كتب الأسير المقدسي شادي الشرفا من خلف زنزانته في سجن جلبوع..

حول الانتخابات..من القلب إلى القلب

e5307811788fa7eef43c3e0dd333f167.png
المصدر / السجون-حنظلة

ما زال التساؤل قائمًا حول جدية القراربإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية ومجلس وطني وهذا التساؤل مشروعًا نظرًا لتنكر قيادة آل فتح وآل حماس لمسؤولياتهم الوطنية والأخلاقية على مدار سنوات، خاصة وأن كافة اتفاقيات المصالحة السابقة من اتفاق الدوحة مرورًا بالشاطئ وصولًا إلى القاهرة قد تم التنصل منها تحت حججٍ واهية.

لا ندري ما إذا ستعقد الانتخابات أم أن مطحنة الصراعات الداخلية للحزب الحاكم قد تعيد العجلة إلى الوراء أو أن كورونا ستكون العذر الجديد. فقد تعود شعبنا على سياسة التلكؤ والمماطلة والتسويف لإنهاء الانقسام المخزي والذي بات يضرب النسيج الوطني برمته. وكانت المطالبة دومًا الاحتكام إلى الشارع لإنهاء الانقسام عبر انتخابات ديمقراطية حقيقية تئثنهي حالة التشظي القائمة، ورغم ذلك تصدح أصوات ترفض الانتخابات أي ترفض الخيار الديمقراطي، بما يعني الإصرار على استمرارية هذا الواقع المؤلم تحت ذرائع لا أفهمها.

احترم الآراء المعارضة للانتخابات، لكني أعجز عن فهم مبرراتها. فأن ترفض الانتخابات هذا حق مكفول، لكن دعونا لا نخلط الحابل بالنابل. فالمشاركة في الانتخابات لا تعني الموافقة على أوسلو ولا تعني التنازل عن شبر من الأراضي الفلسطينية والمشاركة لا تلزم الاعتراف بالكيان الصهيوني أصلًا.

نعم فلسطين هي فلسطين التاريخية من نهرها إلى بحرها، ونعم نرفض اتفاق أوسلو وكافة بروتوكولاته وملحقاته وتداعياته، ونرفض الاعتراف بالكيان الاستعماري الاستيطاني الصهيوني في فلسطين، ونعتبر الحركة الصهيونية حركة استعمارية إمبريالية لا يمكن التصالح معها. لكن ما شأن ذلك والانتخابات التشريعية التي تشكل فرصة تاريخية ليس لمعاقبة فتح وحماس على جريمة الانقسام فقط، إنما أيضًا معاقبتهم على جرائم الانتهاكات القانونية والحقوقية والاقتصادية، وطائل المراسيم الرئاسية التي استبدلت البرلمان، وسيل القرارات التي تبث استقلالية القضاء، ناهيك عن جرائم الانتهاكات التي ترتكبها الأجهزة الأمنية لكلا الطرفين، علاوة على فساد طغمة حاكمة استأثرت بالقرار السياسي والاقتصادي وراكمت رأس مال ضخم على حساب شعبنا المناضل والذي يتم إفقاره بشكلٍ ممنهج.

آن الأوان لجماهير شعبنا أن تقول كلمتها، آن الأوان لبناء مجتمع ديمقراطي مدني يستطيع مكافحة الاحتلال وإنجاز عملية التحرير. لكن الحرية والتحرر كمفهوم متلازمان، فلا يمكن إنجاز الحرية دون تحرر أبناء شعبنا عبر بناء مؤسسات ديمقراطية فاعلة ونشر ثقافة الديمقراطية بدل ثقافة الاستزلام والزبائنية. هناك أجيال تعاقبت منذ التجربة الديمقراطية الأخيرة، والتي شهد لها العالم أجمع، لم تمارس هذا الحق الدستوري في اختيار ممثليها. آن الأوان لإعطاءها الفرصة لتقول كلمتها وتعبر عن رأيها. من واجبنا منحها الفرصة ليس لاختيار ممثليها فحسب، إنما أيضًا الفرصة لتمليكها ملكة المشاركة السياسية والثقافة الديمقراطية.. نريد بناء جيل يتحمل مسؤولياته الوطنية، جيل يؤمن بالخيار الديمقراطي بدل جيل تابع وخاضع لمنطق البداوى والعلاقات الأولية الجهوية والفئوية والزبائنية التي تقدس الزعيم وتنساق نحو المصالح الذاتية على حساب المصالح الوطنية.

