#الإهمال_الطبي

حول قضية الأسرى المرضى مرة أخرى

المصدر / مركزحنظلة للأسرى والمحررين _خاص

إن تناول قضية الإهمال الطبي كسياسة تنتهكها إدارة السجون ضد الأسرى، سُلط الضوء عليها عشرات بل مئات المرات، وتعود لتفرض نفسها مرة تلو الأخرى بعد حالة استشهاد، أو تدهور بالأوضاع الصحية لهذا الأسير أو ذاك، لكن ما حصل من حديث ودعوات وأفكار قدُمت من برامج ومناشدات لم تؤدِ للأسف إلى الدفع نحو تناول هذه القضية بشكلٍ كافٍ والعمل عليها لا على صعيدنا كأسرى ولا على صعيد الوطن العام خارج السجون.

 ولم نستطع تحقيق التركيب المطلوب ولا صياغة برنامج ولا عمل جاد منظم لإنقاذ حياة الأسرى المرضى؛ بل للأسف أصبح نبأ استشهاد الأسير داخل السجون لا يجد صدى اجتماعي حقيقي باتجاه محاولة صياغة تحريك فعلي من أجل إنقاذ حياة الأسرى.

ولعل هناك من يقول أن "الموت اليوم وحالة الإحباط والانقسام قد خلقت أجواء جعلت الموت داخل السجون لا يخرج عن السياق اليومي، وهذا ينذر بأنها ستبقى وستتوسع طالما أنها لا تتجاوز ردة الفعل عليها وردود الغضب عليها في اللحظة الذي ينمو سريعاً ولا يتحرك ولا يترك أثراً".

إن تواجد أكثر من 300 أسير يعانون من أمراض مزمنة، ووجود مئات الأسرى الذين اعتقلوا خلال الانتفاضة الثانية منذ سنوات طويلة داخل الأسر وتقدم سنهم حيث يتجاوز غالبيتهم سن الأربعين، ووجود عشرات الأسرى الذين أمضوا أكثر من 25 عاماً داخل الأسر، وتراجع الخدمات الطبية المقدمة لهم وتردي شروط الحياة اليومية، وضعف الحركة الأسيرة وعدم قدرتها على صياغة مشروع جماعي للدفاع عن حقوقها، وتشتت الحالة الوطنية الفلسطينية - وهي استنتاج إدارة السجون وأجهزة أمن الاحتلال -  بأن الشهيد داخل الأسر لا يترك أثراً على الأوضاع الجارية خارجه.

        عوامل عدة سوف تؤدي مجتمعة كما أدت سابقاً إلى أن يرتقي أسرى شهداء، ليس نتاج سياسة الإهمال الطبي؛ بل نتاج اعتداءات أيضاً كما حدث مع الشهيد عرفات جرادات عام 2014 حيث أكدت خبيرة بشئون الطب الشرعي بشهادتها أمام محكمة التحقيق "أن الشهيد جرادات تعرض للضرب أثناء اعتقاله مما أدى إلى إصابته بمتلازمة الضائقة التنفسية".

وأكدت أن نتائج التشريح كشفت وجود كدمات واضحة ناجمة عن ضرب بأداة حادة على جسد الشهيد قبيل استشهاده مما ينفي رواية أن هذه الكدمات ناجمة عن محاولات الإنعاش. وخلال ببان مشترك عن اللجنة العامة لمناهضة التعذيب في "إسرائيل" ومؤسسة الحق صدر منشوراً في جريدة القدس في 9/4/2014، تم تأكيد ذلك.

  وكما حدث مع الشهيد محمد الأشقر في سجن النقب عام 2007 والذي استشهد أثناء اقتحام وحدة القمع "الماتسادا" للسجن، جراء إطلاق عيار معدني على رأسه مباشرة، والشهيد ميسر ابو حمدية والذي استشهد عام 2014، وكُشف بعد استشهاده وأنه كان هناك تأجيل فحوصات هامة له على يد طبيب السجن لمدة 6 أشهر، وتلقى الطبيب توبيخ كما ادعوا على هذا الإهمال، علماً أن نفي تقديم فحوصات للشهيد أبو حمدية كان منذ سنوات، وهذه قائمة للأحداث التي جرت وهناك كثير بما يجري الأن وسيؤدي إلى ارتقاء شهداء آخرين.

هناك العديد من الإجراءات التي تتخذها إدارة السجون على صعيد الملف الطبي أبرزها مواجهة الأسير المريض برد أنه يدّعي المرض، ومتمارض ولا يعاني من شئ، وهذا الادعاء يستمر شهور وأكثر، ولاحقاً تبدأ رحلة التجربة بإعطاء الدواء والتغيير له، حتى يصل مرحلة التسجيل لإجراء فحص طبي، وهذا يتطلب أشهر وعناء البوسطة يظهر حينها، ويتخلل ذلك الرفض المعتاد لطلب إدخال طبيب من خارج الجهاز الطبي من إدارة السجون ومحدودية العدد المسموح إخراجه للعيادة أسبوعياً، وإذا اتضح أن الأسير يعاني من مرض يحتاج إلى تدخل جراحي الأمر الذي يستمر إلى فترة زمنية طويلة، وهذا ينطبق على الأسرى المتواجدين في سجن الرملة المسمى بالعيادة، فيما يتم بحقهم أسوأ بكثير.

