وقوع الأسير جلال الفقيه ضحية الإهمال الطبي

بقلم الأسير كميل أبو حنيش "المشافي والعيادات العنصرية في سجون الاحتلال"

المصدر / ​خاص مركز حنظلة للأسرى والمحررين

الأوضاع الصحية الكارثية للأسرى الفلسطينيين والعرب في سجون الاحتلال تحتاج إلى دراسات معمقة تكشف وتفضح الجرائم التي ارتكبتها إحدى أبرز المؤسسات الاحتلالية بحق الأسرى طوال العقود الماضية، وليس من وظيفة هذا المقال سوى تعليق الجرس لكل من يهمه الأمر ويركز على حالة عايشتها في السنوات الأخيرة تتعلق بالحالة الصحية للأسير المناضل جلال الفقيه وهو المعتقل منذ العام 2003 ومحكوم بالسجن المؤبد وعمره الآن 37عاماً، ويعاني هذا الأسير من عدة أمراض أبرزها آلام الظهر والبواسير منذ سنوات.

وهذا المناضل كثير التردد على العيادات والمشافي التابعة لمصلحة السجون دون أن ينجح في انتزاع حقه الانساني لضرورة إجراء عملية جراحية خاصة بالبواسير، وفي كل مرة تلجأ إدارة سجن جلبوع الذي يحتجز فيه الأسير منذ سنوات إلى المماطلة والتسويف بينما حالة جلال الفقيه تتفاقم.

 ومنذ بدايات عام 2015 وهم يعدونه باقتراب موعد العملية الجراحية وبلغة الأرقام زار  هذا الأسير عيادات السجن بين عامي 2015و2016 حوالي سبعين مرة، وفي ذات الفترة جرى تحويله للمشاكل الخاصة بالسجون 15مرة، وفي كل مرة يلمحون له باقتراب موعد العملية حيث أن تحديد موعد وتاريخ لإجرائها يعتبر إحدى أهم الأسرار الأمنية وبين وعد وآخر تفاقمت حالته حتى باتت حياة هذا الأسير في خطر.

 وبعد ممارسة ضغوط من قبل الأسرى على إدارة السجن أبلغت الإدارة الأسير جلال بأن عمليته ستجرى بشهر نوفمبر 2016 وأخد جلال يعد الأيام وهو يمني النفس باقتراب الفرج لكن أمله خاب فلقد انقضى شهري نوفمبر وديسمبر 2016 ودخلنا العام الجديد 2017 وانقضى الشهر الأول من هذا العام دون إجراء العملية، وفي كل يوم تماطل الإدارة وتتذرع بأن العملية ليست مرتبطة بها وإنما تتعلق بالمشافي وبيروقراطية إدارتها ولم يعد أمام هذا المناضل إلا أن يلوح بالإضراب المفتوح عن الطعام، ومورست ضغوط شديدة على الإدارة من قبل اللجنة الوطنية في السجن إلى أن رضخت الإدارة أخيراً، وكشفت عن سر موعد العملية مكتفية بتحديده في شهر شباط دون موعد محدد ولكن يتعين على الفقيه أن يخضع للمزيد من الفحوصات قبل إجرائها  العملية، وهذا يعني رحلة معاناة شديدة قبل إجراءها وبالثلث الأول من شهر شباط خضع الأسير جلال لفحوصات في مشفى العفولة وبعدها بأسبوع أبلغوه بضرورة إجراء فحص أخير في مشفى سجن الرملة وفي رحلة البوسطة المهلكة حيث يتكدس في سياراتها عشرات الأسرى.

يتعين على جلال أن يمضي في هذه الرحلة الجهنمية واقفاً على قدميه مكبلاً اليدين والقدمين لأنه لا يستطيع الجلوس على مقاعدها الحديدية الباردة وهي رحلة ستستمر لثماني ساعات.

 وتتوقف سيارات البوسطة في عدد من السجون قبل وصولها إلى سجن الرملة وهنالك سيبيت ليلاً في زنازين السجن الكريهة وغير الملائمة لمثل هكذا حالات صحية.

 وفي صباح اليوم التالي  أخرجوه من زنزانته إلى المشفى والتقى بطبيبها ومن خلف مقعده اكتفى الطبيب بتقليب أوراق الملف الطبي الخاص بجلال دون أن يكلف نفسه بفحصه ولم يسأله أي سؤال وبعد دقيقتين فقط من هذه المقابلة الخاصة اللاإنسانية أشار له أن يخرج ولم يصغِ الطبيب لاحتجاج جلال، وبعد ذلك سيجد نفسه مكبلاً من جديد ليعيده السجان إلى زنزانته التي سيبيت فيها  ليلة أخرى وتعود الكارثة ثانية في العودة للسجن في اليوم التالي وعاد إلينا يومها وأوضاعه الصحية أكثر صعوبة بعد هذه الرحلة التي استمرت أكثر من ستين ساعة من المعاناة  ليعاينه الطبيب بنظرات باردة ولمدة دقيقتين فقط.

