الهجمة التي تشنها إدارة السجون خلال السنوات الأخيرة

التحديات في واقع الأسر وأفكار حول المطلوب خارجه

المصدر / مركزحنظلة للأسرى والمحررين

التحديات في واقع الأسر وأفكار حول المطلوب خارجه

الأسير وائل الجاغوب

خاضت الحركة الأسيرة عام 2012 معركة الإضراب المفتوح عن الطعام، لتكون هذه المحطة إحدى أهم المحطات النضالية خلال السنوات الأخيرة، والتي جاءت لمواجهة هجمة متصاعدة من قبل إدارة السجون مستمرة منذ سنوات اتسعت دائرتها، من ازدياد حالات تحويل الأسرى إلى العزل الانفرادي، والنقل المتواصل لقيادات الحركة الأسيرة، واستمرار منع أسرى  قطاع غزة منذ سنوات من زيارة ذويهم، وتعمقت سياسة التضييق على عائلات الأسرى من القدس والضفة والداخل الفلسطيني، إضافة إلى التضييق اليومي الذي يتعرض له الأسرى أنفسهم.

 

إن الظروف التي أنتجت إضراب عام 2012 وأدت إليه، عادت اليوم وبقوة أكثر شمولية؛ فالأسرى الآن يتعرضون لهجمة شمولية ومتواصلة تتسع تدريجياً يوماً بعد أكثر من الهجمة التي تعرض لها الأسرى. وإن جملة الأسباب التي أدت لخوض اضراب 2012 وعلى رأسها عنوان العزل الانفرادي، وزيارة أسرى غزة، تعود بقوة الآن، إضافة إلى عناوين أخرى، ستتضمنها هذه المقالة.

ولكن قبل تناول ما هو المطلوب نشير هنا إلى وجود مؤشرات عدة تتعلق بإمكانية أن يكون العام القادم، عام اشتباك داخل ساحات السجون بين الحركة الأسيرة وإدارة السجون، سيتوج بإعلان اضراب مفتوح عن الطعام.

 

هجمة مستمرة وعزل ومنع زيارات واستمرار لسياسة الإهمال الطبي:

إن أبرز عنوانين الهجمة التي تشنها إدارة السجون خلال السنوات الأخيرة يمكن تحديدها بالتالي:

أولاً: سياسة العزل الانفرادي:

يتواجد ما يزيد عن عشرين أسيراً داخل زنازين العزل الانفرادي منهم من احتجز لوحده أكثر من ثلاث سنوات مثل الأسرى ( نور عمر، عثمان عز الدين)، وغيرهم، إضافة إلى عزل أكثر من 7 أسرى هذا العام في ظل ظروف حياتية مشددة،  وهذا ما يجعل عنوان العزل أحد أهم  المطالب الهامة الراهنة لعموم الأسرى.

 مع الإشارة إلى أن الأسير المعزول تُمنع الزيارة لعائلته أيضاً مما يجعله  في حالة انقطاع تام عن العالم الخارجي.

 

ثانياً الزيارات العائلية والتي يتم استهداف فيها عائلات الأسرى من أجل الضغط على أبنائهم، ومن ضمن الإجراءات التي يتعرضوا لها " عدم إصدار تصاريح لعائلات الأسرى وتمزيق تصاريحهم على الحواجز، وهو إجراء أخير تصاعد خلال الأشهر الأخيرة وطال غالبية عائلات الأسرى، هذا إلى جانب قرار الصليب الأحمر بتقليص الزيارات من مرتين شهرين إلى واحدة، واستخدام سياسة منع الزيارات لإجراء عقابي ضد الأسرى، ومجمل هذه الإجراءات تعبّر عن سياسة تهدف إلى عزل الأسرى وقطع تواصلهم مع عائلاتهم ومحبيهم ومجتمعهم وتحويل الزيارات إلى فعل موسمي مرتبط بتصحيح أمني يصدر لأحد أبناء العائلات مرة واحدة.

