لماذا بلال كايد؟

مثل الكثير منكم، كنت قد سألت نفسي، في اللحظة التي سمعت فيها عن قرار مصلحة السجون الصهيونية بالحبس الإداري للأسير بلال كايد بعد أن أنهى حكماً بالحبس في السجون الصهيونية مدته 14 عاماً ونصف العام... تساءلت؛ لماذا بلال؟!

في الحقيقة، لم يفاجئني قرار سلطات العدو بحبس بلال إدارياً. لكن ذلك السؤال يدقّ جدران رأسي، ما الذي يُميّز ذلك الشاب الوسيم، ابن الـ 34 عاماً، الذي قضى قرابة نصف عمره في السجن؟ ماذا يُميّزه عن غيره، وماذا يريد منه الاحتلال بعد سجنه تلك المدة... لماذا بلال؟!

أتذكّر حكيم الثورة الحي د. جورج حبش، حينما قال: "رفاقنا الحقيقيون هناك في سجون العدو، وعندما يخرجون سترون ذلك."، تهدأ طبول رأسي لحظة، لكن بلال أقوى من الهدوء والسكون... يعود ليملأ رأسي ضجيجاً...

للأسف، لم أعرف بلال قبل 13 حزيران 2016، وهو التاريخ الذي كان من المفترض أن يتنسّم فيه بلال عبق الحرية. كنت قد رأيت صورته قبل ذلك بشهر تقريباً عند أحد أصدقائي، وهو من عصيرة الشمالية في نابلس في الضفة الفلسطينية المحتلة، التي هي نفسها بلدة بلال. لأعرف منه – أي صديقي – أن أسيراً فلسطينياً اسمه بلال كايد سيعانق الحرية بعد ما يقارب شهر أو أكثر.

أربعة عشر عاماً ونصف واجه فيها بلال صلف الجلاد الصهيوني دون أن تنحني هامته، ويستمر شامخاً كالجبال حتى هذه اللحظة في عزله في سجن عسقلان. يستمد بلال صموده في معركته، معركة الحرية، من فهمه ووعيه لطبيعة دوره؛ فهو يعي تماماً أن صراعه مع نقيضه المحتل صراعاً تناحرياً لا يمكن حلّه سوى بانتهاء النقيض، ويعلم جيداً أيضاً، وهو صاحب الخبرة والتجربة أن النقيض المحتل يعمل وسيعمل جاهداً من أجل تصفيته، وهذا بالتأكيد ما يجعله نداً صلباً.

اليوم 8 تموز 2016، يواصل بلال إضرابه المفتوح عن الطعام في عزله لليوم الـ24 ويرفض المدعّمات الغذائية، ويرفض التفاوض ويقول: "لم أضرب عن الطعام من أجل التفاوض، بل من أجل حريتي". واليوم أيضاً، هي الذكرى 44 لاغتيال أديب الثورة الفلسطينية غسان كنفاني، ولا أعلم إن كان من سبيل الصدفة أيضاً أن يكون هذا اليوم من عام 1981 يصادف استشهاد الإيرلندي جو ماكدونال، الذي استشهد في معركة الإضراب عن الطعام الإيرلندية الشهيرة في سجون الاحتلال البريطانية في ايرلندا المحتلة وقتذاك... ربما تكون مصادفة، لكن حتماً أن أرواح الثوار جنود مجندة تجتمع لتُحرّض على الثورة.

لا يخشى العدو الصهيوني أن ينال بلال حريته فحسب، فهو لا يخشى بلال كشخص، بل يخشى بلال القائد والنموذج الثوري؛ إنه ذات النموذج الذي جسّده كنفاني، كما جسّده عمر النايف أيضاً؛ إنه النموذج الكفاحي الذي تُجسّده المدرسة الثورية التي ينتمي إليها غسان وعمر وبلال.

يأتينا الجواب على سؤال: "لماذا بلال؟" صبيحة أول أيام عيد الفطر من عصيرة الشمالية، حين خرج الآلاف من الشباب الفلسطيني الحر في مسيرة نحو بيت عائلة بلال في البلدة... نعم، يُحرّض بلال آلاف الشبان، وهو في عزله الانفرادي مضرب عن الطعام. قد يحتار العدو ويتوه في تحليل وتفسير دلالات ومسببات هذا الزحف الغاضب، لكن أكثر ما يقضّ مضجعه أن أولئك الشبان، وهذا الجيل، لم يقابلوا بلال يوماً، وكل ما يعرفونه عنه كانوا قد سمعوه من قريتهم أو من عائلة بلال ورفاقه، تماماً كالقصص التي تروى عن الأبطال في الملاحم الثورية.

أعرف تماماً أن بلال مؤمن بتلك الجملة التي كان يرددها الشهيد عمر النايف، ويصرّ عليها قبل اغتياله في سفارة السلطة الفلسطينية في صوفيا العاصمة البلغارية، والتي سمعتها من أحد رفاقي: "إنها ليست قضيتي وحدي. المسألة ليست فردية. إنها قضية الجميع. قضية الشعب. لن أنسحب، ولن أهرب من هذه المعركة!"، ولذلك سيصنع بلال كايد من عتم القيد نصراً.