بقلم الرفيق الأسير شادي الشرفا

اطلالة على المونديال في السجون

المصدر / مركز حنظلة للأسرى والمحررين بقلم الرفيق الأسير شادي الشرفا

 

لم ينجح القرار الشعبوي لما يسمى بوزير الامن الداخلي "اردان" بمنع بث مونديال كرة القدم في السجن، فهذا "الولد" حسب توصيف الأسرى له يعلم بأن لدى الأسرى حيل عديدة للتحايل على هذا القرار الغبي.

فتمديد سلك "أنتينا" صغير من الشبك وشبكها في التلفاز كفيلة لالتقاط محطات أرضية تبث المباريات لكن إصرار "اردان" على عنصريته وسذاجته ومحاولة منه لدغدغة عواطف الحاقدين من مجتمع الاحتلال دفعته لعقد مؤتمر صحفي كبير للإعلان عن قراره بحجب المونديال عن السجون الأمر الذي انطلى على جماهيره اليمينية الكارهة وأشفى غليلهم.

هذا القرار بحرمان الاسرى من المونديال -ما عدا أسرى فتح- يأتي ايضا بطلب من عائلة الجندي "هدار جولدن" المحتجز لدى المقاومة الفلسطينية في غزة فرغم انقضاء قرابة ال4 سنوات على أسر الجنود الصهاينة لم تدرك بعد تلك العائلة المنحدرة من جماعة صهيونية متدينة أن كل الضغوطات والتضييق على الأسرى أو على سكان غزة كما تطالب لن تجدي ثمارا ولن تغير من موقف المقاومة المصَّرة على صفقة تبادل على غرار الصفقات السابقة ورغم فرحة "اردان" ونشوته الزائفة فإن الاسرى يتابعون المونديال بذات الشغف الذي يرتبط بموسم المونديال كل 4 سنوات، والمونديال في الاسر طقوسه مثيرة وجديرة أن تروى فهذا الشهر يحمل في طيَّاته ثقافة خاصة حيث يقلب طبيعة الحياة في السجون ويعطيها نكهة خاصة مليئة بالحيوية والنشاط والتفاعل فغالباً تعلّق البرامج الثقافية والجلسات وتستبدل مواعيدها بالمباريات وهذا ما يفسح المجال للمتابع للمونديال والغير مكترث به والذي يجد منه وسيلة للراحة ، ولكن سرعان ما يجد نفسه غارق في متابعة أدق التفاصيل عن المباريات ليس لشيء انما عدوى المونديال تصيب الجميع بلا إستثناء فها هو الرفيق "ابو عنان" مثلاً يتابع بلهفة الشباب رغم معلوماته المحدودة عن كرة القدم.

الطريف أن المناكفات الفصائلية تكاد تختفي ويحل محلها المناكفات بين المشجعين فالانتماءات تميل نحو المنتخبات لتجد رابطة مشجعين لعدة فصائل يناكفون المشجعين الاخرين للمنتخبات الاخرى.

رفيقي "خالد" المدمن على كرة القدم يشجع البرازيل باستماته ولا يتردد في القول انه سيشجع منتخب السامبا حتى لو لعب ضد المنتخب الفلسطيني فيما الرفيق "ابو غسان" أكثر عقلانية فهو يؤدلج تشجيعه للبرازيل من منطلقات ايديولوجية وتاريخية وحتى سياسية، وهكذا يستقطب المؤيدين بكلامه المعسول (المؤدلج).

فيما يشجع الرفيق السامري منتخب المانيا ورغم التباس الهوية الذي أتهمها به فإنه يصر على تشجيعهم حتى لو اتهمته مازحاً بالنازية والرفيق "العارضة" يحذو حذوه وكذلك بكى خسارة منتخب الماكينة امام المكسيك قبل أيام، لكن مشجعين الأرجنتين أكثر غرقاً في الماضي ويصرون ان ميسي سيحمل كأس العالم هذه المرة فرفيقي "حكمت" يعتبر أن الكأس حقا مكتسب للأرجنتين واي تلاعب بهذا الحق لهو تغيير في قوانين الطبيعة نفسها. وحقيقة الأمر أن أجد صعوبة في فهم دوافع مشجعين إنجلترا فالنقمة السياسية على وعد "بلفور" تجعل من الغالبية العظمى من الاسرى يشجعون أي فريق يلعب ضدهم، فلا مجال لفصل السياسة عن كرة القدم ولعل ذلك يتجلى في مباراة روسيا والسعودية حيث لم أجد أسيراً واحدا يشجع السعودية بل طاروا فرحاً بعد الاهانة الخماسية التي تلقتها في مباراة الافتتاح فهذا يعكس النقمة وعدم الرضى على الدور السياسي للسعودية في المنطقة. أما أبرز معالم الخلاف كانت في مباراة المغرب وإيران حيث انقسم الأسرى انقساماً صعباً، فإيران حليفة المقاومة فيما المغرب ماضية بأقدام ثابتة نحو التطبيع، لكن في نفس الوقت ان الشعب العربي المغربي يعد صديقاً للفلسطينيين لذا فضَّل بعض الاسرى الوقوف على الحياد. ومع ذلك فإن ما يدحض دور السياسة في الرياضة لهو تأييد الاسرى للمنتخب المصري، فلم يحدث انقساماً حاداً رغم موقف الحكومة المصرية المخزية والرجعية، يبدو ان مصر أُم الدنيا وما زال الاسرى يعولون على استعادة دورها التاريخي والطبيعي ايضا كما انهم يحبون الشعب المصري بالفطرة. اما المنتخب الذي حظي على تأييد الجميع فهو تونس فنسور قرطاج يتحلون بمكانة خاصة لدى الأسرى الا إذا واجهوا البرازيل فمشجعي البرازيل لا يساومون حتى لو اشترطت عروبتهم. ومع احتدام صراع المجموعات في المونديال يبدو أن الجمالية الكروية ملازمة لمنتخب اسبانيا رغم تعادله مع البرتغال فإنا شهدنا فننا لا يضاهيه أحد فالماتادور الذي أشجعه بطبيعة الحال سيتربع على عرش كرة القدم بجدارة ومن خيبت آماله في اداء المنتخبات العربية سيجد سلوانه مع المنتخب الاسباني بحكم القرابة الجينية بيننا التي نشأت في الاندلس. ويحدث السجال الاكبر بين الاسرى في الفورة حيث تلتقي اندية المشجعين أحياناً بلباس المنتخبات لمن توفر زي لهذه الرفاهية، وهناك تغيب القبلية الفصائلية وتظهر القبلية الرياضية بنكهة أكثر اشراقاً وتفاؤلاً ورونقاً، ورغم إدراكناً ان الشركات الرأسمالية الكبرى تنتزع من هذه الرياضة العالمية على حسابنا.

وفيما يبقى الاسرى يجرون مأساتهم على طول سنوات حكمهم الطويلة فإنهم يأجلون معاناتهم بطرق عدة أحدها الانغراق في المونديال مرة كل 4 سنوات.