ثالثاً المداهمات الليلية للغرف والأقسام بحجة التفتيش، ونقل أقسام كاملة كما حدث هذا العام بسجن (نفحة ورامون وإيشل ومجدو)، بهدف خلق حالة من عدم الاستقرار لدى الأسرى، في ظل استمرار سياسة نقل الأسرى، فضلاً عن المداهمات الدائمة للغرف باستخدام وحدة القمع " الماتسادا" كما حدث في (نفحة وجلبوع) هذا العام.

رابعاً سياسة الإهمال الطبي المتعمد، وبالأخص ضد الأسرى المتواجدين فيما يُسمى عيادة سجن الرملة، والمعزولين فعلياً عن باقي الأسرى يعانون من ظروف حياتية صعبة، بالإضافة إلى اهمال العلاج وإجراء العمليات وعدم السماح بأطباء مختصين من خارج جهاز إدارة السجون لمعالجة الأسرى، ورفض مطلب الأسرى بنقل المسؤولية عن الجهاز الطبي لوزارة الصحة، والتعامل مع هذا الملف على أساس الموازنة والتوفير، وازدياد عدد الأسرى الذين يعانون من أمراض مزمنة، وإصرار إدارة السجون على إبقاء أجهزة التشويش التي تحيط بالأقسام المتواجد لها الأسرى بحجة وجود هواتف خلوية وما تلحقه الموجات الصادرة من الأجهزة من ضرر صحي.

خامساً إقرار قانون التغذية القسرية بعد رفض المحكمة العليا الاسرائيلية الطعون المقدمة من مؤسسات حقوق الإنسان، وما يعانيه هذا القانون من استهداف للأسير المضرب وتعريض حياته للخطر، ومحاولة استهداف هذا الشكل النضالي الذي يستخدمه الأسرى وتحصيل حقوقهم.

سادساً رفض السماح للأسرى باستخدام الهاتف حيث المطلب الدائم للأسرى هو تركيب هواتف عمومية تكون تحت مراقبة إدارة السجون للأسرى حتى يتمكنوا من التواصل مع أبناء عائلاتهم، وبالأخص أن المسموح لهم بزيارة الأسير حالة إصدار له تصريح هو قريب درجة أولى فقط، ومنذ سنوات إدارة السجون تتحدث عن نظام تلفوني جديد تحت التجربة ويمكن مراقبته أكثر. وخلال الفترة الأخيرة كانت ردودهم واضحة أن هذا الموضوع يبحث على  المستوى الحكومي وبعد ذلك رفضته نهائياً.

سابعاً البوسطات والعذاب اليومي الذي يتعرض الأسرى أثناء النقل بين السجون، من وإلى المحاكم والمستشفيات، حيث يخوض الأسير رحلة من الجحيم لساعات طويلة، وترفض إدارة السجن تحسين البوسطة وتقييد مصالح هذا عدا عن الاعتداءات المتواصلة من وحدة النحشون على الأسرى الذي يجري نقلهم في هذه البوسطة.

ثامناً تحسين شروط الحياة اليومية للأسرى التي تطالهم جوانب عدة من الممارسات والإهمال سواء لظروف معيشتهم داخل الغرف، وضرورة توفير شروط صحية ملاءمة بالحد الأدنى لهم.

تاسعاً الكانتينة والسرقة والاستغلال الذي يتعرض له الأسرى من خلال أسعار المواد الغذائية السياحية، وتحويل كل الأساسيات التي يحتاجها الأسير إلى مواد تتم شراؤها عبر الكانتينة من (أحذية ومواد تنظيف وغيرها ...) ، بعد توقف إدارة السجون عن تحمّل مسؤولية توفير المواد الأساسية  للأسرى منذ عام  2004 وتسليم كانتينة السجون منذ سنوات لشركة تمويل خاصة، بمعنى جعل الأسير أيضاً مستغلاً عبر شركات الاقتصاد والسوق.

