كتب الأسير أمجد عواد من زنزانته في سجن ريمون الصحراوي..

إني أتنفس صَدَأً

thumb.jpg
المصدر / السجون-حنظلة

رسالة إلى الفلسطينين من أصحاب الأيادي الخشنة والجباه المشققة والعيون المتحفزة في كل بقاع مجرة درب التبانة، أقول لكم: إن مخزون الأكسجين في غرفتي قد شارف على النفاذ، ولم تجد رئتاي غير الصدأ هواءً تقتات عليه، ذلك لأن شروط التنفس في عالمي إستثنائية وتحتاج للكثير من الحظ والصدفة ودعوات أمي... ماذا أعني؟؟ أعني أنه إن إستطعت البقاء واقفًا على قدماك أو يداك أو حتى على أطراف عينك اليسرى لحظة رشك بلتيراتٍ من الغاز المضغوط في أنبوبٍ أشبه ببرميلٍ متفجر دون أن تجثو على ركبتيك مكللًا بعشر إلتهابات رئوية فأنت تتنفس..

وإن واجهت مصيرك بشجاعة أمام كلاب وحدات القمع من نوع الجيرمان شيبر والرود فايلي والبودل دون أن تراودك ليلًا وجوهها ولهاثها ورائحة أنفاسها ولعابها فأنت تتنفس..

وإن تحملت مؤخرتك وعمودك الفقري برد وحر خزانة الفولاذ أثناء نفيك من سجن لآخر دون أن تصاب بالتهابات المسالك أو نقص في أحد الفقرات فأنت تتنفس..

وإن استطعت الثبات أمام حرمانك وجه أمك سنوات طوال دون أن يراودك شك نسيانه فأنت تتنفس..

وإن وجدت غير قرص الأكامول دواءً لكل مرض عرفته البشرية وشفيت منه فأنت تتنفس..

وإن نجحت في تقمص القليل من مشاعر الحزن التابعة لزمن ما قبل الأسر لحظة إبلاغك بوفاة أحد ذويك دون أن تشعر بالإغتراب عنه وعنك فأنت تتنفس..

وإن جاءتك صورة أحدهم ذات زيارة ولم تعرفه بعد أكثر من عقد على أسرك ونجحت في منع حدقاتك من التكعب فأنت تتنفس..

وإن شاهدت أحد أصحاب القمصان المكوية بعناية على شاشة التلفاز يلقي خطبةً يمجد فيها وحدة الحركة الأسيرة ورتابة صفها دون أن تقول له "ألف كاذب" فأنت تتنفس..

وإن أتممت بنجاح عناق رفيقٍ لك سيتحرر بعد قليل قبل أن تصافح عشرة اعتقلوا الآن فأنت تتنفس..

وإن أنجزت صياغة ما يشبه القصيدة دون أن يلوي لك تفتيشٌ ليلي عنق قافيتها فأنت تتنفس..

وإن رأيت الشمس دائرية وليست قرصًا مربعًا فأنت تتنفس..

وإن مرّ عصفور برفقة قبرةٍ ذات حلم دون أن تحسده على جناحيه فأنت تتنفس..

وإن تلقى ذويك بضع قروشٍ دون أن يتحفز العالم أجمع لمناقشة "أموال الإرهاب" فأنت تتنفس..

وإن وصل لمسامعك خبرٌ يناقش تقدمًا في ملف الجنود المخطوفين في غزة قبل أن يأتيك ستون خبرًا ينفي ما سمعت فأنت تتنفس..

وإن وقعت عيناك ذات صباح على أحد عمداء الأسرى الذين تجاوزوا الثلاثين عامًا في الأسر دون أن تلعن عجز الفصائل وخصيها فأنت تتنفس..

وإن ارتقى زميلٌ لك شهيدًا بين يداك دون دورك على شاخص الموت ولائحته فأنت تتنفس.

ختامًا..

أرجوا أن أكون قد وُفقت في إيصال طعم الصدأ الذي بتُّ أتنفسه هنا..

 

الأسير أمجد عواد

سجن رامون الصحراوي