كتب الأسير رائد الشافعي في ذكرى ميلاد ابنته الراحلة..

صغيرتي الجميلة دنيا

119598060_173297531019451_7501808211793241169_n.jpg
المصدر / السجون-حنظلة

‌يا برعماً تفتح سوسنةً نبتت على ضفاف قلبي ... وريشة ترسم أحلامي ومستقبلي ... يا عطر الزهر والنرجس ... ياحلماً ينبت في كل مكان في جراح الوطن وفي السماء والأرض وشقائق النعمان ... يا أنفاً لم ينتصب وغداً بالمجيء تعثر ...قد صلبنا القدر على عقارب الزمن ... يا حلماً بريئاً خبئناه فرحاً بغدٍ ... يا قمراً  في رحلة العمر لم يكتمل ... يا جنة الأرض وسهل القمح ويا سهر الفرح على البيدر ... تنبعثين فينا مواسم العشق خارج الزمن في قلب الربيع وتحت حبات المطر ...يا حلمنا البِكر يا حلماً جميلاً لم يكتمل ... 
‌صغيرتي الحلوة،،
‌ ألن تخبريني يا بنيتي كيف الوقت إنقضى ، كيف شاخ الفجر وشاب الليل وإنطفأ الأمل ، وحلماً رحل ليسكن القمر ، فترك القلوب تنزف والدموع تنهمر ، يا حبيبتي كل شجرة مباركة وكل زهرة بريّة تصلي من أجلك ِ وترسمكِ إكليلا على رأس الجبل والوطن ، ولم يبقى لنا كسرة خبز سوى إسمكِ وذكراكِ نقتات منهما وعليهما الأمل ، بعد أن فقدنا بوصلة الغد الآتي والشعور بالوقت والزمن ، نعم يا طفلتي زمن الأحلام الجميل إنقضى وزمن الحزن إنتحر وها قد تغيرت الأحلام بعد أن إنتصر الرحيل عليكِ وعلينا معاً ، وسكن القلوب والحياة الضجر ، سأحمل قيثاري  بعيد ميلادكِ سنغني معاً فرحاً في قلب أعشاش الطفولة في قلب عشٍ دافئٍ على أغصان الشجر ، ونعزف معاً لحن الخلود في آخر ليالي السهر ، نودع القمر والفرح في إطفاء آخر شموع أعياد الميلاد على أنياب القدر ، ونبكي على غدٍ قادمٍ بلا أمل ، سننتظر برائة الفجر النديّ يا آلهة الصباح الجميل ، ونشهد معاً على جريمة القدر حين شنق الحلم وصلبه على ما تبقى من سنوات العمر ، وها قد أصبحنا يا صغيرتي نخاف الحلم ولم نعد نجرأ للنظر إلى القمر الذي يذكرنا برحيل آخر أمسيات الحب والفرح والسهر ، وها نحن ننتظر وتغدو لحظة الإنتظار فيه دهر...
‌ذكراك في يوم ميلادك إنقاذاً لما تبقى من العمر ، ذكرى نأبى أن ننساها ونتركها ورائنا في يوم ميلادكِ نحتفل برحيلك ونتذكركِ أكثر ، نواعدك روحاً نقية طاهرة كحبات المطر ، وفي نومنا ننتظركِ بعد أن نتوسل أن نراك حلماً وطيفاً  فنحن نعيش لأننا ما زلنا على قيد الحلم والذاكرة ككل البشر ، نتذكركِ في كل لحظات العمر على موائد طعامنا نترك لكِ مقعداً شاغراً على أمل أننا نعيش كابوساً سينتهي بلمح البصر ، نخاطبك ما أجمل إبتسامتكِ حين نتأملها ونُقبلكِ نحتضنك حلماً وأملاً فأنت حلماً يشكل عالماً بأكمله ، وأملاً يكفي للكون مطر ، أنت يا صغيرتي عصفورة تشكل سرباً بمفردها ،فكنت أكبر من سمائنا وأطهر مافي حياتنا وأنقى من دموعنا عليك ، أنت كل أحلامنا السعيدة وأمنياتنا البسيطة رغم إنسحابك النبيل من أمام ناظرنا ومن حياة لن تسعك لأنك أكبر منها لقد غارت منك الدنيا يا دنيا !!
‌وإنسحبت من حياتنا ببرائة الطفولة بعد أن أهديتينا في رحيلك ما لم يسبقكِ إليه ملاكاً أو بشر ، دائما أنت مميزة مختلفة وما أروع ذالك الإختلاف حتى في رحيلك مختلفة وفي توقيت الرحيل متميزة ، ونحن اليوم يا صغيرتي بحاجة لعمر يوازي العمر مليون عمر لتقبل فكرة رحيلك وإنطفاء صوتك إلى الأبد ، ما كان لشيء أن يفرقنا كهذا عشنا الوهم في لحظات السعادة ونحن نغطي حلمنا في قلوبنا الصغيرة لم نعلم أنك أكبر منها فإنها لم تشتمل فرحك وسخطك وبرائة طفولتك لم نتخيل أنك سترحلين منها وتتركين لها عشاً هشاً فارغاً من المستقبل يسكنه الماضي بأفراحه والحاضر في دموعه ويخاف من غدٍِ قادم لستِ فيه أمل ، أورثتينا يا صغيرتي الحب والأمل والطيبة والألم وكأنك تعرفين أنه أقوى بقاءً من الفرح وأن الماضي أضمن  وأكثر أماناً من المستقبل المجهول ، نكتبك اليوم بكل وجعنا وحسرتنا عليك نكتبك ونكتب إليك ونحن الآن في الا مكان مصلوبين بين عالمين مختلفين عالم نحتفل فيه بعيد ميلادكِ ويجب أن نشعل لك إثنا وعشرون شمعة وعالم آخر نطفئ فيه ستة عشر شمعة وقلوبنا إنفطرت من حزنها على رحيلك ، عالمين يباعد بينهم الرحيل والحضور الحلم والواقع الماضي والمستقبل ، نحن ياطفلتي أسرى حبك وعبيد ذكرياتنا معك وأنت مفتاح التحرر والفرج من قيود الحب على أعناقنا وأعناق أيامنا وسنوات عمرنا القادمة وكلما مر الوقت ضاقت أكثر على أعناقنا لأننا بعدك نسينا كيف نعيش الحياة مكرهين مرغمين على الفرح وعلى ممارسة طقوس العيش ، وكلما إستيقظنا من حلمنا نعود ونبكيك ونكتبك ثأراً لأوجاعنا على رحيلك ،في عيد ميلادك الثاني والعشرون ستبقين الذكرى الجميلة العطرة في أيامنا وأمسياتنا.
كل عام وأنت الحب البِكْرُ والأكبر.. 
كل عام وأنت عصفورتنا التي تكبر معنا بدقات قلوبنا..
والدك المتيم بك يادنياه الجميلة.
.

الأسير رائد الشافعي
سجن جلبوع