عاشراً : سياسة الاعتقال الإداري والتي تستهدف مئات الأسرى،  وهناك خطر أن يتم تحويل الأسرى إلى الاعتقال الإداري بعد انتهاء فترة محكوميتهم، كما حدث مع الرفيق بلال كايد بعد انتهاء مدة محكوميته حيث أصبح الاعتقال الإداري أحد العناوين المتعلقة بالمواجهة.

الحادي عشر: أوضاع الأسرى الأشبال وما يتعرضون له من تضييق وعقوبات، وكذلك أوضاع الأسيرات ومطلب تواجدهن في القسم وتوفير الرعاية الضحية اللازمة لهن، وتوفير شروط الحياة الملاءمة.

الثاني عشر: انتهاء العقوبات المفروضة عن جزء من الأسرى منذ العدوان على غزة عام  2014  وحرمانهم من الزيارات وتحديد محطات التلفاز.

إن مجمل ما ذُكر وغيره من إجراءات منظمة وسياسة ممنهجة تعتمدها إدارة السجون لاستهداف الأسيرات والأسرى داخل السجون أنتج واقعاً يتطلب التصدي له، لكن هذه المهمة على صعيد الأسرى ليست  بالأمر الهين وتحتاج إلى جهد لتجاوز التعارضات ومواجهة واقع التكلس على مدار سنوات التي تعاني منها الحركة الأسيرة، وإن إعادة الاعتبار للقيم والمفاهيم النضالية بحاجة إلى إعادة اعتبار، وهذا ما يتم العمل عليه من قبل منظمة فرع السجون من خلال التواصل مع باقي القوى.

ولكن ما المطلوب خارجياً، هو مغادرة مربعات الانتظار، والانطلاق من أن الحركة الأسيرة  يشكّلون خط المواجهة الأول ضد الاحتلال، وهم امتداد للواقع السياسي الوطني، وهذا ما يتطلب بذل جهداً مضاعفاً من الأسرى والخارج.

ولذلك أرى أن المطلوب الآن هو من القوى الوطنية والإسلامية وكافة قطاعات شعبنا، العمل على التالي:

تشكيل إطار وطني جامع:

إن قضية الأسرى بالضرورة يجب أن تكون وحدوية، وبالتالي هذا الأمر يترجم من خلال تشكيل إطار وطني وحدوي شامل يضم القوة السياسية الفلسطينية كافة، وممثلين عن لجنة المتابعة العربية داخل فلسطين المحتلة عام 48 ، وتضم شخصيات وطنية وأسرى محررين مع وضع خطة عمل تفعيلية تحاكي الواقع، وترصد مهام لكل ساحة، وتهدف إلى الاسناد الحقيقي لدعم الأسرى والعمل بكل السبل، واستخدام كل الوسائل من أجل نيل حريته، وهذا المقترح يحتاج إلى مبادرة سريعة وإرادة حقيقية لتشكيل هذا الاطار بجدول زمني وخطة للبدء في تنفيذها.

 

ملاحقة مجرمي الحرب:

إن الجرائم التي ترتكبها مصلحة السجون ضد الأسرى واضحة ومثبتة، فعلى سبيل المثال تم قتل أسير على يد وحدة  " الماتسادا" في سجن النقب، وارتقاء بعض الشهداء في محطات نضالية عدة نتيجة الاعتداء المباشر عليهم، أو سياسة الإهمال الطبي،  فلماذا لا تتم ملاحقة من كانوا مدراء إدارة السجون من "يعقوب جانود" إلى "فرانكو" ومساعديهم وضباطهم؟!. وبهذا الإطار فإن مهمة إعداد ملفات حول الجرائم والمسئولين عنها وملاحقاتهم قضائياً على المستوى الدولي مهمة يمكن العمل عليها فلسطينياً، وبمشاركة من المتعاطفين مع شعبنا،  فهؤلاء المجرمون إضافة إلى ضباط المخابرات يصولون ويجولون في العالم دون ملاحقة إعلامية أو حملات تكشف جرائمهم، وبهذا الإطار فإن تكليف جهة مختصة بهذه المهمة حاجة ملحة ولا تحتاج بانتظار قرار المبادرة للتنفيذ فوراً.

