدلل على نضجهم وإدراكهم لخطورة اللحظة التاريخية  أكثر من القادة السياسيين الذين تكلسوا  وأفلسوا ولم يعد أمامهم ما يقدموه سوى ذات الخطابات المملة والساذجة، كما ويعبّر هذا الحراك عن حالة الأزمة التي تعيشها حركة التحرر الوطني فنحن واثقون بهؤلاء الشباب وإن ظل حراكهم حتى اللحظة محدوداً، فإننا على ثقة أنه سيتنامى ويشمل جهات واسعة، فهؤلاء الشباب أثبتوا أنهم مسكونون بالأمل والإصرار والعزيمة والتمسك بالثوابت والحقوق، وأنهم كجيل ثوري شاب ناقم  على تردي الأوضاع ورافض لسياسات السلطة وأجهزتها الأمنية، والتي تتوهم أنها مسيطرة على زمام الأمور وقادرة  على وقف هذا الحراك الشبابي.

أما الكيان الصهيوني فهو أيضا واهماً إذا تصور أن الشعب الفلسطيني سيستسلم وأن صفقة القرن سيجري تمريرها بسهولة، فيما الحراك الشبابي إلى جانب مسيرات العودة يعبّر عن حالة إبداع شعبية ووعي جديد ينبئ بولادة حالة ثورية متجددة ومتواصلة، وعلينا أن نشجع هذا الحراك في الواقع فهو لا يحتاج إلى ثوار كسولين، وإنما ثوار لا يتسابقون مع التيار المهزوم وقادرون على مواجهة هذه المرحلة البائسة، نريد ثواراً يتحركون ويرفعوا صوتهم عالياً أفضل مليون مرة من الثائر الخامل المتذمر والمحتج والصامت. ولهذا من الأساس تنوع هذا الحراك وتطوير شعاراته السياسية لتشمل المناداة بضرورة التغيير الجذري في بنية السلطة، والإصرار على مقاومة دولة الاحتلال ورفض المشاريع التصفوية التي تحاك ضد قضيتنا الوطنية. وفي الختام أجدد تأكيدي بأن الثورة قادمة لا محالة، وإن غداً لناظره  قريب.