يكتب الأسير أمجد عواد ردًا على سؤال أحدهم "لماذا تكتب..؟"

أكتبُ لأحيا ذات موت

thumb.jpg
المصدر / السجون-حنظلة

ردًا على سؤال أحدهم: لماذا تكتب؟ ولمن؟

أقول لك يا مَنْ سألت:

أكتب لأحرر يدًا وقدمًا على الأقل، ولتراني أمي بين الحروف قد كبر صغيرها وبات شيئًا.. لأزحزح ضيق مكعبي شبرًا آخر...لقبرةٍ خالفت منطق الجماعة لتبني عشها أعلى نافذتي...لأخرج بضع حروفٍ طاب لها المبيت أسفل مخدتي...أكتب لأمنع يداي من التصلب.. لأمارس رياضة الاختلاف...أكتب لشبلٍ قد تبهره رتابة جملي...لأمنح فراشةً حق التمتع بنور مصباحي الليلي...لحبيبةٍ ما عاد يقنعها مفردات الحب الكلاسيكية.. لأثبت قدرة الأسير على التسلل خلسةً أكتبُ لأشعر بالتعب فأنام بشوقٍ متحاشيًا النظر في عيني حلم بحرية قد لا تأتي...أكتب لأختبر قدرتي على التجريد...لأداعب فضول الاكتشاف..لنملةٍ تحمل قمحها صيفًا...لخيمةٍ في وادي الحمص...لزهرة حنون محنّطةٍ بين صفحات دفتري هذا...أكتب لثائر يحمل حلمًا بحجم الدنيا...لقدرٍ أمعن في صلبنا.. لمقصلةٍ تنتظر حساء رقابنا الذي تحب...لنعشٍ يخرج مهللاً من هذا السجن أو ذاك...أكتب للضمير العربي الذي كما يبدو سيبقى مستترًا إلى الأبد...للمطر...لرب البحر...لرصاصةٍ ترنو دورها في الوصول لحلم العودة...أكتبُ لحنظلة وشعره القليل...لقدماه الحافيتان وثوبه المرقع... لألواح الصفيح...لعجوزٍ تجمع بحبٍ ندى الصباح...لزيتونةٍ ضاجعها ألف احتلالٍ فاحتفظت بعذريتها...أكتبُ لألوي عنق نجمتهم الصدئة...لأكسر بوقهم المعقوف...أكتب لأن المجاز يجرحني...وكي أحبك أكثر أكتب...لأطهر قلبي..لأجرد نفسي فوضى المكان...ولأن لمؤبداتي الخمس عليّ حقٌ أكتب...لأني في الكتابة أكونني أكثر من أي وقت...أكتب لأجعلك تبتسمين كما الآن...لأقرع جدران الخزان...ليغضبوا مني...لتبرء روحي ولأشتّم رائحة غير الصدأ...لأعيد لطفل دومًا وجهه الجميل...لأكسر عقرب الساعة... أكتبُ..

لأساعد سلحفاة مقلوبة على ظهرها...كي أكون...كي لا تتوه البوصلة...كي لا تنفذ ذخيرتي...أكتب لأرى انعكاس حرفي في حدقاتكم...للجرح أكتب...لنصفي الآخر هناك عند حدود الموت في القطاع أكتب...للأطراف المبتورة...لحدائق الكاش المؤنث بالتدخل...لهمسةٍ في الليل...لسنبلةٌ حبلى...ولشابة شاخت قبل أن يروي ثدييها عطش أطفال ملائكة...أكتب لرايةٍ امتلئت بالثقوب...لجرح رخام في قبر شهيد...للشهيد...للنشيد...ولعل الدائرة تكتمل... أكتبُ..

نكايةً بما يفترضه مؤبدي من عجز...لأرسب عامدًا في اختبارات اللغة...لتنتقديني...لأحيا ذات موت...لأذكر ذات شوق...لأحمي عقلي من الوقوع في فخ التخشب...لأحمي لغتي من العبرية...لأعيدُ توازني...ولأنّ للحروف عليّ حقٌ أكتب...لأرتب فوضاي...لأخدع وجعي...لأقطب جرحي...كي تعلموا أني لا زلت على قيد الحياة وأنني لا زلت أتنفس حتى لو تنفست صدأً...أكتب لأتسلل خلسةً نحو الإفتراض لأني فيه أغدو حرًا...لأثبت أن ألوان عالمي لا تتشابه في الظلام...ولأن أحدهم يجب أن يقرأني.. أكتبُ...لأتكأ على سطرٍ إذا وهن العظم مني ذات يوم...لأمرّن خصر حرفي...لأنفض الندى عن جناح فراشتي...كي لا يعاتبني أناي...أكتبُ لأفتت البلاط بما عليه من أبواقٌ...لأرأب صدعًا يتسع داخلي كل دقيقتين...لأنفض عن روحي غبار الأسر...ولأن الحروف موسيقى أكتبُ...لأن مسرح زنزانتي تنقصه الإضاءة والأهم أني أكتب علَّ الحكاية أو نصفها يصل إليكم حتى لو خلت من أبطالها..  

الأسير: أمجد عواد

سجن ريمون الصحراوي