الأسير رقم 1587

لماذا هذا العنوان 1587

ميسر عطياني
المصدر / مركزحنظلة للأسرى والمحررين

الأسير رقم 1587

قراءتي للرواية التي شرفني الاسير هيثم جابر بنقاشها بتعاون مع المكتبة الشعبية

لماذا هذا العنوان 1587

التلويح بورقة صفراء كتب عليها رقم 1587 ليصبح الإنسان رقماً واسماً جديداً، في عالم الجدران والصقيع ما أنت إلاّ بضعة أرقام مصفوفة على قارعة تاريخهم الملطخ بالدماء، هنا أنت في عالم ما قبل الموت الأول وما قبل الشتات الأخير، هنا تتوقف نون النسوة عن الإخصاب، وتتوقف سنابل القمح عن الإنجاب، هنا أنت الآن في عالم الأسفار البعيدة تفقد اسمك، ليتلّقى ذاكَ المحقق نظرة الأسير العنيد مصمماً بقوة على الصمود،  إلى كل من امتطى صهوة القيد، وإلى كل امرأة فلسطينية تنتظر نصفها الآخر أن يعود  ليصل إلى التحدي بلحظات الحسم، إنه السجن حيث يقهر الرجال وتفترس القضبان أنفاس الصدور والأعمار، تُنتهك الأحلام وتٌحجب الشمس عن شواطئ الآمال.

 أثناء التحقيق ينقل الأسير الرقم معاناة الأسير وهي الشبح، صوت الموسيقى الصاخبة، قذارة الفرشة، وأرضية الزنزانة والبطانية النتنة، مكتب المحقق، المحققين وتغير الوجوه أربع ثلاث اثنان "البوسطة" المرض المزامن، لينقلنا إلى واقع الصمود خلف الزنازين قائلاً "كن قوياً" هناك ضوء في آخر النفق وهناك من ينتظر عودتك للخروج منتصرا إلى واقع جميل.

وهناك ينقلنا إلى واقع عليك أن تعيش به  رغم الرفض، خلف تلك الأسوار يتوقف بك الزمن والمكان،  خلف تلك الأبواب الموصدة ألف قصة وحكاية فكل أسير هو "حكاية ورواية " ويطير بنا إلى واقع الصديق الوفي والى عالم التناقضات حين تقتله الفرحة عندما يفرح ويقتله الحزن عندما يحزن "

العمر والزمن يتوقف عند الأسير رقم 1587 لحظة دخوله السجن حيث ينقلنا بروايته إلى العمر وبياض الشعر وصراع الأضداد صراع مع الوقت الذي يحكمك داخل الأسر ويبقى عمرك هو عمرك تدخل السجن ابن العشرين.. ويتوقف الوقت ... وتتوقف عقارب الساعة .. النوم بتوقيت الحمام بتوقيت الزيارة بتوقيت الفورة بتوقيت المحامي بتوقيت "" والخروج عن المألوف بحالة قدوم أسير " حينها تخرج للعالم الآخر

الصديق الوفي زميل القيد الجميل يتناول بروايته جمالية أن تلتقي بصديق زميل قيد وفي بوعي الأسر يتعامل معك بثقافة الأسر والوعي حيث كان كما وصفه بروايته " كما النهر الجاري تمتد فروعه لتروي ظمأ الأسير بتعريفه بواقع السجن بتاريخ الحركة الأسيرة وتاريخ الإضراب ومحاكاته لواقع سيعيش به لينقلنا إلى الصديق الحقيقي بتوصيفه " المعول الباني الصاقل لشخصيته " ويساهم بقراره المصيري مع شريكة العمر حبيبته الصغرى .

الحبيبة الكبرى الأم يعيدنا إلى الأم الحنون الأم التي تحدت واقع مجتمع فارقت السنوات لزوج شهيد لتعيش على أمل ابن هو الحياة الباقية المتبقية لوفاء قديس تندر جسدها وروحها ليفرح قلبها بلحظة فرح قلب ابنها بحبيبة صغرى تنال حيزا من قلبه الجميل، ووداع ابن قد قيد وغادرها محاط بجند مقنعين لتبقى عبارتها طنين ملكة النحل "الله يسهل عليك ويرضى عليك" لحلم ليلة الزيارة ورؤيتها بمحكمة من بعيد يشتم رائحة جسدها الجميل المعانق لروح الفرح ليستقر بعينية 45 دقيقه يتلمس قلبها وينقلنا لانجاز الحركة الأسيرة بتبديل توقيت الزيارة من 30 إلى 45 دقيقه ووصف قاعة الزيارة والأصعب بالوداع "يغادرون قلوبنا بخطواتهم الثقيلة على عكس لحظة القدوم بفرح الحضور الجميل".

رسائل الحب والحرب بين الثائر العاشق والحبيبة الصغرى

عائدا من قرار محكمة بسجن مدى الحياة يحاصر ذاته بقرار إفراج لحبيبته الصغرى تصارع الحب والقلب والحياة لحبيبة تعيد له الفرح، بلقاء بيوم دوام جامعي يترقبها لتحتل قلبه يغادر فرحاٌ برفقة حبيبته الكبرى بسوار يزين معصمها الرقيق الناعم, يغادر الوجع مبتسما لبريق عينين تحفظان تفاصيل الجسد والروح المحاصر بقفص حديدي، يتردد برسالته الأولى عدم قدرة على التواصل لإضرابات ستخوضها الحركة الأسيرة، تصلها رسالتها يتلو حروف قد نقشت بأنامل العشق يحصي كم كلمة احتوت وكم زهرة ترعرعت تحت شمس الكلمات الثائرة، وكم حرفا فوق سماء قلبه وروح القداسة والرهينة، يغيب بعقله بحلم جميل هي " سيدة الوقت تصطاد عيونها غبار القصائد والكلمات" يحتضنها كأنه يحتضن طفلا صغيرا طال انتظاره بعد سنوات من العقم والعوسج "

يصحو على كلماتها الرقيقة  أنت تحاصرهم وتسجنهم بداخل سجنهم فلا تسمح لهم مغادرة السجن أجبرهم ليحرسوك يتناوبون على حراستك هم لا يريدون لك أن تموت "شهيدً ولا أن تموت بطلا" يريدون أن تموت ألف مره حيا  لتصدح أصوات التكبير وصوت صفارة السجن يصحو من حلمه أين أنا ما يحصل هل هناك "قمع أم تفتيش" ليشير صديقه بإصبعه إلى تلفاز لتبدأ التكبيرات أعلى وأعلى قارئا خبر عاجل "أسر جنود صهاينة".

 إنه الحلم القادم الجميل

ميسر عطياني – أسيرة محررة

فلسطين المحتلة