كتبت الأسيرة المحررة دعاء الجيوسي..

ميلاد جفرا..

CF002452-BD60-4F3D-95E1-E0AD9231497B.jpeg

بقلم: دعاء الجيوسي.

في البدء كانت الأرض عجوزاً جَّفَ منها الضِرع....
جرداء..... لا تؤتي فيئاً ولا زَرع....
بتراء لا تعلم لها أصلاً و لا فرع...
بلهاء .....لا تُدرِكُ ظلها...
صماء....عجفاء كلها...
تفتك بها العواصف...
وبين عصف وقصف وُلدت جفرا وعشتار....
من عاصفتين
للحُب والحرب و الخصب فتاتين...
الكبرى سمراء......من نبضها أنبتت صخوراً ثِقال.... 
صخرة فوق أخرى فبات على كوكبنا جبال....
ومن بين جبلين تَفَجَّر نبع ماء....عذب زُلال...
على السفح جادت بدمعة...فأنبتت زيتونةً وارفة الظلال.
ومن زيتونة جفرا جاء التين والزيتون والكروم والأدغال.

ذات فجر تململت جفرا تفقدت السهل فما وجدت عشتار.
سألت الجبل الرمل ،،،الصخر والوعر والأشجار....
كلها قالت إن عشتار عند السَحَر صوب الغرب بدأت الإبحار
وحيدة كانت جفرا تحرس سفح الزيتون وسقف السماء.
ناداها البحر فإنسلت من حرشها وجلست قربه مُستسلمة عند حافة الماء.
أغواها اللعين...وهو مخضرم منذ ميلاده زير نساء...
عند الشفق...أفاقت بنت العاصفة....قلبها يخفق..
وإلى جوارها ممدد طفل ملائكي عيونه حوراء....
حملت طفلها....وعادت للكرمة تدندن ومن لحظتها عرفت الأرض الموسيقي والحِداء.... 
سُحِرَت خليلة البحر بفتاها....
أحبته كما يكون الحُب وأعطته كل القلب...
أسمته كنعان.....ونادته إبن البَرية فاتن الظباء...
وكي تُنبِأهُ بحبها أخترعت لغة بأحرف وهِجاء...
شَب كنعان جلداً قوياً....
زرع الجبال والتلال وجاب أرض أمه من الماء للماء.. 
سألها ذات يوم أيا أمي ما أسم هذه الأرض.. 
قالت كنعاني...أنت إبن عاصفتها والبحر...
أنت شقيق زيتوناتها والصخر....
وأول من وطأها بعدي قبل الزمان...إذا لتكن أرض كنعان.

تفتح إبن جفرا للحياة والحُب....كان في عينيه مَسٌ يوحي بأنه مُشتاق يقتله الهجر...
وكانت أمه عندما تلحظه تقول ويلي عليك إنك كأبيك البحر زير نساء....
عاشق مفتون كأمك تفتح قلبها للفجر....
سارت الحياة....الأشجار تُثمر....وكنعان كنسر شمالي يحرسها صباح مساء....
في ليلة عاصفة مدٌ بحري ضرب الشاطئ فوصل الكرمة....
ثم هدأ قبل أن ينسلخ الفجر عن العتمة....
عند الصباح كانت فتاة سماوية...قدها قد ريم برية....
تتوسط الكرم وتهمس خالتي جفرا.....أنا شمس بنت عشتار وحبيبها البُركان....
البحر خطبني لوحيده في زيارة للشمال خاطفة....
وحملني إليه على متن العاصفة فأين ولدك...
أطل كنعان من الأكمة....
فغامت الدنيا بشمس....
على الشاطئ أقاموا سامراً وعُرس ومن نسلهم وُلِدنا...
نحن أحفاد جفرا والبحر...أبناء كنعان والشمس...
إخوة عكا ونابلس والقدس....
كلنا من جفرا....
أُمنا الحُرة....
وإنا لها راجعون كَرّة بعد كَرّة.