بقلم الأسير القائد وائل الجاغوب

|المشهد الإسرائيلي| انضمام " ليبرمان" لحكومة اليمين المتطرف

ليبرمان
المصدر / بقلم الأسير القائد وائل الجاغوب

شكّل فشل انضمام المعسكر الصهيوني للائتلاف الحكومي القائم في " إسرائيل" والمفاوضات لانضمام "ليبرمان" لحكومة اليمين المتطرف الحدث الأبرز على مستوى الساحة السياسية الإسرائيلية، والذي ركزت عليه وسائل الإعلام، وهذا بعد أن كان التركيز على الجهد المبذول لإنجاز انضمام المعسكر الصهيوني " هرتسوغ" للحكومة، والكشف عن ضلوع المبعوث الدولي "توني بلير" في التوسط لإنجاز هذا الأمر، إضافة إلى أطراف أخرى منها عربية، وهذا على ضوء اعتراف "نتنياهو" بأن ائتلافه الحكومي الضيق يشكّل عائق أمام أي قرار سياسي يمكن أن يُفضي إلى استئناف المفاوضات مع الجانب الفلسطيني، أو اتخاذ خطوات وإجراءات بهذا الخصوص، والنتائج كانت ضم "ليبرمان" كوزير للحرب إلى حكومة اليمين المتطرف. فماذا سيكون دور "ليبرمان"؟ وما تأثيره على السياق السياسي القائم؟. وهل يمكن دفع عجلة التسوية السياسية بمشاركة أطراف إقليمية راهنة؟، وهل هذا سبب انضمامه الآن إلى الائتلاف وليس مقاطعتها؟، أسئلة عديدة ومختلفة تحتاج إلى إجابات عليها، وتأسيس رؤية لما هو مطلوب فلسطينياً عل ضوء ذلك.

 

" ليبرمان" ممثل رأس المال وقطاع " الروس":

"أفيجدور  ليبرمان" قدم إلى فلسطين من مناطق الاتحاد السوفيتي سابقاً عام 1978 وانضم لاحقاً إلى حزب "الليكود" وشارك في حملة " بنيامين نتنياهو" الانتخابية عام 1996 في رئاسة الوزراء، وأصبح أبرز العاملين في مكتبه بعد فوزه، إلى أن استقال عام 1998 احتجاجاً على توقيع " نتنياهو" على اتفاق "واي ريفر" مع السلطة الفلسطينية، وأسس عام 1999 حزب "إسرائيل بيتنا"  ممثل اليهود الروس، والذين قدموا من مناطق الاتحاد السوفيتي السابق. وقد قدمّ خطاب يميني متطرف ضد الفلسطينيين، وبالأخص فلسطينيي الداخل المحتل عام 1948، ولم يغادره طموح أن يتزعم " الليكود" يوماً أو ائتلاف اليمين ويتولى مسئولية رئاسة الوزراء.

ركز برنامجه السياسي على ما ذكر، فضلاً عن حاجات اليهود الروس بالأخص، فحسب دائرة الإحصاء المركزي يعيش داخل "إسرائيل" 934 ألف قادم من الاتحاد السوفيتي ( دائرة الإحصاء المركزي – صحيفة هآرتس 30-1-2015) .

فاز بتلك الانتخابات بأربعة مقاعد، عام 2000 تحالف مع الحزب القومي الإسرائيلي المتطرف وخاض معهم أيضاً انتخابات عام 2003 وحصل هذا التحالف على سبعة مقاعد، انضم للائتلاف الحكومي وانسحب منه عام 2004 على اثر صفقة الانفصال عن غزة، وتحالف مع الاتحاد الوطني عام 2006، وخاض الانتخابات منفرداً بحزب " إسرائيل بيتنا" وحصل على 11 مقعداً، وشارك في حكومة " أولمرت" وانسحب منها عام 2008 على اثر طرح موضوع القدس للتفاوض مع الفلسطينيين، وانضم لاحقاً لحكومة " نتنياهو" وشاركه الحكومة عام 2013، حصل الائتلاف الحكومي ما بين " ليبرمان" و"نتنياهو" على 31 مقعد، وانتهى الائتلاف الانتخابي بعد ذلك، وخاض الانتخابات الأخيرة وحصل على 6 مقاعد.

