بقلم الأسير وائل الجاغوب

السياسة الاسرائيلية ضم وشرعنة وعدوان

وائل
المصدر / مركز حنظلة للأسرى والمحررين

إن فرض الأمر الواقع على الأرض من خلال إحداث تغييرات (بناء مستوطنات، مصادرة أراضي، شق طرق التفافية للتواصل بين المستوطنات) نهج متأصل في السياسة الإسرائيلية، إضافة إلى العمل من أجل إضفاء شرعنة على الأمر الواقع كما تم فيما يتعلق بالكتل الاستيطانية التي لم تفاوض "إسرائيل" عليها.

هذه السياسة تقوم على امتصاص ردات الفعل الدولية المحدودة، والرهان على عامل الزمن، وتوافر الفرص المواتية دولياً لإضفاء المشروعية كما يحدث راهناً فيما يتعلق بقضية الجولان السوري المحتل حيث تم اتخاذ قرار ضمه رسمياً من قبل " إسرائيل" بداية ثمانينات القرن المنصرم، والآن "نتنياهو" يطالب الاعتراف بسيادة "إسرائيل" على الجولان، وما يحدث فيما يتعلق بتوجهات الضم لمناطق (c) والعمل على أن يتم الأمر بشكل تدريجي (معالي أدوميم أولاً، أرئيل أو عدة مستوطنات) ولهذا الغرض تم الاتفاق على تشكيل لجنة مشتركة أمريكية إسرائيلية لبحث موضوع الاستيطان ([1]) حيث يغدو الاتفاق عليه أمريكي إسرائيلي بمعنى ما  تتوفر ممكنات ضمه، وما يمكن أن يتم التوسع به لتغدو عملية فرض الأمر الواقع تسير مع خطوات شرعنة الضم والاستيطان.

الجولان وخطة جالانت:

قدّم الوزير الإسرائيلي "جالانت"  مشروعاً للمجلس الوزاري المصغر للشئون الأمنية والسياسية الذي عُقد قبل زيارة "نتنياهو" لأمريكا وقد شمل المشروع تصور لإعادة إعمار سوريا من خلال مبادرة دولية تقودها أمريكا، وترصد لأجلها مليارات الدولارات وتشمل التوصيات والتفاهمات مع الروس فيما يتعلق بنفوذهم في المنطقة وسوريا ومصالحهم، ويهدف المشروع إلى الحد من النفوذ الإيراني في سوريا، وقطع كل اتصال بري للمقاومة في لبنان، بمعنى تجريدها من العمق الاستراتيجي، ورهن مشروع إعادة الإعمار باعتراف النظام السوري بالسيادة الإسرائيلية على الجولان المحتل، وطبعاً تجاوز الرئيس السوري بشار الأسد ([2] ) .

إن مشروع "جالانت" والذي ترجمه " نتنياهو" بالطلب من الرئيس الأمريكي " ترامب" بالاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على الجولان يعكس استراتيجية العمل السياسي التي تنتهجها حكومة الاحتلال، والتي ترى بأن المناخ الدولي والإقليمي الراهن مواتي لفرض أمر واقع وشرعنته وما يتم بخصوص الجولان هو ما يتم بخصوص المناطق المصنفة ( c) في الضفة وفق خطة  تقوم على تهيئة الأراضي ومن ثم الضم والضغط لإضفاء المشروعية.

خطوات تحضيرية لبناء وحدات في الضفة والقدس

إن السياسية الإسرائيلية ومنذ سنوات باتت مكشوفة بالمعطيات والأرقام، فتقرير الأمم المتحدة الذي صدر عام 2010 يظهر أنه في مناطق ( c)  تم إصدار أكثر من 14,000  قرار هدم منذ عام 1990 إلى 2009 وتضاعفت هذه الأرقام بعد ذلك ([3] ) .

 وتشير التقارير إلى أنه قد قدم الفلسطينيون بعد أعوام ( 2010 و2014) 2030 طلب رخصة بناء تم الموافقة على بناء 32 فقط منها ([4] )، وكذلك أشارت منظمة "بتسليم" في تقريرها المنشور مؤخراً والمتعلق بمناطق ( c)  أن عام 2016 قد شهد أعلى نسبة هدم للمنازل، حيث تم هدم 274 منزلاً، وشُرد 1034 من سكانها بينهم 591 طفلاً، أما الهدم فقد تركز في ثلاثة مناطق ( جنوب جبل الخليل، ومحيط مستوطنة معاليه أدوميم ومنطقة الأغوار)، أما القدس فقد هُدم 73 منزلاً و48 منشأة، وشُرد 295 انساناً منهم 190 طفلاً ([5] ).