احداث تغيير في شكل ومضمون الفعاليات:

إن الفعل الجماهيري هو الداعم الرئيسي لنضال الأسرى، وهذا يتطلب تطوير أشكاله، وعدم الوقوع في دائرة أشكال الفعل الروتيني، ونقل الفعاليات إلى  دائرة الفعل المركزي المتواصل بعيداً عن الفعل الموسمي، ليكون جزء من أشكال صدامنا اليومي مع الاحتلال، لتلتحم مع أشكال النضال الأخرى، وأبرزه خلق بؤر مواجهة أسبوعياً، ومغادرة دائرة الفعل الرسمي المرتبط بأحداث محددة يوم الأسير الإضرابات...الخ، إلى أفعال رئيسية ضاغطة مؤثرة.

الاستعانة بعائلات الأسرى والأسرى المحررين للترويج لقضية ومعاناة الأسرى:

إن مرافقة وفد من عائلات الأسرى ومن الأسرى المحررين للترويج لقضية ومعاناة الأسرى يشكّل داعم للمستوى السياسي الفلسطيني الرسمي لدى خروجهم واستقبالهم أمر هام وتأكيد محوريته وعلى أهمية قضية الأسرى، وأن هؤلاء الأسرى هم مناضلون من أجل الحرية وليسوا إرهابيون، فمن أفضل من أم أسير للترويج لقضية الأسرى؟ ومن أفضل من أسير محرر بأن يوّصل ويعبّر ما يعانيه الأسرى في السجون؟! ،  إضافة إلى ذلك ضرورة أن تأخذ  السفارات الفلسطينية وبالحد الأدنى مؤسسة الرئاسة دورها في خدمة هذا الهدف – وفرز ممثل يعمل في السفارات ويكلف بموضوع الأسرى، والتنسيق مع جميع قطاعات شعبنا في الشتات والجاليات ليكون عام 2017 عام حرية الأسرى، رغم أننا لا نثق بجهود السفارات ولا بجهود الرئاسة ولا بجهود الخارجية، إلا أننا كفصائل وشعب وجاليات يجب أن نشكّل خطوات ضاغطة عليهم للاهتمام بهذه القضية.

إن الاعلان عن عام 2017 ليكون عام حرية الأسرى، يتحقق بالمقاومة والفعل الجماهيري المقاوم والمنظم والعمل السياسي على صعيد الرأي العام الدولي، والتوجه إلى المؤسسات الدوّلية وإطلاق أوسع حملات الإعلامية وتنظيم تحركات جادة على كافة الصعد وهذا يساهم جدياً في تهيئة ظروف مناسبة وحماسة لدى الأسرى للاستمرار في معركتهم.

دور الأسيرات الفلسطينيات:

إن دور المرأة الفلسطينية لنضالها البارز وتميزها في جميع المجالات دائماً ومازال يشكّل رافداً أساسياً لحركتنا الوطنية وتضحياته، ومنهم الأسيرات الفلسطينيات، اللاتي برز دورهن على هذا الصعيد، وجسدن عنواناً للتضحية والصمود،  وهو ما يتطلب منا جميعاً خاصة المؤسسات المعنية، التركيز على تجربة الأسيرات داخل الأسرى، وأيضاً تعزيز أساليب التضامن والاسناد معهن، وترجمة ذلك بتنظيم الفعاليات المتواصلة بمشاركة نسوية واسعة.

إن هذه العناوين التي تطرقت إليها يمكن إنضاجها وإغنائها،  للوصول إلى الأهداف التي نسعى إليها وهي بالأساس تحقيق حريتهم، وتعزيز سبل دعمهم واسنادهم، وهو ما يتطلب إيصال رسالة بأننا نحتاج إلى من يرفع الراية ويبادر ويعمل ويؤثر، فالقادم ضد الأسرى خطير وإذا ما نستعد جيداً للعمل الضاغط الميداني من أجل الأسرى، فإنهم سيدفعون الثمن.