وفي هذا السياق المكثف يمكن التأكيد على الطبيعة القطاعية لتمثيل حزب " ليبرمان" كممثل للمستوطنين الروس من جهة، ومرتبط بتوجه الرأسمال الصهيوني ومصالحه من دعم للإجراءات الاقتصادية المعززة لمشروعه السياسي، وارتباطه أيضاً بالفساد المالي وهو معروف أنه أكثر السياسيين الإسرائيليين فساداً على صعيد الحركة السياسية الإسرائيلية، إضافة إلى انعدام الحياة الديمقراطية الداخلية في الاطار الحزبي المسيطر على كافة مجريات الأمور بداخله، إضافة لذلك ارتباط رموز حزبه بصفقات تجارية وقضايا فساد كان آخرها ما تم قبل واثناء الانتخابات الأخيرة من فضح قضية فساد متورط فيها وزير سابق، ونائبة وزير من حزب ليبرمان.

الانتخابات البرلمانية الأخيرة وانتهاء تحالف " ليبرمان – نتنياهو":

مع بدء التحقيقات خلال حملات الانتخابات الأخيرة عام 2015 ضد قادة وأعضاء حزب " ليبرمان" قال الأخير "كما يحدث في كل جولة انتخابية منذ تأسيس حزب إسرائيل بيتنا، الشرطة تبدأ بحملات اعتقال وملاحقة إعلامية، وفتح ملفات تحقيق" ( صحيفة يديعوت أحرنوت 25-12-2014 – تصريح لليبرمان). في إشارة واضحة إلى استهداف " ليبرمان" وحزبه، وتقديراً منه إلى أن من يقف وراء ذلك " نتنياهو" وما عزز ذلك إشارة أحد أقطاب حزب الليكود إلى أنهم يعملون " لاستمالة المصوتين للبيرمان حتى لو أدى ذلك إلى عدم تجاوزه نسبة الحسم (المصدر/ صحيفة هآرتس – 10/6/ 2015). وهذا ما حدث حيث حافظ " نتنياهو" على كرسيه من خلال استقطاب مصوتي " ليبرمان" وزعيم البيت اليهودي " بينيت". مما ولدّ ردة فعل سياسية لدى " ليبرمان" أدت إلى رفضه المشاركة في الائتلاف الحكومي، مستنداً بذلك إلى محاولة زعزعة "نتنياهو" لمعسكر اليمين، إضافة إلى تحسين شروط دخوله للحكومة، والتي إن دخلها سابقاً لن يحصل على العرض الذي قُدم له اليوم.

هذا ما جعله على مدار عام كامل يحافظ على مهاجمة " نتنياهو" ووصفه بالكاذب وعدم قدرته على القيادة، والضعيف والمتردد.

 

" ليبرمان" والآراء حول التسوية السياسة:

إن ركيزة " ليبرمان" السياسية قائمة على تلبية ما يطلبه جمهور اليمين من خطاب ( كراهية العرب – التلويح باستخدام القوة واستخدام أسلوب التخويف والترهيب ) ويمكن تلمّس ذلك حين كان وزير للخارجية، والركيزة الأخرى هو أنه " براغماتي سياسي" ظهر ذلك اثناء وجوده في وزارة الخارجية، حيث أشار مرات عدة إلى أن هنالك حاجة لاتفاق إقليمي مستنداً بذلك إلى " أن وجود تدهور سياسي يمكن تلمسّ نتائج بالجانب الاقتصادي، مما يعني ضرورة التوصل إلى اتفاق إقليمي سياسي، من خلال مفاوضات بمشاركة دول الخليج ومصر وغيرها" ( المصدر/ صحيفة هآرتس/ 24-12-2014 + القناة الصهيونية الثانية 15-1-2015). وبذات اللقاء أكد أيضاً إلى "أنه من أجل التوصل إلى حل سياسي يجب التخلص من أبومازن، واستخدم خطاب سياسي يقوم على قراءة للوضع الراهن، وسياسة نتنياهو التي " فشلت، خاصة سياسة الأمر الواقع التي ينتهجها، ونحن بحاجة إلى تسوية سياسية" (المصدر / جريدة هآرتس مقابلة 26/12/2014). وإشارته إلى أنه يشكّل بديل سياسي " أنا أقدم مبادرة سياسية حيث إننا إذا لم نبادر سيكون هناك تسونامي سياسي، بحيث يجب أن نعمل على أن يكون هناك اتفاق سياسي إقليمي " (نفس المصدر هآرتس).