ويشير تقرير "بتسليم" إلى أن تصاعد عمليات الهدم في مناطق محددة هو مقدمة من أجل السيطرة عليها ([6] ) . وهذا ما يتم فعلياً سواء في القدس أو الضفة .

وفي هذا الاطار أيضا يمكن قراءة قانون التسويات ومشاريع قوانين الضم، والحوارات ما بين السياسيين داخل "إسرائيل" حول سؤال ما هو مصير الكيان الفلسطيني بين منح المواطنة لجزء متبقي يسكن المناطق ( c) ومنح حكم ذاتي للتجمعات السكنية في الضفة كما يطرح زعيم البيت اليهودي "نفتالي بينيت" أو الضم مع مواطنة كما يطرح رئيس الدولة، بمعنى بأي شكل سيتم ممارسة الأبارتهايد إذا افترضنا أن المطلوب هنا نظام فصل عنصري فقط ولم يكن مشروع تهجير وتطهير يشكل مقدمة لمثل هذا النظام.

تهديد غزة:

تمثل غزة عنوان متقدم على أجندة المستوى السياسي والأمني بـ"إسرائيل"، ويشكَل التعامل معها والتلويح بعدوان آخر ضدها كما أشار عدد من الوزراء مؤخراً وما طرحه "ليبرمان" وزير الحرب من مقترحات حول الميناء والمطار والأوضاع الاقتصادية مقابل نزع السلاح والهدنة وتسليم الأسرى لدى المقاومة وما يطرحه من خيارات بمجملها ([7]) تشير إلى أن استمرار الوضع القائم راهناً لم يعد ملائماً لسياسة وأمنيين حكومة الاحتلال، وإحداث تغيير به يمكن أن يتم عن طريق عدوان آخر أو تحقيق واختراق عبر الضغط من خلال دول عربية على المقاومة.

 وبهذا الاطار فإن تصريحات وزراء حكومة الاحتلال لا تأتي من فراغ، فهناك عوامل داخلية تدعم اقتراب الإعداد للعدوان بشكلٍ قوي ومركز ( رغم أن الإعداد لم يتوقف يوماً) وما كشفه تقرير مراقب الدولة حول عدوان 2014 وحوارات المجلس الأمني المصغر والاتهامات المتبادلة بين الوزراء والجيش وأزمة التحقيقات التي تحاصر "نتنياهو" وسلسلة التحقيقات مع وزراء الحرب حول صفقات القطع البحرية، ومطالبات الجيش بضرورة إعادة الاعتبار لنفسه بعد ما كشُف من حقائق حول أدائه بالحرب ونضوج الظروف الإقليمية والدولية وبالأخص الأمريكي لتشكل غطاء لمثل هذا العدوان، بالمقابل هناك عوامل تكبح في مقدمتها المقاومة وإمكاناتها التي مثلت حالة ردع لحكومة الاحتلال، والتخوف من فتح عدة جبهات ليس في غزة فقط بل انفجار الأوضاع في الضفة وعلى الحدود الشمالية، وتصاعد الحركة الشعبية الدولية الداعية لمقاطعة حكومة الاحتلال، واضطرار المستوى السياسي الفلسطيني التوجه لمحكمة الجنايات الدولية.

إن المتغيرات ما بين تصعيد العدوان واتساع رقعته بمستوى حرب، وما بين تصعيد الضغط بوسائل أخرى قائمة لكن البقاء بإطار الوضع الراهن لم يعد خيار مناسب للاحتلال الذي يرى بأن التفجير من غزة قادم نتاج الحصار والضغط وقد يعطي نتائج مخالفة متوقعة.

 

[1] - القناة العاشرة الصهيونية، تقرير بتاريخ 16/2/2017.

 

[2] - صحيفة "يديعوت أحرنوت" الصهيونية، تقرير بتاريخ 12/2/2017.

[3] - صحيفة "هآرتس الصهيونية"، تقرير لعميرة هاس، بتاريخ 7/9/2015.

[4] - المصدر السابق.

[5] - صحيفة " يديعوت أحرنوت" الصهيونية- تقرير منظمة "بتسليم" 2017.

[6] - المصدر السابق.

[7] - مقابلة مع وزير الحرب الصهيوني " ليبرمان" يديعوت أحرنوت الصهيونية، بتاريخ 12/2/2017.