 وبعد أيام من المعاناة وفي صباح الثاني والعشرين من شباط وعلى حين غرة أبلغوا جلال  أنه يتعين عليه أن يتحضر سريعاً للسفر إلى مشفى العفولة لإجراء العملية وأجريت له العملية في اليوم التالي يوم الخميس في 23/2 ولم تقبل إدارة المشفى أن تستضيفه سوى ليلة واحدة ليعود إلينا في صباح يوم الجمعة 24/2 ليلة واحدة فقط بعد إجراء عملية جراحية معقدة لاستئصال باسور داخلي وآخر خارجي ففي الأوضاع الطبيعية لعملية مشابهة يمكث المريض في المشفى لأسبوع على الأقل لكن في مشافي "إسرائيل الديمقراطية المحافظة على حقوق الإنسان" لا يمكث الأسير سوى ليلة واحدة فقط ويعود الأسير جلال إلى السجن وكانت أوضاعه صعبة بعد العملية واعتقدنا أنه  يحتاج إلى عدة أيام من الرعاية والاهتمام من قبل رفاقه وسيبدأ في التعافي ولكن حالته باتت تتفاقم يوماً بعد يوم وأنينه يتعالى ليلاً ونهاراً، وفي اليوم السابع ساءت حالته وكانت أوجاعه لا تحتمل وعندها توترت الأجواء وضغطنا على الإدارة لإنزاله إلى العيادة، وبعد مماطلة استمرت ساعتين نقل الأسير على حمالة إلى العيادة وهناك كانت الصدمة حيث رفض الدكتور في العيادة فحصه نهائياً واكتفى بإعطائه بعد الحبوب المسكنة، لكن جلال رفض العودة إلى القسم قبل أن يفحصه الطبيب، وعندها هددوه بإلقائه بالزنازين وأمام هذا الطبيب الفاشي حضر ضابط أمن وبضع سجانين ورفعوا الحمالة وجلال مستلقي عليها ورفعوها من طرفها الأمامي بشكل عامودي وألقوه عن الحمالة ليسقط أرضاً دون أن يحتفوا بأوجاعه الشديدة وأعادوه جراً إلى القسم، جن جنوننا وجلال يروي لنا من وسط أوجاعه ودموعه ما حدث معه  وعندها توترت الأجواء وجرى إغلاق القسم وتهديد الإدارة بتحميل المسؤولية عما سيجري في السجن إذا لم ينقل الأسير فوراً إلى المشفى حتى اضطرت إدارة السجن رغماً عنها لنقل جلال إلى المشفى بعد استدعاء سيارة الاسعاف على عجل، وهناك بالمستشفى أُجريت له فحوصات جديدة وتبين أن لديه التهابات وأعطي أدوية جديده معظمها مسكن للآلام وأعادوه إلى  ذات اليوم وكانت الأجواء متوترة في ذلك اليوم حيث حاولت الإدارة وضباطها أن تحتوي الغضب وتبرير ما جرى، والتأكيد على مشاعرهم الإنسانية بعد اتهامهم بانعدامها ومن يومها بات الاهتمام بحالة جلال الصحية مبالغ فيها لا يبعث إلا على السخرية خاصة بعد أن باتت حالته تتحسن يوماً بعد يوم.

إن قضية الأسير المناضل جلال هي واحدة من بين مئات الحالات الصحية الصعبة في سجون الاحتلال وهذه الحالة شاهدة على ما بات يعرف بالإهمال الطبي أو الصحي المتعمد الذي أدى إلى استشهاد أكثر من عشرات الأسرى في السجون في السنوات الماضية.

إن السياسة التي تنتهكها إدارة السجون بحق الأسرى الفلسطينيين تعبر عن نزعات انتقامية، أما الأطباء العاملون في عياداتها فهم باردون كالجليد فضلاً عن افتقادهم للمؤهلات الطبية اللازمة ولا نخفي من كل ذلك افتقادهم للحس الإنساني الذي هو من أهم أخلاقيات مهنة الطب.

 إن مفهوم الإهمال الطبي ليس بدعة وليس تجني على مصلحة السجون وإنما حقائق يومية تلامس الجرائم  الإنسانية، وهي دعوة لوزارة شؤون الأسرى وكافة المؤسسات الحقوقية لإجراء تحقيق جدي بما يجري في سجون الاحتلال، وبإمكانه البدء بأخذ إفادات الآلاف من الأسرى المحررين ومئات الأسرى الذين لايزالون يقبعون في السجون، وعندها سيكتشف الجميع حقائق مرعبة كفيلة بفضح جرائم الاحتلال ومؤسسته القمعية مصلحة السجون بحق الأسرى طوال أكثر من خمسة عقود.

 علينا أن نبدأ بإعادة مئات بل آلاف من الملفات التي من شأنها أن تفضح ديمقراطية "إسرائيل" الزائفة وجرائمها الإنسانية الفظيعة وبالتالي محاكمتها على هذه الجرائم.

  • مسئول فرع الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في سجون الاحتلال.