إن ما ذكر من شذرات حول آراء "ليبرمان" لا تنفي مما قدمه من ناحية تبادل أراضي وسكاني ضمن أي تسوية سياسية، وانشداده للتسوية وفق أفق إقليمي، وتجاوزه للقيادة الفلسطينية، واعتبارها تحصيل حاصل، وحتى إعادة تشكيلها وفق الحاجة والمصلحة الإسرائيلية، وفتح قنوات حوار مع أطراف فلسطينية مستعدة للقبول بالأمر الواقع، والاملاء الصهيوني، ويأتي ذلك في إطار تقديم " ليبرمان" نفسه كبديل وخيار سياسي .

" ليبرمان" والأمن:

إن طموح " ليبرمان" السياسي يتمثل في تزعم معسكر اليمين، ووراثة " نتنياهو" كرئيس للوزراء، وجل ما يحتاجه الآن هو الجانب الأمني؛ فالتجربة على هذا الصعيد، وهذا الأمر يمكن أن يشكّل خطوة باتجاه رئاسة الوزراء، وفي ذات الوقت، يمكن أن تنهي تجربته السياسية، فمن ناحية "ليبرمان" سيبذل كل جهد من أجل تقديم نفسه كخيار سياسي في وزارة الحرب، ومن جهة " نتنياهو" بأنه موقع يمكن من خلاله إحراق "ليبرمان".

إن وجود " ليبرمان" على مستوى المؤسسة الأمنية يمثل تحدي بالنسبة له، وبالأخص بعد استطلاعات الرأي التي لا تدعم وجوده على رأس المؤسسة. (استطلاع للقناة العاشرة الصهيونية بتاريخ  19-5-2016، بأن نسبة 52% لا يدعمون تعيين " ليبرمان" وزيراً للحرب)، علماً أن هناك استطلاعات سابقة قد قدمته كخيار أمني أول للتعامل مع الفعل الانتفاضي الفلسطيني، مجمل ذلك أن " ليبرمان" يقدم خيار أمني سياسي مركب، من جهة يريد تقديم نفسه بديل ويقدم نفسه  كمنفذ لأجندة اليمين في المستوى الأمني والسياسي، بالمقابل أنه يخشى من الفشل ويدرك أن هنالك استحقاقات سياسية يجب التعامل معها، وفي مقدمتها الانتفاضة وحصار غزة وتوسيع الاستيطان، والمواقف التي تصدر عن ضباط الجيش، ودعمه للجندي القاتل في الخليل، وحضور محاكمته، وهو مؤشر على ما سوف يظهر من تناقض بينه وبين المؤسسة العسكرية، وفيما يتعلق بغزة فهو طالما أكد على " أن هناك فجوة كبيرة بين ما قيل عن حرب غزة، وبين ما جرى، وإنه إذا بدأنا حرب لن نتوقف في منتصف الطريق، وهناك تناقض بين وجهة نظري ووجهة نظر نتنياهو " (المصدر/ هآرتس بتاريخ 24-12-2014). هذه الحرب بالأخص التي استند إليها " ليبرمان" ليقدم نفسه" قائد مجرب ومسئول وصاحب رؤية سياسية" ( المصدر/ هآرتس بتاريخ/ 26/12/2015).

وبهذا فإن برنامجه السياسي والامني للوصول للسلطة هو بالعمل على اشتداد القبضة الأمنية لقمع الانتفاضة، والتأكيد على أنه يشكّل بديل لما هو قائم، وفي الوقت ذاته يقدم خطوط وبدائل سياسية لتحقيق تسوية سياسية والتعاون بذلك مع قوى إقليمية في المنطقة، متجاوزاً في ذلك القيادة الفلسطينية.

الموقف الفلسطيني:

ضرورة ألا نفكر نحن الفلسطينيون بأن هناك تغير جوهري على السلوك السياسي والأمني لحكومة اليمين، والتعامل مع تطورات موقفها يجب أن يتمثل بالسعي لإنجاز المهام التالية أولها المصالحة الوطنية الفلسطينية ، والثاني صوغ برنامج نضالي يطور الفعل الانتفاضي على الأرض، وهذا ما سيشكّل الخيار الأمثل للتعامل مع حكومة اليمين الصهيونية، وبالأخص بأن مخاطر عدوان قائم على غزة قائم، وازدياد قمع الحالة الانتفاضة قائم، وازدياد الإجراءات العنصرية القمعية ضد أهلنا في الداخل قائم، والانتباه إلى أن مشاريع التسوية السياسية قائمة أيضاً.