إن هذا الواقع بات يستدعي عمل جهد استثنائي الآن سواء بالشكل المتعلق بنا كأسرى أو بالشق الخارجي وهذا الأكثر فعالية على صعيد الحركة الأسيرة؛ فالمطلوب من الحركة الأسيرة هو صياغة مطالبها وبرنامجها النضالي، علماً أن أحد الجوانب التي ستؤدي إلى تفجير الأوضاع بداخل السجون هو الملف الطبي، والتي بالضرورة أن تكون اليوم مقدمتها المطالبة بنقل المسؤولية عن الجهاز الطبي من إدارة السجون إلى وزارة الصحة، وإحداث تغيير جذري فيما يتعلق بتقديم العلاج والعمليات وعذاب البوسطة وإيقاف الاعتداءات، وتوفير الشروط الصحية اللازمة وإجراء الفحوصات الدورية والسماح بدخول أطباء من الخارج، وتوفير أطباء أخصائيين وإطلاق سراح الأسرى الذين باعتقاد دون تقديم علاج لهم، وهناك عدد من الأسرى حياتهم مهددة بالخطر أبرزهم الأسير السايح ويسري المصري وغيرهم.

أمّا الحراك الذي يبدو قادم فهو يتمثل بالخطوة الموحدة الجماعية للأسرى بعيداً عن التشتت والاتساع على الصعيد الخارجي.

 أدرك جيداً أننا فاقدون لإستراتيجية عمل وطني موّحد لكن ذلك لا ينفي إمكانية الفعل والمبادرة في جوانب من قبل الحراك الشبابي الفصائلي والمؤسسات، بهذا الإطار يمكن لأحد الأطراف أن يحمل هذا المشروع ويدعو إلى اجتماع وطني موسع عنوانه إنقاذ الأسرى المرضى في سجون الاحتلال، وإعداد برنامج عمل مهمات لهذا الظرف، وتكليف هيئة وطنية للعمل بهذا الجانب وتتكلف بعدة مهام  للتصدي لهذه السياسة، وهي على سبيل المثال:

أولاً: العمل على تشكيل لجان على المستوى الدولي دعماً من أجل إطلاق سراح الأسرى المرضى، وأن يتم رفع مطلب محاكمة مجرمي الحرب المسئولين عن إعدام الأسرى، وتوفير شهادات وحقائق حول هذا الأمر، والدفع باتجاه إحداث لجنة طبية دولية إلى فلسطين تطالب بزيارة السجون وأن تعمل على تجاوز وتناول الأرقام فقط لعدد المرضى إلى الأسماء، والحالات والتجارب والشهادات الحيّة ويمكن أن نعمل لتشكيل لجنة تحقيق ومشاركة مؤسسات دولية تُعرب عليها الأحداث والوقائع والتي يتم تشهد تقريرها دولياً كلجنة جماهيرية معاً، علمنا المسبق بأن هذا النشاط راهناً ليس بالسهل المكان للظرف الإقليمي وحجم القضايا المطروحة.

ثانيا: إن النضال على الأرض هو العامل الذي يمكن أن يساهم في الدفاع عن حياة المرضى الأسرى وهذا ما يعني أهمية العمل وفق برنامج نضالي شعبي مقاوم عنوانه "الأسرى المرضى"، فإن الاعتصام والاجتماع فعل يجب أن يكون أمام الحواجز والسجون مثل  سجن "عوفر" وفعاليات وطنية داخل فلسطين المحتلة عام 48، إضافة إلى جانب العمل الإعلامي والتركيز على مطالب واضحة يمكن إشراك  المؤسسات الطبية والأطباء بهذا الأمر، باعتبارهم يمتلكون الخبرة في موضوع سياسة الإهمال الطبي التي يعاني منها الأسرى.

ثالثا: الضغط على المستوى الرسمي الفلسطيني لاعتماد قرار يجبر السفراء الفلسطينيين في مختلف دول العالم للعمل على إثارة قضية الأسرى المرضى، والعمل لدعم الفعاليات والنشاطات على هذا الصعيد، إضافة إلى تنظيم لقاءات كعائلات الأسرى المرضى والمسؤولين الدوليين/ والضغط لإقامة أسبوع دولي للأسرى المرضى في مقر  الأمم المتحدة والجامعات والنقابات، وتوجيه لمؤسسة دولية ومحكمة لاهاي الدولية بملف تعذيب وقتل الأسرى في السجون، وإعلان أسماء الضباط ومخابرات العدو وإدارة سجونهم وملاحقتهم قضائياً.

رابعا: تأسيس صندوق مالي يقوم على جمع التبرعات لتمويل النشاطات والفعاليات النضالية على صعيد الملف الطبي.

خامساً إن التأسيس والعمل لإطلاق أسبوع على المستوى الدولي من أجل حرية الأسرى المرضى يستدعي تدخل وجهد كبير لكافة المستويات.

سادساً: إطلاق حملة الكترونية عبر موقع متخصص أو مواقع متخصصة بلغات عدة يتعلق بالأسرى المرضى.

إن الشروع بالعمل الآن، هو واجب، فإذا ما ظلت حالة الصمت فالخشية من أن ألا يكون الشهيد البطل ياسر حمدونة الأخير، فبعد استشهاده بعدة أيام أصيب أسير آخر بنوبة قلبية حادة كادت أن تؤدي بحياته، وهو يعاني من المرض المزمن أيضا، ولذلك نؤكد لكم جميعاً بأن المبادرة بالتحرك الآن هامة فالوقت عامل حاسم في إنقاذ المزيد من الأسرى المرضى.