أدعو كل من يرفض المشاركة في الانتخابات أن يتمعن في معطيات دائرة الانتخابات المركزية حيث تشير إلى أن ما نسبته 93% من سجل الناخبين قد سجل للانتخابات حتى قبل أيام معدودة، أي ما يمثل 2.6 مليون من أصل 2.8 مليون مواطن من أصحاب حق الاقتراع. تعكس هذه الأرقام رغبة جماهيرية في التغيير، أو على الأقل رغبة وطموح في اختيار القيادة..لماذا الإصرار على حرمانها من حقها الدستوري؟ وأليس من واجب الأحزاب التعبير عن طموح وآمال الجماهير؟ أم أن المفضل اليوم هو التقوقع على الذات والانفصال عن المجتمع وبالتالي البقاء خارج التاريخ؟! 

صحيح أن الانتخابات لن تكون العصا السحرية التي تنهي الإشكالات الفلسطينية المتراكمة، وهناك تخوفٌ من نزاهة العملية الديمقراطية، ناهيك عن أن الانتخابات بالنسبة للمتزعمين الحاليين تأتي استجابة لضغوطات خارجية وليس استجابة لاستحقاق وطني وأخلاقي. لكن أليس من الممكن أن تكون هذه الانتخابات فرصة لإنهاء الانقسام وبناء نظام سياسي فلسطيني ونسج عقد اجتماعي جديد يؤسس للمرحلة القادمة؟ وأليس هناك ولو ذرة أمل بإعادة تعريف السلطة على أسس كفاحية ووطنية بدل الأسس الأمنية والوظيفية القائمة الآن؟!

إن اكترار الحديث عن أن الانتخابات تجري تحت سقف أوسلو ليس موضوعيًا، فأوسلو اندثر تحت جنازير الدبابات الإسرائيلية التي اقتحمت الضفة العام 2002 ولم يبقى من هذا الاتفاق المشؤوم سوى ما يخدم الابرتهايد الاستعماري وشريحة منتفعة محدودة، من هنا فإن الأولوية هي إعادة بناء البيت الفلسطيني وصولًا إلى تحقيق الحلقة المركزية وهي إعادة بناء م.ت.ف على أسس وطنية وديمقراطية.

أقولها كلمة من القلب إلى القلب..إن المجلس التشريعي مهمًا لوقف سيل القرارات الرئاسية التي تحولت إلى قوانين، فكل مفهوم لقانون وكأننا نعيش في نظام ملكي من القرون الوسطى. نحن بحاجة إلى برلمان فلسطيني يصيغ قوانين تحمي المرأة ويصون حقوق الناس ويفرمل انتهاكات الأجهزة الأمنية..نحن بحاجة إلى برلمان يعيد صياغة العلاقات الاقتصادية ويحمي الفقراء المهمشين..نحن بحاجة إلى برلمان فلسطيني يقف أمام سياسة النهب وتهريب الأموال الضالعة فيها البنوك التي قيدت قطاع واسع من أبناء شعبنا في القروض طويلة الأمد..نحن بحاجة إلى برلمان يصيغ قانون ضمان اجتماعي يحمي حقوق العامل وأسرته ويؤمن مستقبل لهم..نحن بحاجة إلى برلمان يسقط سياسة هدر الأموال ويراقب المؤسسات التنفيذية ويفرض الإشهار المالي ويطبق سياسة المساءلة..نريد برلمان يكافح الفساد عبر تكريس فصل السلطات لبناء أسنان قضائية فاعلة..نريد برلمان يفرض على سيادته كشف مصروفاته وميزانياته ويوقف مهزلة المنح الرئاسية و"المكارم" التي استبدلت الحقوق والتصرف بإستغفال بأموال دافع الضرائب للدعاية..نريد برلمان يراقب الفضائية الفلسطينية والتي تحولت إلى أداة لخدمة جهة واحدة ومستأثرة بالسلطة.. نريد برلمان يقول لحماس كفى لقرارات يتم استحضارها من أيام القرون الوسطى.. نريد برلمان لفرملة وتعرية أي تسوية سياسية تديرها إدارة بايدن وتنتقل من الحقوق الفلسطينية التاريخية.

وأخيرًا... نريد برلمان يشكل بيتًا جامعًا لكافة التناقضات تمهيدًا لبناء م.ت.ف ونحو صياغة استراتيجية وطنية مشرفة تلتقي بها كافة الأطراف وتحقق أهداف المشروع الوطني، لا على قاعدة حل الدولتين الوهمي إنما على أساس مناهضة وإسقاط المشروع الاستعماري الاستيطاني والأبرتهايد العنصري في كل فلسطين.

​​​الأسير شادي الشرفا

سجن جلبوع